لما كانت شفار مقصلة القهر تملك حق التصرف بمصير لبنان، وبحياة أهله، ألم يدق، بعد، جرس الإنذار لاستنهاض العطش الى السيادة، وتفتيق سلطة القمع والتطويع، ودحر جولات الفساد، والتجويع، والتفليس، والتهجير؟؟ ألم تحن الاستفاقة من نهج الغيبوبة، والتلطي خلف آلة الخوف، لاتخاذ قرار فاصل بعدم ترحيل المواجهة الى زمن آخر؟؟
ولما كانت الظاهرة الصحية في البلدان ذات النظام الديمقراطي، أي حرية التعبير والمجاهرة بالرأي، ممسوكة، عندنا، بالقلق، ومكبلة بسلطة الأوصياء، فما الفائدة، إذا، من أن يتمتع اللبناني بالعقل، والروية، والقدرة على الإشارة الى المواقف الوطنية، والى القرارات التي تنهض بالبلاد الى فجر الخلاص؟؟
إن ما نسمعه، اليوم، من تفسيرات ممجوجة لما يدور في واقعنا من أساليب الفرض، والشروط، والتوصيات، حول تأليف الحكومة، والتمسك بوزارات محددة، وتوزيع بعضها على محسوبيات معروفة التوجه والأغراض، لهو تقويض نافر لما كان الشعب يرجوه، بعد الإنتخابات التي لم تنقل الجبال، من تاريخية المواقف التي تلغي مشاهد الرعب من عيني الوطن، وتفتك ببشاعة منظومة أصلت شرعة “قايين”، لتعود معادلة الحق والحرية والمساواة، تفرض طقوسها على مساحة البلد. وكأن غرفة العمليات ذاتها، والتي أمعنت في طعن الحريات وكم الحناجر، والإبقاء على الوطن قبرا مفتوحا، تعيد اسلوب الجلاد نفسه، بأخطبوطية تدميرية تدوس أحلام الأجيال، ووجع الناس، وترسخ أداء المحاصصة، والنهب، والسمسرات، واستغباء الشعب، بتظاهرة معيبة تسعى الى تسمير البلاد على فوهة انحطاط، وإحباط، وموت.
عسى ألا يغيب عن انتباه السياديين، والمستقلين، والتغييريين، هذا التهويل المتكرر، وهذا التهريج السياسي المتمادي، تأتيهما هرطقات دونكيشوتية غير مبررة إلا بالوصولية، وقد ضاقت صدور الناس عن احتمالها… لذلك، إذا لم يسع المدافعون عن سيادة الوطن، جميعهم، الى تشكيل جبهة لبنانية سيادية بامتياز، تتجاوز اللغة الخشبية في ما بين أركانها، وسلوك التوتير، وفولكلورية الإتهامات المتقابلة، فالإنقلاب العتيد الذي ينتظره الشعب، ليطيح برموز الإستخفاف بآمال الوطن، وينعش مشروع قيام الدولة التي تعاد الحياة فيها الى كرامتها، سوف يكون إجهاضه سهلا من جماعة النفعيين، المشتركين بقاسم واحد هو المردود النفوذي الذي يؤمن لهم استمرارية تصفية الدولة، وإعلان حالة موتها الوظيفي.
هذا الحطام الدرامي لوطن مهشم، لا تنفعه خطابات عالية النبرة، يعتبرها الناس المقهورون بالجوع، والظلم، والخيبة، واليأس، تنظيرات إيهامية لا ترقى الى مرتبة الإقناع. إنهم يطالبون بتحول حاد يتوكل على صحوة حقيقية لحركة سياسية، وشعبية مستمرة في المواجهة، وبالوسائل كافة، لإيقاف الإنقضاض على كيان الوطن، ولإنهاء صلاحية تخريبه، والإنقلاب على نظامه. فإستراتيجية المجابهة، داخل المؤسسات، وخارجها، هي فرصة نوعية قائمة لإبلاغ ذوي المصالح الرخيصة، الذين يؤذي وجودهم وجود الوطن، ويخدش فسادهم كرامته، أن لبنان ليس مجالا يستبيحونه، ويحاولون تطبيعه بالخوف.
إن حركية الجماعة الصادقة والثابتة تشكل، وحدها، معركة متواصلة في مسيرة التزامها، ونشاطا فاعلا في سيرورة البلاد صوب الأفضل، ومن شأنها أن تحرر الدولة من أصحاب الألقاب الهذيانيين معطوبي الوطنية، والمنقضين لاقتناص ما تبقى من مقدرات البلد، بمشاريع ملتوية، ونهب موصوف، وقد استطاعوا، زورا، أن يغرروا بعض الطيبين بوعود وهمية، سريعا ما انتهت مؤونتها التضليلية.
إن الحراك المتمكن هو الحالة الحيوية التي تصد أي تمرير مؤامراتي يستهدف الكيان، وأمان الناس، وعلاقتهم القدسية بالأرض، من هنا، ينبغي صيانة الحراك بثقافة كيانية تقولب المفاهيم، وتركز على أن لب الصراع يتمحور حول الكيان، فالكيان هو مشروع الوجود، أي تجذر الحياة في الزمان والمكان، يترجمها الوجدان الجماعي حالة علائقية تتحول تكاملا عضويا بين الإنسان والأرض، أو ترابطا متفاعلا، ابدا، بينهما.
أين تثبيت مشروع الوطن، إذا؟؟ لا يتم ذلك، على الإطلاق، بفيض إلهي، أو بنفحة ربانية يجب أن نترصد لها، أو بانتظار، يمكن أن يطول، لحل يمن به علينا الخارج، أي خارج، من دون تدفيعنا تعويضات يطفو عامل الخسارة، بها، من دون مردود. ولا يتم، أيضا، بالإنسحاب من مهمة تقرير المصير، وبالإستقالة من النموذج الشراكي الذي علينا، أصلا، أن نصل به الى حد الإندماجية، أو التماهي المطلق بالوطن. في المقابل، إن تسخيف التحرك الجامع من شأنه أن يقلص مساحة الإندفاع النضالي السيادي، والجرأة في المواجهة، وهي جرأة ناجحة لطالما باركها الله، وحظيت بدعم من الأشقاء والأصدقاء.
أيها الحراك السيادي، الى الجرأة در…