لا شك أن الانتخابات أفرزت نتائج نيابية وسياسية جديدة، مختلفة عن الواقع الذي ساد الحالة السياسية في البلاد، على مستوى الاصطفافات التي حكمت اللعبة طوال المرحلة السابقة التي امتدت لسنوات مضت. ومن الواضح أن “الرتابة” التي حكمت المشهد السياسي في المرحلة السابقة، لناحية “المعسكرات” الواضحة المتقابلة، طرأ ما بدَّل من ركودها وأضفى حيوية مختلفة، مع دخول عناصر جديدة إلى اللعبة.
فالانتخابات سجلَّت دخول قوى تغييرية ومستقلين، سواء من رحم انتفاضة 17 تشرين أو ممّن يتقاطعون مع العناوين التي رفعتها، إلى الندوة البرلمانية، وخلطت الأوراق. هذا وسط تراجع بعض القوى والأحزاب التقليدية وفقدانها الأكثرية النيابية، نظرياً، وأبرزها حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما، مقابل تقدُّم ملحوظ لأحزاب أخرى مثل القوات اللبنانية.
لكن لا شك أيضاً، أن الأكثرية البرلمانية الجديدة المفترضة من أحزاب سيادية وقوى تغيير ومستقلين، لا تزال هي الأخرى غير واضحة وعصيّة على الترجمة فعلياً، حتى الآن، ويمكن وصفها أيضاً بالنظرية حتى إشعار آخر، وسط انتقادات تتعرَّض لها لناحية ضعف التنسيق بين مكوناتها على الرغم من تلاقيها على عناوين عدة، والمحاولات الحثيثة التي تبذلها أطراف أساسية داخلها لتخطي هذه العقبة. وانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب البرلمان، بالإضافة إلى انتخابات اللجان النيابية، مؤشرات واضحة على ذلك.
النائب المنتخب المستقل غسان سكاف، يؤكد، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الانتخابات أفرزت انتصاراً للمشروع السيادي اللبناني، لكنها أفرزت في الوقت ذاته حالة من التوازن بين مكونات كل الوطن”، مشيراً إلى أن “حصرية تمثيل الطائفة الشيعية بالثنائي، أدَّت إلى تأثير مستمر في الحياة السياسية، بما فيها انتخابات رئيس ونائب رئيس البرلمان وهيئة المكتب واللجان”.
وإذ يلفت سكاف، إلى أن “حصرية الثنائي يمكن أن تؤدي في وقت معين إلى التعطيل تحت شعار الميثاقية”، يشير إلى أنه “في مقابل هذه الحصرية هناك شرذمة في الطائفة السنية وإلغاء لحصرية مرجعيتها، ما يمكن أن يؤثر في حال استمرار الأمر على ما هو عليه، على مسألة تكليف رئيس جديد للحكومة وتشكيلها ومنحها الثقة، ولاحقاً على قضية انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، معتبراً أن “هذين العاملين أدَّيا إلى تعطيل مفاعيل الزخم التغييري الذي ظهَّرته نتائج الانتخابات”.
ويشدد سكاف، على أن “النتائج لم تقتصر على ضخّ دم إصلاحي جديد في مجلس النواب، إنما على ضخّ دم سيادي استقلالي جديد. لكن ما أسميناه أكثرية هي مشرذمة، وبتوصيف دقيق لمجلس النواب الجديد نلاحظ وجود 5 أقليات ولا أكثرية واضحة:
أولاً، أقلية الثلاثي، أي الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر. والأقلية الثانية مشكَّلة من أحزاب القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والتقدمي الاشتراكي. والأقلية الثالثة من المستقلين. والرابعة من التغييريين. والأقلية الخامسة من النواب الذين كانوا في المجلس السابق وأعيد انتخابهم”، مرجحاً أن “تتغير الأكثريات على القطعة بحيث تكبر أقليات وتصغر أخرى، إذ هناك أقليتان ثابتتان تقريباً، مقابل أقليات مطاطة تسير على القطعة”.
