لا شك أن قمم جدة الأخيرة، العربية الخليجية الأميركية بمشاركة مصر والعراق والأردن، والسعودية الأميركية، فضلاً عن لقاءات القمة الثنائية بين الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة هذه الدول، ستترك تداعيات على المشهد الإقليمي، وأكثر. ومن الواضح، عودة الولايات المتحدة إلى لعب دور أكثر فاعلية في الشرق الأوسط، بعد ابتعاد عن المنطقة اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه كان قراراً خاطئاً.
وعكس البيانان الختاميان للقمّتين، عودة الدفء إلى العلاقات بين واشنطن وعواصم المنطقة، خصوصاً الرياض، بعد مرحلة من البرودة. وبالإضافة إلى تأكيد الجانبين على أهمية تمتين العلاقات الاستراتيجية بينهما وحماية أمن بلدان المنطقة واستقرارها، بمواجهة الهجمات التي تستهدفها، كان لافتاً ما تضمنَّته البيانات الرسمية حول لبنان.
فتأكيد قادة الدول المجتمعين في جدة، على دعمهم سيادة لبنان وأمنه واستقراره، ودعوة جميع الأطراف اللبنانية لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية بالنسبة للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، وممارسة سيادتها الكاملة، فلا يكون هناك أسلحة إلا بموافقتها، ولا سلطة سوى سلطتها، يعني أن لبنان ومستقبله كان في صلب المحادثات، وأنه ليس متروكاً لقدره البائس تحت رحمة الفريق المهيمن على الدولة والقرار.
وتشديد القادة على تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلُّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وعدم تحوُّله إلى نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدِّد أمن واستقرار المنطقة، يعني ما يعنيه لناحية مساعدته على عدم السقوط وتقوية الدولة في مواجهة الأطراف المستفيدة من هذا الوضع، والتي تؤمِّن الحماية والغطاء لمرتكبي أنشطة التخريب الواردة.
ويرى المحلل السياسي علي حمادة، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “يمكن القول إن قمم جدة مثَّلت عودةً للولايات المتحدة إلى المنطقة بعدما انكفأت عنها. وتتضمَّن هذه العودة اعترافاً صريحاً من واشنطن بأنها أخطأت بسياساتها الشرق أوسطية، التي حصلت منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض. علماً أن هذه السياسات لم تبدأ فقط مع بايدن إنما تعود إلى زمن الرئيس الأسبق باراك أوباما ومقاربته لشؤون المنطقة، واعتماده خيار التقرُّب من إيران على حساب حلفائه ومصالحهم وأمنهم القومي”.
ويشدد حمادة، “على نقطة مهمة أيضاً يمكن الخروج بها من هذه القمم، هي أن دول الخليج العربي زائداً مصر والأردن والعراق، هي دول مركزية تلعب دوراً عربياً وإقليمياً ودولياً حقيقياً، وليس مجرد إنشاء سياسي. وذلك على الصعد السياسية، والدفاعية، والربط بين مناطق العالم (أوروبا وآسيا)، وإمدادات النفط والغاز لا سيما على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية والحاجة الماسّة لمصادر طاقة”.
بالتالي، يضيف حمادة، “هذه دول أصبحت تلعب أدواراً كبيرة ومركزية، ولها سياسات طويلة المدى في مختلف المجالات، الدبلوماسية والاقتصادية، وعلى مستوى التجارة والشراكات الدولية والإقليمية، ومسألة الاحتباس الحراري والسياسات المناخية، والتقدُّم التكنولوجي، وغيرها. كل ذلك، يجعل من هذه القمم قمماً كبيرة جداً، ومن السعودية خصوصاً، دولة مركزية وقوة إقليمية حقيقية لا يمكن تجاهلها وتجاوزها من أي قوى كبرى عالمية، أكانت الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي، وهذا ما جرى تثبيته وترسيخه في هذه القمم”.
أما بالنسبة إلى لبنان، يعتبر حمادة أنه “ما كان يمكن للقمّتين، الأميركية السعودية، والأميركية العربية، إلا أن تتناول المسألة اللبنانية، لأنها تناولت مختلف الملفات الساخنة إقليمياً ومن ضمنها لبنان”، لافتاً إلى أن “لبنان دولة متعثرة، وتكاد تكون دولة فاشلة، تعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية وسياسية لا سابق لها، وإذا استمر وضع لبنان على ما هو عليه سيكون عاملاً مهدِّداً لأمن المنطقة”.
ويلفت، إلى أن “الدول التي اجتمعت في جدة تعلم هذا الواقع، وهي تدعم الحلول والإصلاحات اللبنانية، إذا كانت هناك إصلاحات، وتريد أن تدعم القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية لتأمين الاستقرار، وترغب بمساعدة لبنان للخروج من أزمته. لكن المشكلة هي أن رغبة العالم في مساعدة لبنان تحتاج إلى أن يكون هناك إرادة إصلاحية لبنانية حقيقية، وإلى شريك لبناني حقيقي في عملية الإصلاح والإنقاذ”.
ويرى حمادة، أن “هذا الأمر غير واضح، حتى الآن، لا على المستوى الحكومي ولا على المستوى الاقتصادي ولا على المستوى الرئاسي. بالتالي، الكرة في ملعب لبنان واللبنانيين والسلطات اللبنانية، وحتى الآن ليس هناك من لاعب لبناني جدّي قبل انتهاء العهد الحالي، ومن الضروري أن يتم هذا الأمر بسلاسة”، لافتاً إلى أن “هذه القمم أشارت إلى ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وتغيير حكوميّ حقيقي وليس الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال أو تشكيل حكومة شبيهة معدَّلة، فهذا ليس إصلاحاً أو تغييراً، ولا إشارات مشجّعة لمساعدة لبنان”.
ويضيف، “إنقاذ لبنان عربياً ودولياً ينتظر تغييراً حقيقياً عند اللاعب اللبناني، من رئاسة الجمهورية إلى حكومة مكتملة الأوصاف، حقيقية إصلاحية متوازنة وسيادية”، مشدداً على أن “لبنان ليس متروكاً في قبضة حزب الله والمحور المنتمي إليه، لكن أين اللاعب اللبناني؟ فالعالم لن يأتي لسحب لبنان من يد الحزب، إن لم تكن هناك إرادة لبنانية حقيقية واضحة تُظهر أنها تريد الخلاص من قبضته، لأن (ما حدا بيشتغل محلَّك)”.
ويؤكد حمادة، أن “الاستحقاق الانتخابي المقبل هو على عاتق اللبنانيين بالدرجة الأولى. فإن لم يكن هناك اتفاق ومواقف واضحة موحّدة بين تكتلات نيابية وسياسية بمواجهة حزب الله على هذا الصعيد، لن يأتي العالم ليقوم بعملها. بالتالي المسألة رهن وجود هذا اللاعب اللبناني الذي أشرنا إليه، والذي سيجد آذاناً صاغية عند المجتمعين العربي والدولي ولن يُترك تحت رحمة المحور المهيمن، في حال حزم أمره بالنسبة لاستحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية