اقتراحات معهد التمويل الدولي لإنقاذ لبنان… هل تتبنّاها الحكومة؟

حجم الخط

يرسم التقرير الأخير لمعهد التمويل الدولي الصادر قبل أيام، بعنوان “تراكم التحديات”، سيناريوهان لا ثالث لهما للتوقعات حول الوضع اللبناني، الأول متشائم، والثاني متفائل رَبَطه بشروط محددة.

وفي حين يرسم السيناريو التشاؤمي مشهدية صعبة للسنوات المقبلة، تبدأ مع دولار بـ40.000 ليرة نهاية العام الحالي وقد يبلغ 110.000 ل.ل نهاية العام 2026، وصولاً إلى اعتبار لبنان دولة فاشلة، يشير السيناريو التفاؤلي إلى أن تعافي لبنان وتحسُّن الوضع تدريجياً متاح وليس مستحيلاً، إن طُبِّقت الخطوات الضرورية الإصلاحية للخروج كلّياً من الأزمة، وخلال 4 سنوات فقط.

ويعتبر كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس، نسيب غبريل، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “التقرير مهم جداً لكون معهد التمويل الدولي يملك مصداقية عالية، ويتم قراءة تقاريره من مختلف المؤسسات المالية الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وصحيح أن الأضواء تركزَّت أكثر، وعن حق، على السيناريوهين التشاؤمي والتفاؤلي، لكن التقرير تضمَّن نقاطاً هامة جداً تقدِّم حلولاً بديلة لمسألة الودائع”.

ويلفت، إلى أن “التقرير يرسم مساراً لاسترجاع المودعين لأموالهم تدريجياً، ويقدِّم اقتراحات لتعديل خطة التعافي الاقتصادي الحكومية، لا تتناقض مع مبدأ استدامة الدين العام والإصلاحات، بل على العكس، بما يؤدي إلى استعادة الثقة بالاقتصاد عامة، لا فقط بالقطاع المصرفي، ويعطي مصداقية إضافية لبرنامج التعافي الحكومي”.

ويشير، إلى أن “من بين الاقتراحات المهمة: أولاً، أن تكون الأولوية في خطة التعافي الاقتصادي لإعادة الودائع من 200.000 دولار وما دون، والتي تشكل 95% من عدد الحسابات المصرفية، ضمن آجال قصيرة الأمد”، لافتاً إلى أن “التقرير واقعي لناحية إشارته إلى أن الودائع المصرفية تبلغ نحو 100 مليار دولار، فضلاً عمّا يسمَّى بالخسائر في ميزانية مصرف لبنان”.

كما يعتبر المعهد، أن “برنامج التعافي الاقتصادي يمكنه حسم الفوائد على الودائع بالعملات الأجنبية المتراكمة ما بين العام 2015 والعام 2019، لكن ليس كلها، إنما فقط الفرق ما بين الفوائد التي دُفعت في لبنان والفوائد التي كانت تُدفع في الولايات المتحدة في هذه الفترة. أي شطب الفائض من الفائدة المتضخمة التي دُفعت في لبنان، والبالغ تقريباً 12 مليار دولار، من قيمة الودائع التي سيتم استعادتها”.

ويضيف غبريل، “يشير تقرير المعهد الدولي إلى ضرورة إعادة درس وضعية الودائع بالليرة اللبنانية التي حُوِّلت إلى الدولار بعد تشرين الأول العام 2019، والتي يقدِّرها بـ10 مليار دولار، بطريقة متأنّية، لا كما اقتُرح سابقاً في أيلول الماضي، قبل خطة التعافي المطروحة، بأن تُحتسب على دولار 8.000 ليرة”، معتبراً أن “معهد التمويل يقصد أن هذه الودائع إن كانت ستُعاد للمودعين بالليرة، يجب أن يتم ذلك على سعر السوق مقترناً مع بدء عملية إصلاحية جدّية، يتأتى عنها استقرار في سعر الصرف، وبدء تراجع في التضخم، وتحسُّن في القدرة الشرائية”.

أما الاقتراح الثاني المهم لمعهد التمويل، وفق غبريل، “يتعلق بصندوق إعادة الودائع، لكن بشكل مختلف عما اقترحه الرئيس نجيب ميقاتي. فالمعهد يشير إلى أنه يجب على السلطات الرسمية التي تحتكر قطاعات حيوية في الاقتصاد، ورأينا إلى أين أوصل سوء إدارة القطاع العام لها واستخدامها سياسياً، أن تستقطب شركات عالمية متخصصة لإدارة هذه القطاعات، بدء من مرفأ بيروت، فالشركة التي تُمنح إدارته على فترة 20 سنة مثلاً ستقوم بدفع مليارات الدولارات مسبقاً للدولة اللبنانية، فضلاً عن العائدات السنوية للخزينة العامة من الضرائب المرتفعة التي ستدفعها الشركة”.

