يتعين على الشركات أن تفعل المزيد بموارد أقل ويُطلب من الموظفين العمل بجدية أكبر ولساعات أطول. يقضي غالبية الأشخاص في المكتب وقتهم في التنقل ذهابًا وإيابًا بين المهام، معتقدين أن تعدد المهام يجعلهم أكثر كفاءة. وكشفت نتائج دراسات جديدة أن “تعدد المهام لم يعد مهارة للتفاخر بها، إنما يعد سبباW يدعو للشعور بالقلق”. وتشير نتائج الدراسات إلى أن “تعدد المهام يجعلنا في الواقع نرتكب المزيد من الأخطاء ونحتفظ بمعلومات أقل ونغير الطريقة، التي يعمل بها دماغنا، بما يدعو للتساؤل عن مدى جدوى تعدد المهام”.
تعدد مهام المخ
تبدأ قشرة الفص الجبهي في الدماغ بالعمل في أي وقت يحتاج فيه الإنسان إلى الانتباه. وتساعد هذه المنطقة من الدماغ في الحفاظ على الانتباه لهدف واحد وتنفيذ مهمة واحدة من خلال تنسيق الرسائل مع أنظمة الدماغ الأخرى، بما يعني أنه عند العمل في مهمة واحدة فإن كلا الجانبين من قشرة الفص الجبهي يعملان معاً في وئام. لكن تؤدي إضافة مهمة أخرى إلى إجبار الجانبين الأيمن والأيسر من الدماغ على العمل بشكل مستقل. واكتشف العلماء في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية في باريس ذلك عندما طلبوا من المشاركين في دراسة إكمال مهمتين في نفس الوقت أثناء خضوعهم للتصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي fMRI. أظهرت النتائج أن الدماغ ينقسم إلى نصفين بما يتسبب في حدوث نسيان لتفاصيل أو ارتكاب أخطاء أكثر بثلاث مرات عند إعطاء هدفين متزامنين.
المهام المتعددة الأكثر تعقيداً
ومن المهم ملاحظة أن تعدد المهام أثناء القيام بمهام طبيعية، مثل تناول الطعام أثناء المشي، هي أسهل بكثير من المهام الأكثر تعقيداً مثل كتابة رسائل نصية أثناء قيادة السيارة. إن هذه المهام الطبيعية تتطلب ضغطًا أقل على قشرة الفص الجبهي، مما يخلق انتقالًا أسهل بين الأكل والمشي، لكن تعدد المهام الأكثر تعقيدًا يجعل الشخص أقل إنتاجية، بل ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى خفض معدل الذكاء والكفاءة العامة في العمل.
التأثير على معدل الذكاء
توصلت دراسة، أجرتها جامعة لندن، إلى أن “المشاركين الذين قاموا بمهام متعددة أثناء المهام المعرفية، عانوا من انخفاض في درجة الذكاء على غرار أولئك الذين بقوا مستيقظين طوال الليل. انخفض معدل الذكاء لدى بعض الرجال متعددي المهام بمقدار 15 نقطة، مما جعلهم يتمتعون بمتوسط معدل ذكاء طفل يبلغ من العمر 8 سنوات.”
تقليل كفاءة الدماغ
يُعتقد أن القدرة على أداء مهام متعددة في العمل هي إحدى نقاط القوة، إلا أن دراسة، نُشرت نتائجها في دورية علم النفس التجريبي، تشير إلى أن “تعدد المهام أقل كفاءة لأنه يستغرق وقتاً إضافياً من أجل تحويل التروس العقلية في كل مرة ينتقل فيها الشخص بين المهام”. رجح بروفيسور جوشوا روبنشتاين، من إدارة الطيران الفيدرالية، والذي يقوم بوضع نماذج جديدة للتحكم المعرفي، أن “تحويل الهدف، الذي ينطوي على اتخاذ قرار نشط لتغيير المهام، بمجرد أن يقرر الشخص تبديل العمليات، يؤدي إلى بدء الدماغ في تفعيل القاعدة، ويتطلب القيام بهذه الخطوة أن يبدأ العقل في إيقاف تشغيل القواعد المعرفية للمهمة القديمة وتشغيل قواعد جديدة للمهمة التالية. ويمكن رؤية هذه العملية في مكان العمل عندما ينتقل شخص ما من ملء أوراق التفوق المالي إلى كتابة رسائل البريد الإلكتروني. يجب على دماغه أولاً أن تغير الأهداف ومن ثم يقرر أن ينتقل من العمليات الحسابية وأن يكون جاهزًا لبدء الكتابة. قبل أن يبدأ في الكتابة، يوقف الدماغ قواعد الرياضيات وينشط قواعد اللغة. ويستغرق الوقت الذي يستغرقه الدماغ للتبديل الكامل للعمليات والقواعد المعرفية وقتًا ويؤدي إلى عدم الكفاءة في مكان العمل.”
فاعلية من دون تعدد المهام
ربما يكون من الصعب إيقاف القيام بمهام متعددة في العمل، خاصةً عندما يكون هناك الكثير من تكاليف ومتطلبات العمل. لكن لحسن الحظ، فإن هناك بعض التغييرات البسيطة والواعية، التي يمكن إجراؤها للعمل بكفاءة أكبر. فبدلاً من الارتداد ذهاباً وإياباً بين المهام كل دقيقة أو نحو ذلك، يمكن تخصيص فترات زمنية لمهمة معينة.
فحص البريد الإلكتروني
تتمثل إحدى المهام الشائعة في مكان العمل، التي تتحدى هذه الاستراتيجية هي فحص وتصفح البريد الإلكتروني. تشير الدراسات إلى أن المحترف العادي يقضي حوالي 23% من اليوم في إرسال رسائل البريد الإلكتروني. إلى ذلك ينصح الباحثون بضرورة التركيز بشكل كامل على مهمة أو مشروع واحد في كل مرة من أجل الوصول إلى مستويات أعلى لجودة العمل والكفاءة والذكاء.