أشبه بتهريبة غير مفهومة، تحاول الحكومة تمرير قانون الكابيتال كونترول، بصيغة يكاد يجمع الخبراء، من مختلف المشارب والمدارس المالية والاقتصادية، على اعتوارها الفاقع، إذ تغسل أيادي الحكومات المتعاقبة والمسؤولين، إلى يومنا هذا، من تحمّل مسؤولياتهم عن الانهيار الذي أوصلوا البلاد إليه، وتلقي بالخسائر على المودعين من ادخاراتهم وجنى أعمارهم وعرق جبينهم، بشحطة قلم، إن قُدِّر لهذا القانون أن يمرّ بصيغته المطروحة.
ومن المسلّم به، أنه كان يجب أن يقرّ الكابيتال كونترول بعد انفجار الأزمة في تشرين الأول العام 2019، مباشرة وخلال أيام، وبمعايير دولية، كما يحصل في كل دول العالم المسؤولة فعلاً. لكن الإصرار على تمرير هذا القانون بشكل منفصل عن خطة التعافي الاقتصادي المنتظرة، يطرح علامات استفهام كثيرة حول قطبة مخفية لا تزال خيوطها مجهولة، لكن لا شك أن الأيام ستكشفها.
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، يوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الكابيتال كونترول يُعتمد مبدئياً لوقف التحويلات الاستنسابية. فصحيح أن المودعين لا يتمكنون اليوم من سحب ودائعهم، لكن بعض المصارف لا يزال يمرّر لبعضهم بشكل استنسابي أكثر من الآخر”.
ويلفت، إلى أن “الهدف المعلن لقانون الكابيتال كونترول هو وقف التحويلات الاستنسابية، بما يتيح لاحقاً للحكومة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل هادئ بعيداً عن حالة الهلع والتهافت على التحويلات والودائع. أما السؤال المهم، فهو ماذا سيحصل للقطاع المصرفي على ضوء ذلك في حال أقرَّ هذا القانون؟”.
ويشير مارديني، إلى أنه “سيتم وفق ما تسرَّب من خطة التعافي التي وضعتها الحكومة، تشكيل لجنة لاحقاً تقرِّر بحسب معايير معينة لا تزال مجهولة حتى الآن، ولا نزال لا نعلم ما إذا ستكون معايير استنسابية أو جديّة بالفعل، لكن ستقرِّر هذه اللجنة مَن هي المصارف التي ستبقى وتلك التي يجب أن تقفل”.
ويضيف، “بالنسبة للمصارف التي ستبقى عاملة في السوق، سيكون هناك بحسب الخطة المسرّبة للحكومة، هيركات على المودعين، بحيث إن كل مودع يستعيد من وديعته مهما بلغت إلى حدود الـ100.000 دولار، علماً أن خطة الحكومة لا تشير ما إذا كان سيستعيد أمواله بالليرة على سعر منصة صيرفة أو بالدولار، وكل ما يفوق الـ100.000 دولار سيلحقه هيركات”.
وينوّه مارديني، إلى أن “لا تفصيل لمسألة الهيركات، لكن يتسرَّب أنه سيكون هناك تركيبة ثلاثية: جزء من الوديعة سيتم شطبه، وجزء سيتحوَّل إلى أسهم في المصارف، وجزء يتحوَّل إلى الليرة على سعر صرف مجحف أي أدنى من سعر صرف صيرفة”.
“أما في ما يتعلّق بالمصارف التي لن تبقى وستُقفل”، يرى مارديني، أن “هنا المجهول الذي لم يأتوا على ذكره، لكن يمكن أن نوضح كيف يتم التعامل عادةً مع هذه المصارف، عالمياً”، مشيراً إلى أن “الخطوة الأولى بدايةً، تكون بدخول مؤسسة ضمان الودائع على المسألة، ومعلوم أن مجلس النواب أقرّ َمطلع العام 2020 رفع ضمان الوديعة من 5 ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة في حالة إفلاس المصرف”.
ويوضح، أنه “بالتالي تدفع المؤسسة الوطنية لضمان الودائع 75 مليون ليرة لجميع المودعين الذين يملكون حسابات بهذا المبلغ أو ما يفوقه، أي تغطِّي الودائع إلى حدود هذا المبلغ، وبطبيعة الحال تغطِّي المؤسسة كامل الحسابات الأدنى من الـ75 مليون ليرة”.
ويشرح، أن “كل ما يفوق الـ75 مليون ليرة، سيتم تصفية المصرف الذي سيقفل وتوزَّع الأموال نتيجة ذلك على المودعين بحسب حساباتهم المصرفية. فالبنك يملك أصولاً وممتلكات وأبنية وعقارات ومؤسسات وشركات وغيرها، تتم تصفيتها وتسييلها”.
ويستدرك مارديني، مشدداً على أنه “طبعاً كل هذه الأصول لا تكفي لسداد كامل مبالغ الودائع، وإلا لما كان المصرف ليقفل. بالتالي يتم تصفية أصول البنك، وبعدها يتم توزيعها على المودعين، كلّ بحسب حجم وديعته”.
ويضيف، “مثلاً، إن كان شخص يملك 5% من ودائع المصرف، يُمنَح 5% من قيمة أصوله بعد تصفيتها، وهكذا دواليك بالنسبة لسائر المودعين. علماً أن المودعين سيلحقهم خسائر كبيرة في هذه الحالة، فالمسألة مرتبطة بحجم الأصول التي يملكها المصرف المقفل”.
ويلفت مارديني، إلى أن “الهيركات والكابيتال كونترول المطروحين، هما من ضمن مذكرة التفاهم الأوليّ التي تم التوافق عليها بين الحكومة وصندوق النقد الدولي”، مضيفاً أن “مذكّرة التفاهم هذه تذكر بأن هناك مصارف ستفلس، وسيتم حماية الودائع إلى سقف الـ100.000 دولار، بالإضافة إلى نقاط أخرى”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية