“السياسيون في لبنان هم المسؤولون عن تدبير انهيار اقتصادي كارثي “. هذه هي خلاصة التقرير الجديد للبنك الدولي فيما يلوذ هؤلاء جميعهم بالصمت كما لو ان المسؤولية هي مسؤولية كل الاخرين وليس المسؤول الذي يستثني نفسه .تقرير البنك الدولي يتهم المسؤولين عمليا بالكذب والنفاق ، ولو لم يعتمد هذا التعبير وكان اكثر ديبلوماسية ، بقوله في احدث تقاريره إن ” الشعارات السياسية حول قدسية الودائع جوفاء وانتهازية. في الواقع، فإن إساءة استخدام السياسيين لهذا المصطلح أمر قاسٍ” . وأضاف: “المصطلح لا يتعارض مع الواقع بشكل صارخ فحسب، بل إنه يمنع إيجاد حلول لحماية معظم، إن لم يكن كل، أصحاب الودائع الصغار والمتوسطين بالدولار والنقد”.
هل يكرر المسؤولون في موضوع ترسيم الحدود الادعاء نفسه في ادارة البلد ومن يضمن انهم لا يفعلون ؟ فما لا يتناوله البنك الدولي وليس من صلاحياته ان هؤلاء المسؤولين انفسهم هم من اهدر اكثر من 13 سنة حتى الان في خلافاتهم الداخلية التي منعت التفاوض على الحدود البحرية فيما كان لبنان سبق اسرائيل في تحديد حدوده . وهو يواجه راهنا تصعيدا قد يفقده الوصول الى النتيجة الايجابية المفترضة على قاعدة السؤال الذي يثيره ديبلوماسيون وسياسيون حول ما اذا كان التصعيد التهديدي بالحرب الذي لجأ اليه الحزب على نحو مفاجئ ومناقض لما كان اعلنه عن وقوفه وراء الدولة اللبنانية سيؤدي الى تعقيدات اضافية او الى تحصيل ما هو اكثر مما يعود الى لبنان ؟ هناك محاولات توهم اللبنانيين بان السباق جار على من يأتي بحقوق لبنان في البحر ومن يأتي بالمقدار الاكبر منها .اذ في ظل المفاخرة بان المرجعيات في الدولة التقت على موقف موحد ابلغته الى الوسيط الاميركي ، فان الاخير يدرك، وان تمسك هو بهذه القشة لاعتبارات تتصل باعطاء صدقية لهذا الموقف ازاء موقف تصعيدي يقوم به ” #حزب الله “، ان الموقف اللبناني غير موحد فعليا بين هؤلاء المسؤولين ويستمر كذلك. فالتمسك بالخط 23 هو الورقة في يد لبنان على رغم ان ليس في يده ما يثبت ما يسمى المخزون المثبت او المؤكد في ما يطالب به. واقصى ما يمكن ان يحصل عليه لبنان هو ضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة انه اذا كان الحقل المتنازع عليه يتضمن امتيازات معينة فان لبنان يحصل عليه وذلك مع العلم ان الحديث هو على احتياطات غازية وليس احتياطات نفطية . فلو كان المخزون نفطيا لكان بالامكان ان تأتي منصات معينة للتنقيب واستخراج النفط ونقله مباشرة الى الخارج ولكن مع احتياط الغاز يقف لبنان امام احد خيارين : اما مد انابيب عبر المياه الفلسطينية الى مصر من اجل تسييل الغاز وتاليا تصديره لاحقا واما مد انابيب لاوروبا مباشرة . وهذا في حال ظهر ان كمية الغاز وفيرة وتستحق استخراجها وليس كا برز في الحقل الرقم ٤ مثلا . وفي الحالين تلوح مشاكل سياسية واقتصادية اكثر مما يتحمله لبنان وهو اقرب الى الاستحالة الاقتصادية التي لن تزعج اسرائيل عن مواصلة استخراج احتياطاتها بحيث استفادت من ذلك منذ ما يزيد على عشر سنوات اضاعها لبنان في خلافات مسؤوليه .
وما يخوضه المسؤولون من تنافس راهنا على ابراز من سيأتي بالغاز الى لبنان يشبه الى حد بعيد اتهامات البنك الدولي لهؤلاء بمسألة الانتهازية استعادة ودائع اللبنانيين والمواقف الجوفاء . فيما انه الى جانب عدم وجود تأكيدات او التثبت من وجود كميات وافرة من الغاز والقدرة على الاستفادة منه، فان سنوات عدة سيستغرقها تحقيق ذلك فيما يبيع المسؤولون اللبنانيين انهم يدافعون عن حقوق لبنان ويستعيدونها على قاعدة انقاذ البلد وانتشاله من الانهيار . ويخشى كثر ان الدول او الشركات المهتمة لن تهرع الى لبنان كذلك ، على رغم ان الحرب الروسية على اوكرانيا فتحت مجالات للبحث عن مصادر جديدة للطاقة ، اذ يستبعد ان يستطيع لبنان اللحاق بها، في ظل عامل انعدام الاستقرار الامني في الدرجة الاولى . وفي هذه النقطة بالذات يعود الى الواجهة عامل التعقيد الذي يشكله ” حزب الله” وقد توقف سياسيون كثر امام اهتمام اعلامه بالسعي الى تأكيد مدى تأثر اسرائيل بالمواقف التي يطلقها بناء على ما يورده الاعلام الاسرائيلي على سبيل اقناع اللبنانيين بصوابية تهديداته ومسؤوليتها عن استعادة الحقوق. وتاليا يسأل هؤلاء عن الميزة التفاضلية التي سيقدمها لبنان من اجل استدراج الشركات التي اذا اتت فلكي تحقق ارباحا وليس لكي تشعر بعدم الامان وتاليا عدم امكان استمراريتها على المدى الطويل حتى في ظل التهديد الكلامي وليس العملاني بالحرب.
ومع ان كثرا اكتفوا بتنصل مكرر من المؤسسات ولا سيما وزارة الخارجية من مواقف الحزب وتهديداته في موضوع الترسيم، ما يؤكد عدم وجود موقف موحد، فقد بدا مستغربا بالنسبة اليهم كلام الامين العام للحزب عن ” مخاطرة محسوبة ” وما اذا كان يستطيع ضمان رد اسرائيلي لا سيما عشية انتخابات اسرائيلية بمقدار ما سيوجهه اليها من صواريخ او مسيرات. وماذا عن انعكاسات رد محتمل ايا يكن حجمه فيما ان لبنان يعاني الامرين لتأمين ربطة خبز او صهريج مياه لا سيما ان تحديد لبنان حدوده وضع حقل كاريش خارج المنطقة المتنازع عليها مما يفقد لبنان اي مبررات فعلية لمحاولة اشتعال حرب قد لا ترى دول كثيرة وجوب التدخل هذه المرة كما في 2006 لانقاذ لبنان من الدمار ، وربما كما اعتبر الحزب انذاك وحتى ابان الانتفاضة وما يعتبره هو من حصار اقتصادي، القضاء عليه . ويعتبر البعض ان الاحراج الاكبر لدى الحزب ان الولايات المتحدة بوساطتها هي من تعمل على تحصيل حقوق لبنان وضمانها ايضا فيما يسعى الى انكار ذلك ومن هنا كذلك محاولة ابراز تحصيله هو بقوة سلاحه لهذه الحقوق وليس اميركا.