يدافع نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال، رئيس الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي سعادة الشامي، عمّا يسمَّى خطة التعافي، ويعتبر أن ما يحكى عن تعديلات شفهية عليها، طرحها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال الاجتماع الأخير للجنة المال والموازنة، هي مجرد أفكار، لكن الخطة باقية من دون تعديلات جوهرية كما يؤكد، مشيراً إلى أننا نناقشها الآن لكننا لم نطرحها بعد على صندوق النقد، وهي تحتاج لأن نناقشها معه، فإذا قبل بها عندها نسير بهذه الأفكار.
ومن بين مضامين الخطة، يبرز تأكيد الشامي أنه مقتنع بفكرة صندوق التعافي أو صندوق استرداد الودائع، الذي تحدث عنه ميقاتي. كما يؤكد أننا نستطيع أن نحمي إلى حدِّ الـ100 ألف دولار لكل مودع، وهذا يكلّف بحدود 28 مليار دولار، ونحن عندنا أصول بالقطاع المصرفي تساوي 28 مليار دولار وهذه المبالغ يمكن أن نردها للمودعين وهي تغطي نحو 88% منهم. ولكن هذا لا يعني أننا نسينا الـ12% المتبقين من المودعين، لذلك ابتكرنا فكرة صندوق استرداد الودائع لننقل إليه كل الودائع التي تفوق الـ100 ألف دولار”.
الخبير الاقتصادي والمالي جاسم عجاقة، يطرح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، مقاربة مختلفة. ويقول، “لنفترض أن المصرف أعاد 100 ألف دولار للمودع نقداً، ماذا سيفعل بها؟ احتمال من ثلاثة: إما يخرجها من البلاد، أو يحتفظ بها في المنزل، أو يشتري بها أصولاً معينة (عقارات، أبنية وغيرها) كي يحفظ قيمة المبلغ، وربما يصرف قسماً قليلاً منها لتسيير أموره”.
ويشدد، على أن “هناك استحالة تقنية في أي دولة في العالم لردّ أموال كل المودعين إليهم في الوقت ذاته. فحين يضع أي شخص وديعة في المصرف يقوم الأخير بتوظيفها في مجالات اقتصادية مختلفة، وقسم منها على شكل قروض لا تستحق في الآجال نفسها، على افتراض أن كل قروض المصارف أعيدت إليها في الوقت ذاته كي تقوم بدورها بإعادتها إلى المودعين”.
وهناك طرح أقرب إلى الواقع، وفق عجاقة، “انطلاقاً من أن المودع ليس بحاجة إلى كل وديعته حتى لو منحت له دفعة واحدة، لكنه يطلبها اليوم لأنه خائف وفقد ثقته بالنظام المصرفي والدولة. وما يريده فعلاً هو من يضمن له أولاً أن وديعته محفوظة ولن يخسر شيئاً منها. وبشكل مباشر وراهن، ثبات سحب ما يحتاجه من وديعته عندما يشاء، لدفع مستحقات جامعة ابنه في الخارج مثلاً، أو لاستيراد أي سلعة، أو لشراء مسكن، أو للطبابة، أو أيّاً يكن، كما كان يحصل بشكل طبيعي”.
خبراء آخرون يعتبرون، عبر موقعنا، أنه “من الواضح أنه بالطريقة التي يعمل عليها، يحسبون حساب تصفية القطاع المصرفي، بالحديث عن أصول بقيمة 28 مليار دولار سيتم أخذها. لكن من يقول إن أصول المصارف ستساوي هذا المبلغ حين تُطرح للتسييل في ظل الأزمة وتراجع قيمة الموجودات، أو أن هذا رقم (بالهوا)؟ فالشقة التي كانت تقيَّم بـ500.000 دولار مثلاً لا تباع اليوم بنصف هذا المبلغ. فضلاً عن الاعتراف بأن الودائع لن تردّ كلها بالدولار بل بالليرة بقسم منها، ومن غير الواضح تماماً على أي سعر صرف، بالتالي لن تكون بقيمتها الفعلية”.
وفي السياق، يقول عجاقة، “لنفرض على سبيل البحث أن الجميع وافق ومشى بالخطة التي تطرحها الحكومة، ما الذي يضمن أن الدولارات التي ستعطى للمودعين ستبقى في لبنان وتدوَّر في الدورة الاقتصادية، طالما أنها ليست بالتلازم مع إقرار قانون كابيتال كونترول؟ فهل يمكن إقرار خطة توزيع خسائر قبل إيجاد ضوابط؟ وحتى في حال أقرَّ هذا القانون بصيغته الحالية، هو لا يضمن عدم تهريب الدولارات إلى الخارج بشكل حاسم”.
ويلفت، إلى أن “ما يحصل اليوم، أنه يمكن لأي مستورد أن يطلب تحويل دولارات إلى الخارج بحجة استيراد بضاعة معينة، من دون وجود أي آلية جدية للمراقبة والتأكد أن الأموال المحوَّلة تساوي قيمة البضاعة المستوردة، أو أن قسماً منها يبقى في حسابات خارجية”، مشيراً إلى أن “عمليات تهريب الأموال بواسطة العمليات الاقتصادية والتجارية كبيرة جداً، ولا يمكن تقديرها بالتحديد في ظل الرقابة الهزيلة”.
أما السؤال الأبرز بالنسبة للخبراء، “من سيضمن تنفيذ هذه الخطة في ظل الغموض السياسي الكبير المسيطر؟ فمن المعروف أن صندوق النقد لا يمكن أن يتعامل إلا مع حكومات أصيلة مستقرة، في حين نعيش اليوم وسط ارتجاج سياسي بلا معالم واضحة، ومقبلون على استحقاق رئاسي خلال أسابيع قليلة مصيره غير مضمون حتى الآن. بالتالي، تنفيذ أي خطة تعافٍ اقتصادي يستلزم شرط الاستقرار السياسي، الأساسي لضمان الشق الاقتصادي، والذي يبدو منسيّاً كلياً من قِبل من يدير الخطة، وهذه مسألة ليست تفصيلاً بسيطاً”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية