سوء تقدير الأمور سيفاقم حتمًا الأزمات التي يعاني منها لبنان، فلا يمكن مثلاً مقاربة الملفّ النفطي من زاوية الابتزاز بهدف المصلحة الشخصيّة. ولا يمكن تعطيل ملفّ التشكيلات القضائية وضرب منظومة العدل عن بكرة أبيها لتحصيل مكاسب فئوية بحتة. ولا يمكن لمَن ادّعى الثورة على مَن دخل السلطة بهدف التغيير ولم يُغِّر وعلى مَن اعتمد المحاصصة والزبائنيّة والتشويه الإعلامي بغرض تهشيم الخصم، أن يعتمد الأساليب نفسها متى صار هو نفسه في السلطة.
الإعلام الحرّ هو أكثر من مهنة إنّه رسالة يحملها الإعلامي أينما حلّ في خدمة الحرّيّة والإنسان. وما الإعلام أو الإعلامي الذي يتعمّد تشويه الحقائق ودسّ المغالطات كالسمّ في الدسم سوى إنسان ساقط في عين الحرّيّة. وللأسف نجد أنفسنا بموقع الحذرين دائمًا في التعاطي الإعلامي مع الذين يعتبرون الإعلام وسيلة لابتزاز الآخر ولبثّ صورة نمطيّة عنه، لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، بهدف النيل منه سياسيًّا. وهذا ما يسمّى بالحقيقة عمليّة اغتيالٍ سياسيٍّ.
وما فتئت القوّات اللبنانية تتعرّض لهكذا اغتيالات. لكن أن يقدم حلفاء سوريا وإيران على هذه الأساليب فهذا ليس مستغربًا، بل المستغرب والمستهجن أن يعمَد مدّعو الثورة والتغيير إلى تبنّي الأساليب نفسها. أما اتّعظ هؤلاء كلّهم بأنّ مَن يؤمن بالإنسان والحرّيّة ولبنان سقطت هذه الأساليب عنده أبريوريًّا، ولم تعد هذه الفئة أقليّة يمكن توجيهها بوساطة الإعلام الأصفر الرّخيص؟
لا نتعجّب من الذين يستغلّون دماء شعبهم بعد عمليّة الغسل الأيديولوجي الموصوف لبعض منهم، ترغيبًا أو ترهيبًا، مِن أن يقدم هؤلاء على هذه الأساليب الدنيئة. فتعطّشهم للسلطة ولو على حساب دماء فلذات أكبادهم أرجع مكوّنهم الحضاريّ كلّه سنينًا ضوئيّة. من هنا، المطلوب من المكوّن الحضاريّ الشيعي أن يقف وقفة ضمير ويقول كلمة حقّ حول أيّ لبنان يريد؟ ويستثمر حالة الحرّيّة التي برزت في الانتخابات النيابيّة.
أمّا أولئك الجهابذة الذين يصرّون اليوم البحث عن دور لهم خارج الإطار السياديّ الحرّ فسيجدون أنفسهم حتمًا في حضن الشيطان. وسيكونون المتآمرين الطرواديّين الذين سيسهّلون القضاء على ما تبقّى من مقوّمات لوجود الدّولة في لبنان. وذلك إمّا عن سابق تصوّرٍ وتصميم أو عن قلّة دراية بالشأن السياسي. وفي كلتا الحالتين الذي سيدفع الثمن هو لبنان الدّولة.
المطلوب اليوم مقاربة الأمور بوعي أكبر بعيدًا من محاولات تسجيل النقاط. لأنّ العدّ لا ينفع وقت الحرائق الكبرى التي تأكل الأخضر واليابس. فكلّ مَن لم يدرك بعد بأنّ العجلة في الإنقاذ تقتضي بلورة جبهة دستوريّة في وجه مَن يمعن في الاعتداء على الدّستور. المطلوب اليوم السير في عمليّة التكليف والتأليف وفق المواصفات التي تعيد الدستور إلى سكّة التطبيق والتنفيذ. والاقتناع بأنّ العمل السياسي لا يمكن أن يُدَارَ من قبل أفراد بل هو بحاجة إلى أحزاب سياسيّة قادرة تنظيميًّا وشعبيًّا على مواكبة الاقتراحات والقوانين كلّها.
المواجهة مستمرّة وتقتضي أيضًا مواكبة سير حياة النّاس اليوميّة من خلال تأمين لهم الأمن والأمان على قاعدة أن لا سائحَ سياتي إلى لبنان متحمّلاً خطر المرور في مطار متفلّت من الرقابة الأمنيّة وواقع تحت رقابة حزب الله. المطلوب اليوم إقرار المراسيم التطبيقيّة للسير في مطاري القليعات وحامات المدنيّين لما قد يؤتيان من ثمار اقتصادية واجتماعيّة في محيطهما أوّلاً وفي لبنان كلّه ثانيًا. فضلاً عن تأمينهما الراحة النفسيّة والأمنيّة للوافدين إلى لبنان في موسم الصيف.
رحلة المواجهة هذه تقتضي تأسيس أكبر جبهة دستوريّة وليس على قاعدة مواجهة أكثرية لأقليّة، بل على قاعدة عودة الحياة إلى الدّستور لعودة الحياة إلى الدّولة. وليتمكّن المجلس النيابيّ الجديد من تطوير الدّستور بما يتلاءم مع مقتضيات المرحلة الجديدة. عدا ذلك كلّه، سنكون أمام عدّاد الوقت للحظة الارتطام الكبير التي سيتحمّل مسؤوليّتها كلّ مَن سيختار وضع يده بيد هذه المنظومة الفاسدة أو أن يرضخ لسلاح منظمة حزب الله على قاعدة “حقنًا للدماء وحفاظًا على ما تبقى من لبنان”.