ويعتبر، أنه “لم يخسر شخصياً انتخابات نائب رئيس البرلمان، إنما الخاسر الأكبر كان كتلة الورقة البيضاء”، معرباً عن اعتقاده بأن “كتلة النواب التغييريين أساءت استعمال الورقة البيضاء، وهي تعلم أن التغييريين والمستقلين، على الأقل، هما وجهان لعملة واحدة وهدفهما واحد، محاربة الفساد وسيادة لبنان وكل هذه العناوين، وفقط الأسلوب يختلف بينهما”.
ويخشى سكاف، من أن “الأمور لا تبشِّر بالخير في حال استمر هذا التشرذم”، معتبراً أن “التغييريين أضاعوا على لبنان فرصة تغيير حقيقي منذ البداية. فهم أضاعوا (تسونامي) كان في متناول اليد مرتين، مرة في انتخاب نائب رئيس البرلمان ومرة في انتخابات اللجان، وأضاعوا بذلك المومنتوم. وكل ذلك بسبب شعار يتمسكون به وهو (كلّن يعني كلّن)، الذي يمكن رفعه والصراخ به في الشارع لكنه لا يمشي في مجلس النواب”.
ويقول، “أتفهَّم أن يكونوا (كلّن يعني كلّن) تحت المساءلة والمحاسبة، لكن لا يمكن أن نكمل بهذا الشعار في البرلمان وسائر المؤسسات الدستورية. فهذه سياسة لا تُطبَّق، لأن في التصويت داخل مجلس النواب هناك حسابات وتنسيق وتحالفات، وإن لم يحصل ذلك سنكون خاسرين”.
ويضيف، “أكثر من ذلك، التغييريون لم يتلقَّفوا اليد الممدودة من الأحزاب السيادية بعدم تسمية أحد نوابها لهذه المراكز، مثل مركز نائب رئيس البرلمان، الذي لم ترشح القوات اللبنانية نائباً من تكتلها إليه، وساهمت في محاولة إيصال نائب من الممكن أن يحدث الفرق ويكون صوتها. في حين النتيجة كانت أننا أعطينا كامل هيئة مكتب البرلمان لفريق 8 آذار، فضلاً عن أكثرية اللجان، ورؤسائها ومقرِّريها كما يتوقع، بطريقة لم تكن ذكية كي لا نقول أكثر، وتحت شعارات جُمِّعت وأُلصقت كيفما كان من دون نتيجة”.
ويؤكد، أن “من يستعمل الورقة البيضاء في انتخابات مصيرية كانتخابات نائب رئيس البرلمان، مع مرشح لم يكن هناك غيره مَن يملك فرصة الوصول إلى الموقع، وإهدار هذه الفرصة كما حصل، بمثابة استعمال دواء تجربة على مريض على مشارف الموت. أضاعوا الفرصة الأولى، ومن ثم الثانية في انتخابات اللجان، بالتالي من غير المستبعد أن يضيِّعوا الفرصة الثالثة المتمثلة بتسمية رئيس مكلَّف لتشكيل الحكومة وإعطائها الثقة، ومن ثم انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
ويحذّر سكاف، من أن “الأمور لا تبشِّر بالخير، إلا إذا تغيَّر الأداء، ويجب أن تحصل مراجعة سريعة على هذا الصعيد”. ويكشف، لموقعنا، عن “تواصله مع عدد من النواب التغييريين، الذين أبدى قسم منهم ندمه على الطريقة التي تصرَّفوا بها والقرارات التي اتخذوها”.
ويشدد على “وجوب حسم هذه المسألة سريعاً داخل صفوف النواب التغييريين، وإلا الأمور لن تبشِّر بالخير”، معرباً عن اعتقاده بأن “التغيير يجب أن يترجم بالنهج والعمل السياسي، خصوصاً أن مقابلنا هناك منافس سياسي محنَّك يقضم كل المراكز، لا بذكائه ولا بقوته، إنما من خلال التخاذل والتضعضع والبلبلة السائدة في صفوف الفريق المواجه له”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية