نجحَ العدوّ الإسرائيلي بتسلّلٍ موصوفٍ إلى الحقوق اللبنانيّة النفطيّة. وما كان هذا النجاح ليتمّ لولا تلكّؤ بعضُ الداخلِ المعروف في عدم تطبيق القوانين اللبنانيّة، والأخذ بالنصائحِ الدوليّة والإقليميّة. والأهم من ذلك كلِّهِ، هو هيبة الدولة المضروبة من بعضِ أبنائها المعروفين الذين بحجّة العيش الكريم باتوا روّاد تجارة الحشيش، وتحت حماية كلّ سلاح غير شرعي؛ أكانَ حزبيًّا أم فرديًّا. والموضوعان مرتبطانِ بالسيادةِ اللبنانيةِ التي إن طُبِّقت كما ينصّ الدستور اللبناني تُحَلُّ هاتان الإشكاليّتان. فهل يستطيع لبنان أن يسترجِع سيادته؟ وهل من الممكن بعد كلّ هذا التأخير في الملفِّ السيادي أن تستلحقَ الدّولة اللبنانيّةُ ما تبقّى من جمهوريّة؟
السيادةُ ليست menu a la carte نُطبِّق منها ما نشاء، ونتنازل عمّا نشاء. هي كلٌّ لا يتجزّأ، مهما اختلف شكل النّظام، أو مهما كانتِ الصيغةُ التي بُنيَت عليها فلسفة الوطن الوجوديّة، أو مهما تبدّلت قواعد الجمهوريّة الدستوريّة. فالموضوع الحدودي لا يحتمِلُ التأويل لأنّه موضوع علميّ بحت تقرّره العلوم الجيولوجيّة وما يرتبطُ بها من قضايا في هذا المجال. وأي اختلافٍ ترعاهُ القوانين الدولية التي أثبتت تجارب لجوء الدول إليها بإحقاق الحقّ. لذلك لا يحتمل المجتمع الدولي الذي يرعى مفاوضات الترسيم الصفقات الصبيانية التي رعاها العهد بهدف ضمان كرسيّ الجمهوريّة على حساب التنازل عن حقوق اللبنانيية، ليتبيّن أنّ الحقوق طارت والجمهورية باتت بعيدة منه بعد كوكب المريخ من الأرض.
وما تجرُّؤ العدوّ الإسرائيلي إلا لأنّ الدولة اللبنانيّة بمن يحكمها اليوم لا تزال مصرّة على التنازل عن سيادتها إرضاءً لمشروع الثورة الإسلامية الذي يقوده حزب الله والذي لا يشبه اللبنانيين لا عقائديًّا ولا حضاريًّا ولا حتّى اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا بشيءٍ. لقد شكّلت الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي بارقة أملٍ للشعب اللبناني لأنّها أفرزت مجموعات مختلفة منها التغييري ومنها السيادي ومنها مَن حافظ على ولائه لنهج حزب الله وحلفائه. لكن على ما يبدو أنّ الخديعة التي نجح بها حزب الله في انتخابات رئيس البرلمان ونائبه التي انحصرت بـ65 نائباً انكشفت والقوى التغييرية باتت أكثر قناعة على تحالفها مع القوى السيادية.
وهذا التحالف الذي يجب أن يواجه منظومة الفساد التي تغطيها المنظمة بسلاحها غير الشرعي. ويجب ألا يقع الشقاق بين الأفرقاء الذين قرروا المواجهة، ماذا وإلا تذهب جهودهم كلّها سدًى. وهذا التحالف وحده بإمكانه الحدّ من المحاصصات التي يقودها فريق السلطة. كما يمكنه أن يقف سدًّا منيعًا بوجه كلّ مَن يحاول الانقضاض على ما تبقى من سيادة للدولة على حساب المزيد من سيطرة الدولة والمتفلتين من رقابتها كلّهم من دون أي استثناء.
من هنا، يبدو أنّ القناعة السياديّة هي التي ستغلب القناعات الأخرى من اقتصادية وبيئية واجتماعية. وذلك لأنّ المعركة الكبرى هي في المجال السيادي الذي إن استطاع لبنان الدولة إرساءه سينسحب ذلك على المجالات كلها. ولبنان اليوم قادر بقدرة جيشه وشعبه وبرلمانه الجديد على استعادة السيادة. وقد ثبُتَ ذلك في مداهمات الخارجين على القانون في بعلبك وتجار المخدرات والحشيش. ولو أنّ السيادة موجودة اليوم في البحر أيضًا وفي الجنوب اللبناني وعلى سائر الحدود لما تجرّأ العدوّ الإسرائيلي على التطاول لحظة.
نحن اليوم أمام فرصة سياديّة قد لا تتكرّر إلا بعد أربع سنوات. على كلّ الفرقاء الاستفادة من هذا المومنتم السيادي وتحوير الأولويات كلها نحو الملفّ السيادي؛ والأهمّ جعل القرار السياسي سيادي بامتياز لأنّ هذا الطريق وحده قادر على إعادة الحياة إلى الدولة. وعودة السيادة لا تعني إلغاء أحد بل هذه ضمانة لكلّ مَن يعيش في كنف الدولة اللبنانية، مهما اختلف انتماؤه.
فالسيادة وحدها تخلّصنا من فُجّار كاريش ومن تجّار الحشيش وتضمن وجودية الوطن واستمرارية الدولة، لأنّ الحقّ حقٌّ لو الناس كلّهم رفضوه، والباطلُ يبقى باطلاً لو الناس كلّهم قبلوه. ونحنُ والحقُّ أكثريّةٌ.