“نبكي دم”!

حجم الخط

 

“نبكي دم”! هذا تهديد خبيثٌ وخسيس، وكأنّنا نبكي “شمبانيا” منذ حلّ علينا نحس العهد وطبّالوه الباحثون عن المكاسب والمناصب، أو كأنّنا كنّا نبكي “ماء الورد” عندما سمعنا “الرئيس عون” وهو يتنكّر لمسؤوليّته وينفي أي سلطة له على مرفأ بعدما بلغته أخبار تخزين نيترات الأمونيم في مرفأ بيروت فتفجّرت العاصمة بمرفئها وأبنائها وحجرها وبشرها، المضحك ـ المبكي أنّ أمثال سليم عون يهدّدون شعباً شبع من البكاء دماً ودموعاً وابتسامات وآهات، على ماذا سنبكي دماً؟ على عهد سلّم مقاليد وزارة الطّاقة  لصهره المدلّل قبل أن يصل إلى القصر بسنين فأوصل لبنان إلى الظّلمات! على من سنبكي دماً؟ على الذي ردّ على ثورة 17 تشرين “اللي ما عاجبوا يهاجر”! و”دماً”؟ الذي أشبع اللبنانيّين “دماً” منذ حلّ على رأسهم في العام 1988، وهل بلغ العهد الرّاحل قريباً أنّ اللبنانيّين يستيقظون كلّ صباح على عدّ أيامه الذّاهبات علّ ثقلها ينزاح عن صدر وظهر البلد؟!

 

عندما نسمع هكذا تهديد غثّ نشعر أنّنا نعيش في كوريا الشماليّة وليس في لبنان، ظاهرة “تقديس الرئيس” جاءت مع الجنرال ميشال عون عام 1988 ونتمنّى أن تندثر مع نهاية عهد “الرّئيس ميشال عون”، كلاهما الرّاحلان الشّاعر سعيد عقل والفنّان زكي ناصيف يحملان وزرَ ما عاشه اللبنانيّون منذ العام 1989 حتى آخر يوم من ولاية هذا العهد، الأوّل عندما همس في أذن الجنرال “قل لهم: يا شعب لبنان العظيم”، والثاني عندما لحّن نشيد الخراب “عونك جايي من الله”!! “نبكي دمّ.. عمين؟ عجبران باسيل؟” أم على تيّار عبادة الشّخص؟

 

لم يحدث أن سمع اللبنانيّون جنوناً بلغ حدّ قول “عونيّ” بملء الفم: “عنّا إنسان ببعبدا أنا شخصيّاً بالنّسبة لإلي قبل يسوع المسيح”، أو”عونيّة” تخاطب الشعب اللبناني قائلة له: “إذا أنتو ما تعوّدتو تطّلّعو عالسّما لفوق كلّ عمركن تطلّعو بالأرض، في بالسّما الله قاعد على عرشو عيمينو في شخص إسمو ميشال عون، وعلى شمالو في جبران باسيل”، قمّة الوقاحة أن يُهدّد اللبنانيّون أنّهم “رح يبكوا دم” على رئيس حدث في عهده انهيار الدّولة الكبير وربّما لبنان الكبير!

 

بالتأكيد، سيرحل هذا العهد وسيحاكمه التّاريخ محاكمة قاسية جدّاً، وبالتّاكيد لن “نبكي دم” لا عليه ولا على غيره، فـ”لبنان الفكرة” قائم منذ آلاف السّنين وباقٍ حتّى يرث الله الأرض ومن عليها، و”لبنان الرّسالة” باقٍ أيضاً سواءً أعجبتنا أو لم تعجبنا هذه الرّسالة هذه الأرض قطعة من الجنّة وشعوبها ستبقى قطعان تتآلف حيناً وتختلف أحياناً، أمّا لبنان “الكمبيالة” و”السّياسة” وإزهاق آخر نفس من روحه من أجل “كرسي الرّئاسة” لو كان العهد وصهره قادريْن على فعل شيء لفعلا، لكنّها نفس السّياسة منذ العام 1989 الهروب إلى الأمام وإحراق كلّ المراكب خلفه، أخشى ما نخشاه أن لا يغادر العهد ولو على رماد ما تبقّى من جثّة لبنان، ولبنان وحده من يستحقّ أن “نبكي دم” من أجله، لا رئيس ولا من يرأسون!​

المصدر:
الشرق

خبر عاجل