ويوضح، أن “معهد التمويل يعتبر أن هذه الطريقة يمكن أن تُطبَّق على كل المؤسسات المملوكة من الدولة والتي تملك طابعاً تجارياً. ومن الأمثلة التي يقترحها، مؤسسة كهرباء لبنان، وشركات الخليوي، وقطاع الاتصالات الأرضية، ومطار رفيق الحريري الدولي، وشركة طيران الشرق الأوسط (MEA)، وشركة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، وغيرها”، لافتاً، إلى أن “المعهد يعتبر أنه في هذه الحال، يصبح متاحاً للمودعين الخيار والحق، بالأولوية، بالاكتتاب في رأسمال هذه المؤسسات ذات الطابع التجاري على ضوء أنها ستصبح مؤسسات منتجة ومربحة”.

ويشير غبريل، إلى أن “الاقتراح الثالث يتعلق بالعقارات الشاسعة التي تملكها الدولة، ويعتبر أن على السلطات تأسيس صندوق عقاري وطني يضم محفظة العقارات الواسعة المملوكة من الدولة، وغير المنتجة اليوم بأكثريتها الساحقة، واستقدام شركة دولية مختصة بإدارة العقارات كأصول، ما يؤدي إلى إيرادات مرتفعة بفعل استثمار هذه العقارات. ويقترح المعهد الدولي أن تذهب 50% من إيرادات هذا الصندوق لتمويل الخدمات العامة الأساسية وتحسين البنى التحتية، و50% تذهب إلى صندوق استعادة الودائع”.

ويقترح المعهد الدولي، رابعاً، أن “تقوم السلطات بتأسيس صندوق مثيل للصندوق العقاري، للمحافظة على إيرادات الدولة من استخراج النفط والغاز للأجيال المقبلة، على أن يذهب جزء بسيط من إيراداته لاستعادة الودائع”، مع إشارة غبريل إلى أنه “لا يجب اعتبار أن العائدات من هذا الصندوق ستكون قريبة، وليست قبل العام 2030″، لافتاً إلى أن “الاقتراح الخامس للمعهد شبيه باقتراح ميقاتي، لناحية أنه حين تسجِّل الموازنة العامة فائضاً أولياً يتم تحويل 50% منه إلى صندوق استعادة الودائع”.

ويوضح غبريل، أن “هذه الاقتراحات البديلة التي يطرحها معهد التمويل الدولي، عمّا تضمَّنه الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي وبرنامج التعافي الاقتصادي الحكومي، حول استبدال الودائع المصرفية بأسهم في المصارف، لأن برأي المعهد أن اقتراحاته في حال أخذت بها السلطات اللبنانية، تؤدي إلى استعادة الثقة، وتعطي مصداقية لبرنامج التعافي الاقتصادي”.

وبالنسبة للسيناريو التفاؤلي، يلفت غبريل إلى أن “الأرقام المتفائلة التي يتوقّعها المعهد في تقريره للنمو وحجم الاقتصاد، أعلى من الأرقام التي تضمَّنتها خطة التعافي الاقتصادي، المتشائمة إلى حدٍّ ما”، مشيراً إلى أن “المعهد يعتبر أنه في حال التزمت السلطات بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية الملحة التي من شأنها تحرير المساعدات المالية الخارجية، يرتفع بذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 6% في العام 2023، وإلى 8% في العام 2024”.

ويعتبر غبريل، أن “الأمر منطقي وليس مبالغاً به، لأننا في حالة انكماش منذ العام 2018، ومن المفترض عند إقلاع العملية الإصلاحية وبدء استعادة الثقة، أن يحقق النمو قفزات ملموسة بحدود 5 إلى 6% سنوياً”.

أما عن السيناريو التشاؤمي الوارد في التقرير، يرى غبريل، أنه “يأتي انطلاقاً من الواقع الماثل الذي يتابعه المعهد الدولي للتمويل. فنحن على أعتاب السنة الثالثة لاندلاع الأزمة ولم تتخّذ السلطات أي إجراء إصلاحي جدّي للجم التدهور وبدء استعادة الثقة. ووقَّعنا منذ نحو 4 أشهر ونصف الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، ولم يتم حتى الآن إقرار أي من بنود الشروط المسبقة”.

ويوضح، أن “معهد التمويل يراقب الوضع اللبناني، إذ توقف كل شيء قبل شهرين من الانتخابات النيابية على أساس أنها ستكون مفصلية وتبدأ معها مرحلة جديدة، وحصلت الانتخابات ولم يتغيّر شيء. واليوم الكلام والتركيز على الانتخابات الرئاسية وكل شيء يربط بها”.

ويضيف، “بالتالي السيناريو المتشائم هو نتيجة ما يراه الصندوق من أن الأولوية لدى السلطات اللبنانية ليست للإصلاحات، وقد تم إضاعة الكثير من الفرص خلال السنوات الماضية حين كان الوضع أفضل، فكم بالحري وسط الأزمة الحالية؟ على الرغم من أن تقرير المعهد الدولي لا يقترح أن تطبَّق كل الإصلاحات دفعة واحدة، خلال أشهر قليلة وقبل نهاية السنة، لكن يجب أن تبدأ اليوم قبل الغد، وإلا يصبح السيناريو التشاؤمي مفهوماً”.

أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانبة

خبر عاجل