على خطى أسلافه الكبار، هزّ بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، على رأس المجمع الدائم لسينودس أساقفة الكنيسة المارونية الذي انعقد منذ يومين في الديمان، عصاته لمن عصى، وسوَّلت له نفسه “التعدّي المستهجن على المطران موسى الحاج، رئيس أساقفة أبرشية حيفا المارونية والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية وعمّان وأراضي المملكة الأردنية الهاشمية، عند مركز الأمن العام الحدودي جنوب لبنان”.
وبيان المجمع الدائم، الذي هو سلطةٌ بطريركية مؤلفة من أربعة أساقفة تجتمع برئاسة غبطة البطريرك في الحالات الطارئة والخطيرة، الصادر إثر الاجتماع، “رفض وشجب واستنكر بأشدّ العبارات ما اقتُرف عن سابقِ تصورٍ وتصميم وفي توقيتٍ لافتٍ ومشبوه ولغاياتٍ كيدية معروفة، بحقِ المطران الحاج، باعتراض عناصر مركز الأمن العام الحدودي سيادته، بقرار من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، وهو قادم كعادته من أبرشيته في الأراضي المقدَسة، واحتجازه لأكثر من 12 ساعة”.
وأكد البيان، أن “الذين أوحَوا من قعر مناصبهم بالتعرض للمطران الحاج وخَططوا وأمروا ونفذوا عملهم المدان، غاب عنهم أن ما قاموا به وما يقومون به، لم ولن يؤثر على الصرحِ البطريركي الذي صمد في وجه ممالك وسلطناتٍ ودولٍ، فزالوا هم وبقيت البطريركية”، مذكّراً بـ”أنها ليست المرة الأولى التي يَقترف فيها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية أعمالًا خارج الأعراف والمألوف. لذلك نطالب مدعي عام التمييز بإحالة القاضي عقيقي إلى التفتيش القضائي وتنحيته”.
وتشدد مصادر كنسية رفيعة المستوى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أن “البيان الصادر عن الديمان كان شديد الوضوح بتأكيده أن التطاول على الكنيسة، أولاً مرفوض، وثانياً لن يمرّ، وثالثاً الكنيسة لن تخضع، ورابعاً الكنيسة ستواجه، وخامساً ذكَّر بأن كل الاحتلالات التي عرفها لبنان سقطت أمام صمود الكنيسة التي ستبقى صامدة، والاحتلال الجديد سيسقط والكنيسة باقية”.
وتؤكد المصادر ذاتها، أن “البيان حمَّل الدولة المسؤولية كاملةً عن هذا الانتهاك الفاضح الذي لم يسبق له مثيل في الجمهورية اللبنانية منذ تأسيسها، وكان للبطريركية المارونية المساهمة الأبرز في هذا التأسيس من خلال القاعدة الأساس المتعلقة بالحرية، بسبب معاناة اللبنانيين الطويلة على مرّ العصور من الانتهاكات لها. وجاء من ينقلب على أسس الجمهورية اللبنانية من خلال ضرب الحرية ومحاولة استهداف البطريركية المارونية، التي شكَّلت وتشكِّل العمود الفقري في لبنان لهذه الحرية”.
ولذلك، تشير المصادر الكنسية، إلى أن “الكنيسة التي أكدت في بيانها بأن كل الاحتلالات سقطت وصمدت الكنيسة، التي كان لها الدور الأبرز في إسقاط الاحتلال السوري وإخراج الجيش السوري من لبنان، ستبقى في الصفوف الأمامية في المواجهة، دفاعاً عن الحرية ومن أجل إسقاط الاحتلال الجديد”.
ولا شك، وفق المصادر عينها، أن “ما حصل لا يمكن أن يحصل سوى بالتواطؤ، الواضح والمكشوف، بين حزب الله والعهد. لأنه لا يمكن للحزب أن يُقدم منفرداً على خطوة من هذا القبيل، من دون إعلامٍ بالحدّ الأدنى وتواطئٍ وتنسيقٍ بالحدِّ الأقصى، بينه وبين العهد، لأن استهداف البطريركية المارونية هو استهداف لأرفع موقع تاريخيّ كنسيّ مسيحيّ في الشرق”.
