حتى إعداد هذه المقالة، كان سعر صفيحة البنزين، بحسب جدول أسعار المحروقات الذي أصدرته وزارة الطاقة، صباح أمس الاثنين، 95 أوكتان 674.000 ليرة، وصفيحة الـ98 أوكتان 685.000 ليرة. لكن هذا السعر الذي كان يبدو لأشهر مضت، خياليّاً، قد يصل في فترة أقرب مما يمكن أن يتصوّر اللبنانيون إلى مرتبة ما فوق الخيال. وربما يكون رقم المليون ليرة لسعر صفيحة البنزين، أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال.
هذا الرقم، ليس من باب التهويل أو التخويف أو التشويش، كما قد يحلو للبعض أن يتسرَّع في الحكم، بل من باب التسريبات التي بدأت تنساب في الأجواء العامة، حول اتجاه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتسعير البنزين على سعر دولار السوق السوداء بدل منصة صيرفة، على خلفية التراجع الحاد في الاحتياطي النقدي لديه بالعملات الأجنبية والذي بلغ مرحلة حرجة.
مستشار نقابة أصحاب المحطات وممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا، يوضح، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “أسعار المحروقات في لبنان مرتبطة بسعر دولار صيرفة وسعر برميل النفط عالمياً. بالتالي إن لم تهدأ أسواق النفط وتسجل انخفاضاً على المستوى العالمي، سيظل المواطن اللبناني يدفع الثمن للأسف”.
ويتمنى ممثل موزعي المحروقات، “هبوط سعر برميل البترول عالمياً، بالإضافة إلى استقرار سعر صيرفة لأنه يتحرك باستمرار”، مشدداً على أنه “من مسؤولية الدولة أن تؤمِّن استقرار سعر دولار صيرفة عند رقم محدّد، لنعرف كيف سنتصرف وعلى أي أساس”.
ويؤكد، أن “هناك (طراطيش) كلام بدأت تتوارد عن قرار مرتقب لمصرف لبنان حول تسعير البنزين على سعر دولار السوق السوداء بدل صيرفة. لكن من يمكنه تحمُّل هكذا قرار؟ فكأنهم يقولون للمواطن اللبناني (روح موت وادفن حالك بالحياة) في حال تقرَّر ذلك”.
وينبِّه أبو شقرا، إلى “محاذير هذا الأمر”، طالباً من المعنيين، أن “يعدّوا، لا للعشرة، بل للمليون قبل اتخاذ هذا القرار”، محذراً “من التداعيات الاجتماعية الكارثية لذلك وعلى سعر الدولار وسائر أسعار السلع”، مضيفاً، “كفى المواطنين قهراً وعذاباً وضغوطاً نفسية”، من دون أن يستبعد “أي رقم لسعر صفيحة البنزين نسبة للقرارات التي تُتَّخذ، فيما المواطن الضحية دائماً ويدفع الثمن”.
من ناحيته، يرى الخبير المالي والاقتصادي لويس حبيقة، أن “لا خيار اليوم بعدما استنزفنا الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، وبدل أن يخدمنا لعشرين سنة مثلاً استنفدناه خلال سنوات قليلة من خلال سياسة الدعم الكلي للمحروقات التي اعتمدت في المرحلة السابقة”.
ويعتبر حبيقة، أن “الخطأ بدأ من هناك، فلو دعمنا سعر البنزين بنسبة 50 أو 60% مثلاً في السابق، لكان الاحتياطي خدمنا لمدة أطول، ولبقي سعر الصفيحة أقل بكثير مما وصل إليه اليوم. وما حصل هو أننا بقينا لسنوات نقاوم الحقيقة الواضحة، وحين أصبحنا بحال عجز عن المواصلة نتيجة استنزاف الاحتياطي، (فلتت الأمور)”.
ويضيف، “على سبيل المثال، إذا كانت سلعة معينة بـ80 دولاراً وكانت تُسعَّر بـ20، هل يمكن مواصلة ذلك إلى ما لا نهاية؟ مستحيل. فالـ60 دولاراً كانت تغطَّى من احتياطي مصرف لبنان الذي يكاد يتبخَّر، بالتالي ما العمل؟”.
ويعرب حبيقة، عن “أسفه لأن الخيارات باتت محدودة، ولا أحد مسرور بالطبع، لكن ما العمل؟”، معتبراً أن “سعر البنزين سيكون على دولار السوق السوداء حتماً، إن لم يكن هذا الشهر ففي الشهر الذي يلي”.
ويضيف، “المسألة كانت حتمية، وهم قاموا فقط بتأجيلها بطريقة غبية، إذا صحّ التعبير. إذ لو خفَّفوا نسبة الدعم منذ سنوات، لحافظنا على أموال الاحتياطي لفترة 10 سنوات إضافية ربما. فلماذا دعموا البنزين كلياً من الأساس؟ لو دعموه بنسبة النصف أو الثلث لصمدنا فترة أطول، لكنهم راهنوا على إمكانية الدعم الكليّ من دون تأثيرات سلبية، ولعلّهم أملوا بعجيبة ما ودخول مليارات الدولارات إلى لبنان من حيث لا ندري”.
ويلفت حبيقة، إلى أن “تسعير البنزين كلياً على سعر السوق السوداء، سينعكس حكماً على سعر الصرف، بل على سائر نواحي الحياة وكلفتها، وأسعار السلع والخدمات وأقساط المدارس والجامعات والخبز، وكل شيء. بالإضافة إلى مزيد من الانهيار في قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية مع تراجع الاحتياطي النقدي وانهيار الاقتصاد، بل انهيار البلد بشكل عام”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية