بعدما حطت الانتخابات النيابية رحالها على فقدان حزب الله وحلفائه الأكثرية النيابية لمصلحة القوى السيادية والتغييرية، ترتسم التساؤلات حول المرحلة الآتية والاستحقاقات المقبلة، بدء من انتخاب رئيس مجلس النواب، إلى تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة، والتأليف، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية.
والسؤال، كيف سيرد حزب الله على خسارته، وهل سنكون أمام مرحلة مستعادة من تعطيل الاستحقاقات ومحاولة تأبيد الهيمنة على البلد، وفرض أمر واقع بقوة السلاح وسطوته؟ وماذا عن عودة الكباش بين حليفي الحزب حركة أمل والتيار الوطني الحر، بعدما لمَّح النائب جبران باسيل إلى شروط وضعها للمقايضة على إعادة انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري لولاية جديدة، تطاول الحكومة المقبلة وربما الانتخابات الرئاسية، بقوله “من يفكر أن يقايضنا بين رئاسة المجلس ونائب الرئيس غلطان، ومسترخصنا”، بمعنى أن سعره أعلى؟
بالإضافة إلى ذلك، ما يمكن أن يتوقعه اللبنانيون من القوى السيادية والتغييرية والشخصيات المستقلة، على اختلاف تشكيلاتها، في البرلمان الجديد، الداعية إلى استعادة مقوّمات الدولة كافة، بدء من حصرية السلاح في قواها الشرعية، وإعادة بناء المؤسسات على أسس شفافة خالية من الفساد والمحاصصات؟
فهل ستلين قوى التغيير والسيادة أمام محاولة الفريق المستقوي إبقاء القديم على قدمه من خلال دعوته إلى تشكيل ما يسمَّى حكومة وحدة وطنية تحت ذرائع مختلفة، رأينا ما أدت إليه من كوارث؟ أم ستنجح هذه القوى في توحيد موقفها والتنسيق في ما بينها حول مجمل الاستحقاقات، وفرض أجندة التغيير الذي حصل على الواقع السياسي، لنأمل بوقف الانهيار عند الحدود التي بلغها وبدء عملية التعافي والنهوض؟
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات العميد الركن المتقاعد خالد حمادة، يرى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الانتخابات النيابية شكَّلت بنتائجها معطيات جديدة دخلت على الحياة السياسية في لبنان، بصرف النظر عن كل ردود الفعل التي يتقدَّم بها لغاية الآن حزب الله والتيار الوطني الحر وكل القوى التي تدور في فلك الحزب”.
ويشير حمادة، إلى أن “هذه القوى تحاول القول إن الانتخابات لم تُدخل أي معطى جديد، بالتالي حزب الله ومحوره يحاول القول بشكل مضمر إنه يرفض نتائجها، على الرغم من الكلام عن احترام رغبة اللبنانيين. فما يحاوله هو تمرير نظرية أن أيام المعركة الانتخابية كانت انتخابات استعراضية، والآن عادت المعادلة إلى ما كانت عليه”.
ويعتبر، أن “الخطاب الذي يقدَّم، لا سيما من قبل التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، كلّ من جانبه، في مسألة الإصرار على ترشيح بري مجدداً لرئاسة البرلمان، هو بالدرجة الأولى موجَّه إلى الجمهور للقول له إننا لم نخسر الانتخابات، ونوع من تعويض معنوي لهذا الجمهور. وكذلك هو خطاب يحاول إحياء معادلة توازن سياسية ما، والقول إن على أساسها سيتم تركيب السلطة في لبنان وستُبنى المرحلة المقبلة”.
وبرأي حمادة، أن “كل فريق سياسي ذهب بالخطاب إلى الملعب الذي يراه ملائماً له. فالنائب محمد رعد اختار التخوين لكل من يريد معارضته. وكتلة بري جزمت بأنه سيكون رئيساً للبرلمان ونقطة على السطر، وهذا أيضاً خطاب استفزازي، حتى لو افترضنا على سبيل الجدل وجود أكثرية نيابية مع هذا الفريق وتريد انتخاب بري، أو عدم وجود مرشح شيعي آخر وبالتالي سيفوز بري بالأكثرية النسبية وليس الأكثرية المطلقة، لكن هذا خطاب استفزازي بحدِّ ذاته”.
ويلفت، إلى أنه “كذلك، رأينا من قبل التيار الوطني الحر، كيف أنه لم يحاول مقارعة الفريق الذي دخل حديثاً إلى المجلس النيابي، أو الفريق الذي هُزم أمامه في الانتخابات، وأعني هنا وليد جنبلاط واللقاء الديمقراطي، وكذلك النائب أسامة سعد والقوات اللبنانية التي سدَّدت له هزيمة في جزين، بالإضافة طبعاً إلى كسروان ومناطق أخرى”.