وتضيف، “على الرغم من أن ما حصل يضرّ بالعهد، والجميع يعلم أن شعبيته متهالكة وفق ما أظهرته الانتخابات النيابية الأخيرة، فكم بالحريّ مع استهداف من هذا القبيل؟ الذي لو حصل قبل الانتخابات لكان خرج العهد وتياره من دون أي نائب في أي دائرة مسيحية، وكان اتَّكأ فقط على رافعة حزب الله الشيعية، التي انتزعت له أساساً ما بين الـ7 والـ8 مقاعد نيابية، بحسب الدراسات التي نشرتها الشركات المتخصصة في الانتخابات”.
لكنها توضح، أن “ما حصل هو نتيجة حسابات خاطئة من فريقين سياسيَّين لا يعرفان البلد جيداً”، مضيفةً، أن “التيار الوطني الحر يخبط خبط عشواء حفاظاً على مصالحه ومكاسبه، ولا يتورَّع عن الإقدام على خطوات تمسّ الثوابت الكيانية للبنان، والصخرة اللبنانية المتمثلة بالكنيسة، وكان له أدوار من هذا القبيل لا تُنسى. بالتالي، أمام مصالحه الرئاسية هو على استعداد للقيام بأي مغامرة تسيئ إلى لبنان وأسسه”.
وتضيف، “كما أن حزب الله عوَّدنا على مغامراته التي أساءت وتسيئ إلى لبنان، وأضرَّت وتضرّ باللبنانيين، بحروب خاضها. إن بحرب تموز عندما قال أمينه العام حسن نصرالله (لو كنت أعلم)، أو باستخدام سلاحه في 7 أيار العام 2008، أو بالقمصان السود، أو بترفيعه من نفَّذ عملية اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، وفق الحكم الصادر عن المحكمة الدولية لأجل لبنان، إلى مرتبة القدّيسين”.
بالتالي، ترى المصادر الكنسية، أنه “ليس غريباً على الحزب وعلى العهد القيام بخطوة لا تشبه لبنان، إنما تشبه احتلالات عرفها لبنان في زمن مضى”، لافتة إلى أن “الكنيسة طالبت بشكل واضح بضرورة تنحية القاضي عقيقي وإحالته على التفتيش القضائي. ويجب أن يشكّل مطلب الكنيسة مطلباً أساسياً على هذا المستوى، لأن هناك من قدَّم نفسه كيهوذا الإسخريوطي من أجل خيانة الكنيسة، وشكَّل أداة لتنفيذ المهمة المطلوبة منه من قبل الحزب أو العهد أو الإثنين معاً. لأنه لا يمكن لهذا القاضي أن يقوم بما قام به من خلال التجرؤ على مطران، إلا وأن يكون قد حصل على الغطاء السياسي الذي خوَّله الذهاب في هذا الاتجاه”.
وتشدد، على أنه “في كل الأحوال، ارتكب هذا الثنائي الخطأ والخطيئة، وهو يرتكب يومياً الخطيئة بحق اللبنانيين وقد أوصل لبنان إلى الانهيار والهلاك، لكنه اليوم ذهب باتجاه المسّ بقدسية لبنان، وبمن أعطي له مجد لبنان، ومن يمسّ بمجد لبنان سيكون مصيره جهنم، بعدما أوصل اللبنانيين إلى هذا الجهنم، وقد فُتحت المواجهة، المفتوحة أساساً، لناحية إزالة سلاح حزب الله على غرار إخراج الجيش السوري من لبنان، وقد بدأ العدّ العكسي في هذه المواجهة”.
وتؤكد المصادر الكنسية، أن “البطريركية المارونية التي كانت رأس الحربة في قيام الجمهورية اللبنانية، وفي إنهاء الحرب اللبنانية، وفي إخراج الجيش السوري من لبنان، ستكون رأس الحربة في إخراج السلاح غير الشرعي من لبنان وإعادته إلى أسس الجمهورية، أي جمهورية الحرية والعدالة في لبنان”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية