من الأقوال المنسوبة إلى الإمام الشافعي “أعرض عن الجاهل السفيه، فكل ما قاله فهو فيه”، ولطالما قيّدتنا الظروف التي يمرّ بها لبنان واللبنانيون عن الردّ على التجنّي الذي تتعرّض له القوات وحكيمها بمناسبة ومن غير مناسبة بهدف واحد وحيد هو إراحة حزب الله ومنظومته المدمّرة للبلاد والعباد، فيما ذنب القوات الواحد الوحيد هو رفضها الاستمرار بنهج تجاهل جوهر الأزمة لصالح “جوكر” المصالح والإلتهاء بالقشور وفتات السياسة وهوامش المواجهة والبناء على أسس ركيكة والبكاء بعدها على الأطلال.
تنبري بعض الأقلام والمواقع إلى إثارة الغبار عن لبّ الأزمات التي تعصف بلبنان عن جهل ربما وتلك مصيبة، أو عن غايات مأجورة وتلك مصيبة لا ندري أيهما أعظم، ولكننا نعلم جيداً أن من يقوم بذلك لا يمتّ إلى العظمة بِصِلَة ولا يبالي بتداعيات المأساة وغير مؤهل للردّ عليه لما في ذلك من مضيعة لوقت لا نملكه وجهد لا نريد بذله إلا في المواجهة الكبرى لا في الأفكار الصغرى التي تعصف في رؤوس صغار الإعلام ومراهقي السياسة.
وإذا كان الصمت في معظم الأحيان فضيلة، فالكلام يصبح أحياناً واجباً، مخالفين رأي الإمام الشافعي كي لا يعلق شيئاً في ذهن المواطن المنهك من جوع ووجع وطول انتظار الفرج الذي جزم حكيم القوات بأنه لن يأتي في ظل هذا العهد، لم يأتِ في بدايته فلماذا يعتقد البعض بأن هذا الفرج كان سيبزغ فجره في نهاية العهد فيما لو سمّت كتلة “الجمهورية القوية” اسم أي شخصية من الطائفة السنيّة الكريمة في الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة.
حقيقة الأمر هي أن القوات اللبنانية بعدم تسمية أحد حفظت كرامة موقع رئاسة الحكومة والشخصيات السنية الكثيرة المؤهلة من حلفائها ومن غير الحلفاء الذين مهما كان حجم الاختلاف السياسي معهم فذلك لا يعني عدم أهليتهم، ورئيس القوات وضع الإصبع على الجرح النازف بدعوته رئيس الجمهورية للاستقالة ولو قبل أشهر قليلة مسقطاً عن الموقع الماروني الأول هالة القدسية التي لا تُمسّ، وإذا كان جعجع قد مسّ بالموقع الماروني الأول لأسباب وطنية لا شخصية ورفض منح صوت كتلته النيابية للموقع الشيعي الأول فلماذا يكون الموقع السنّي الأول عرضة للاستهداف بعدم تسمية شخصية هي فعلياً عملية حرق أسماء لن تقوم بها القوات خشية لومة لائم أو مقال لئيم على موقع لبنان الكبير وغيره؟
ولاية المجلس النيابي لا تزال في أولها، وكانت تتمنى القوات لو أن القوى المعارضة استجابت لدعوات التغيير من أول دخولها إلى البرلمان وحصد النجاح تلو الآخر لترجمة الأكثرية النيابية الجديدة من معركة انتخاب نائب رئيس المجلس إلى هيئة المكتب واللجان وصولاً إلى الإتفاق على تسمية رئيس حكومة تصل بنتيجتها شخصية قادرة على خلق توازن بين الرئاسات، ولم تكتفِ القوات بالتمني بل أرفقته بالتنازل عن واجبها بممارسة حقها كأكبر كتلة نيابية في تسمية أحد نوابها لموقع نائب رئيس المجلس النيابي، فهل هذا العمل فئوي أم يصب في مصلحة المعارضة؟
غالباً ما تكشف الأيام والأحداث أحقية المواقف التي تتخذها القوات اللبنانية في المراحل المفصلية فينصفها التاريخ كما الرأي العام من كافة الطوائف الذي أنصفها ومنحها ثقته في أيار الماضي وأكسبها أكبر كتلة نيابية لحمل القضية الوطنية الكبرى السيادية والإصلاحية وعلى الرغم من ذلك تمدّ القوات يدها إلى كافة قوى المعارضة الحزبية والمستقلة والتغييرية متجاوزة الأحجام، ثم يتهمها البعض السفيه بأنها إلغائية، وعند هذا الحدّ، من المستحسن العودة إلى كلام الشافعي مكتفين بالطلب إلى هؤلاء بأن يرتقوا، فالقوات وحكيمها لن يهبطوا إلى جحوركم، فأنتم لديكم سموم تبخّونها من دون مسؤولية في حين أن القوات مسؤولة عن شعب تبحث له عن الترياق.