ويضيف، “بدل أن يوجِّه باسيل خطابه باتجاه هذا الفريق لمحاولة تعويض الخسائر التي حصلت في صفوفه، نراه عاد إلى لعبة التقاسم السياسية ومحاولة إعلاء سقف المطالب، للقول إن تياره لا يزال موجوداً في المعادلة ولا يزال مقرِّراً. وربما ما تغيَّر فقط أنه لم يعد يستعمل عبارة أنه الطرف المسيحي الأقوى، لكن المطروح بالنسبة للتيار اليوم هو وضع شروط موجَّهة بالدرجة الأولى للجمهور، كما أشرنا، للقول إننا لا نزال في موقع يسمح لنا بوضع شروط على تشكيلة السلطة التشريعية بمعنى هيئة مكتب المجلس أو نيابة رئاسة البرلمان، وأيضاً على رئيس الحكومة المكلَّف لاحقاً”.
ويتَّضح من كل ذلك، وفق حمادة، أن “هذه القوى السياسية لم تتعلَّم شيئاً من الماضي، بأن الفترة السابقة كانت عبارة عن سياسات بائسة وتحالفات على حساب المواطن والوطن، وهي ذهبت بلبنان من ناحية الاستقرار والعلاقات الدولية والإقليمية والاقتصاد إلى أوضاع مزرية. فبدل أن يكون الخطاب عودة عن تلك السياسات والتقدُّم بشكل جديد من الجمهور اللبناني، نرى أن هذه القوى لا تزال في أماكنها، وما تعنيه الحياة السياسية للتيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله هو تقاسم السلطة، لكن كلٌّ في حقله وعلى بيدره الذي يراه ملائماً “.
ويشدد حمادة، على أن “القوى التغييرية أمام تحديات كبيرة، لكن ربما يجب الانتظار لمعرفة ما يمكن أن تضيفه فعلاً هذه القوى التي ستتقدَّم وتشارك أولاً في تركيبة السلطة التشريعية”، معتبراً أنها “يجب أن تمتلك المرونة، لأنه أولاً ليس هناك مرشح شيعي خارج دائرة حركة أمل أو بري، إنما التعبير عن هذا الموضوع يجب أن يكون من ضمن ما يتيحه الدستور، أي أن تعبِّر عن رفضها من خلال إيصاله بأكثرية هزيلة، وأن تكون موجودة في اللجان النيابية، وأن تفرض نفسها في اجتماعات اللجان وما ينتج عنها ويحال إلى الهيئة العامة”.
لكن الأهم من كل ذلك، بالنسبة لحمادة، هو أن “الموضوع ليس سباقاً على تقاسم السلطة وانتزاعها، لكن هو سباق عمَّن هو فعلاً بمستوى أن يقود لبنان ويضعه في مصاف آخر غير الذي وصل إليه. بالتالي على القوى التغييرية ألا تذوب في عملية التسابق على السلطة”، معتبراً أن “استحقاق نيابة رئاسة البرلمان على أهميته لا يشكِّل مفصلاً في الحياة السياسية”.
ويؤكد، أن “تسمية رئيس الحكومة المكلَّف، والحكومة، هي المفصل، وهنا سيكون التحدي أمام القوى التغييرية. هل ستطرح برنامجاً وتقول من يلتزم به نسمِّيه لرئاسة الحكومة، أم سيعاد إدخال القوى الجديدة في سباق الأسماء ونصل بعد تجاوز التسمية إلى مأزق التشكيل والحقائب الوزارية، وبالتالي نعود للدوران في نفس الحلقة وتدخل هذه القوى التغييرية في دوامة السياسة التقليدية، التي ستهضمها فعلاً وتطيح بالمومنتوم والزخم اللذين أتت بهما. وبالطبع سيتكرر هذا المشهد عند استحقاق رئاسة الجمهورية”.
ويعتبر حمادة، أن “القوى السيادية والتغييرية مدعوة لإنتاج رأي عام يصطف حول برنامج واضح في كل الخيارات السياسية، والذي يجب أن يتجاوز المسائل التقليدية ويذهب إلى تحديد كيفية ممارسة السياسة والسلطة أو المعارضة. بمعنى أن كل العناوين التي وضعتها حكومة تصريف الأعمال في مسألة النهوض الاقتصادي غير كافية، فماذا ستقدِّم القوى التغييرية من جديد عليها؟”.
ويضيف، “هل ستعدِّل هذه المقاربة وتقدِّم رأياً علمياً تقنياً مقنعاً أكثر؟ وهل سيكون هناك فعلاً مقاربة جدية لمعالجة الأزمة المعيشية والتدهور الاقتصادي بدل العناوين التقليدية البائسة التي طرحتها خطط الحكومة الراحلة ومن ضمنها خطة التعافي؟ وماذا يفيد الشعب اللبناني بضع مليارات الدولارات من الديون من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، من دون تحفيز جدي لنقاط القوة الاقتصادية الموجودة في لبنان؟”.
ويشدد، على أنه “على القوى التغييرية ألا تنسى أنها انطلقت من الشارع ومطالب الناس. وهذا ما يجب أن يشكِّل الداعم الأساسي خلفها لمسيرة جديدة، قبل أن تفقد زخمها ونعود للدوران في حلقات المحاصصة والتجاذب السياسي، وبالتالي ستفقد هذه القوى كل أمل بفتح كوّة في هذا الجدار”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية