تتسلَّل خيوط الشمس “خجولة” صبيحة كل يوم فوق هضاب بعبدا، وكأنها تستحي من الإشراق على قصر غدا في قعرٍ فيما يبدو للناظر متربِّعاً فوق تلة. وكلّما اقترب موعد بدء المهلة الدستورية لإجراء الانتخابات الرئاسية في أول أيلول المقبل، تتصاعد وتيرة خيوط السيناريوهات المتسلّلة من “غرف النحل” في القصر الجمهوري، حيث تعمل أكثر من خلية على استبطان وسائل تسمح ببقاء رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر وعدم مغادرته بعد انتهاء ولايته في 31 تشرين الأول المقبل، في حال عدم تشكيل حكومة جديدة مكتملة أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
لكن مصادر سياسية واسعة الاطلاع، تؤكد، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “المرجّح بقوة، عدم ارتكاب عون خطأ بهذا الحجم، لإدراكه تماماً بأنه لا يمكن بلعه، فما بالك بهضمه، لا داخلياً ولا خارجياً؟ وهو يسرِّب كلاماً بأنه غير معنيّ بكل هذا الكلام. غير أن ذلك لا يعني أنه لن يلجأ إلى اختراع خيارات بديلة، مهما كانت ضعيفة من الناحية الدستورية، لضمان استمراره في القصر من خلال وريثه النائب جبران باسيل، أو بأي شكل آخر، مهما كان الثمن”.
من هنا، يجب، وفق المصادر ذاتها، “عدم الاستخفاف بما يتسرَّب من غرف بعبدا حول إمكانية لجوء عون إلى خيارات عدة، قبل حلول 31 تشرين الأول، منها، إسقاط تكليف الرئيس نجيب ميقاتي ودعوة مجلس النواب لإجراء استشارات نيابية ملزمة جديدة لتكليف رئيس جديد بتشكيل الحكومة، أو الانكباب على إعداد فذلكات واجتهادات دستورية تتيح لعون تشكيل حكومة تتولى إدارة البلاد في حالة الشغور الرئاسي”.
لكن الخبير الدستوري سعيد مالك، يجزم، في حديث إلى موقع “القوات”، “استحالة ذلك، دستورياً وقانونياً، لأنه من الثابت بالعودة إلى أحكام الدستور، أن المادة 53 منه قد نصَّت على آلية صريحة لتشكيل الحكومات، تبدأ باستشارات نيابية ملزمة وتكليف شخصية بتشكيل الحكومة، ومن ثم تشكيلة حكومية يقدّمها الرئيس المكلّف إلى رئيس الجمهورية، وفي المرحلة الأخيرة إصدار مرسوم التشكيل موقَّعاً من قبل رئيسَي الجمهورية والمكلّف معاً”.
ويشدد مالك، على أن “المادة 53 واضحة، بالإضافة إلى أن المادة 64 لم تنصّ على أي مهلة زمنية للرئيس المكلَّف من أجل أن يتقدَّم بالتشكيلة الحكومية إلى رئيس الدولة. بالتالي، مع عدم وجود أي مهلة لذلك، لا يمكن الذهاب نحو سحب التكليف لأي سبب أو مبرِّر”، لافتاً إلى أنه “لو أراد المشترع تقييد الرئيس المكلف بالتشكيل بمهلة زمنية معينة، تحت طائلة سحب التكليف منه، لنَصَّ على ذلك صراحةً في مواد الدستور”.
ويضيف، “بالتالي، مع عدم وجود مهلة وعملاً بصراحة النص، التهويل اليوم بموضوع سحب التكليف من الرئيس المكلف، أمر لا يستقيم على الصعيد الدستوري، كون هذا يؤدي إلى نسف اتفاق الطائف والمبادئ التي قام عليها”.
أما من جهة تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يأتي عليها عون في اللحظات الأخيرة من ولايته، يؤكد مالك، أن “هذا الأمر أيضاً لا يستقيم بعد الطائف، وهو كان جائزاً قبله. وكلنا ندرك أنه حين انتهت ولاية الرئيس الأسبق أمين الجميل في 22/09/1988، وقبل انقضاء الدقائق الأخيرة من ولايته، عمل على تكليف المجلس العسكري لقيادة الجيش بإدارة شؤون البلاد والعباد، وأصدر مرسوم تشكيل حكومة برئاسة العماد ميشال عون الذي كان قائداً للجيش حينها، والتي استقال منها الوزراء المسلمون الثلاثة فوراً واستمرت مع الوزيرين المسيحيين عصام أبو جمرا وإدغار معلوف بالإضافة إلى عون”.
ويوضح، أنه “بعد التعديلات التي أدخلت على الدستور في اتفاق الطائف، لم يعد بمقدور رئيس الجمهورية أن يتفرَّد بإصدار مرسوم أي تشكيلة حكومية، وبات تشكيل أي حكومة يجب أن يتَّبع آلية محدَّدة وواضحة المعالم والخطوات. أي تبدأ باستشارات ملزمة، وتنتهي بتكليف، وتُتوَّج بتشكيل، ولا تُبصر الحكومة النور إلا بمرسوم يوقِّع عليه رئيس الدولة مع الرئيس المكلَّف”.
ويشدد مالك، على أن “أي تهويل بتشكيل حكومة من قبل عون في ربع الساعة الأخير من ولايته، لتسلُّم مهام الرئاسة، في غير محلّه ويتناقض مع أحكام الدستور ما بعد الطائف. وهو هرطقة دستورية بكل معنى الكلمة، ومن باب رمي المسائل جزافاً من دون أي استناد دستوري أو قانوني على الإطلاق”.
ويلفت في السياق ذاته، إلى “واقعة من المهم الإضاءة عليها. أنه عند انتهاء ولاية الرئيس الأسبق إميل لحود في 23/11/2007، كان رئيس الحكومة يومها فؤاد السنيورة الذي اعتُبر رأس حربة فريق 14 آذار، فيما لحود كان رأس حربة المشروع المقابل أي مشروع فريق 8 آذار. وعلى الرغم من التعارض ما بين المشروعين، اضطُّر وأُرغم لحود على مغادرة قصر بعبدا في 23/11/2007، تاركاً صلاحيات الرئاسة إلى مجلس الوزراء برئاسة السنيورة”.
ويضيف، “الجميع يدرك أن حكومة السنيورة اتُّهمت يومها من قبل فريق 8 آذار والثنائي الشيعي، بأنها بتراء وغير شرعية وغير دستورية وغير ميثاقية ويعتريها الخلل بانسحاب مكوّن أساسي منها وهو المكوّن الشيعي. وعلى الرغم من ذلك، ترك لحود قصر بعبدا، تاركاً الصلاحيات إلى هذه الحكومة، كيف بالأحرى اليوم؟”، معتبراً أن “هذا ما يشير ويؤكد، على أن النص الدستوري واضح وصريح وغير قابل للتفسير أو التأويل”.
من جهتها، تشدد المصادر السياسية المطلعة، على أن “عون يدرك تماماً أن لا قيمة دستورية للفذلكات التي يُعمل عليها، لمخالفتها الصريحة للدستور. لكن ما يراهن عليه هو إحداث بلبلة تسمح بتحسين شروط التفاوض على المرحلة المقبلة، حتى ولو انزلقت البلاد إلى منعطفات خطرة”، مشيرة إلى أن “له في السابق تجارب على هذا الصعيد، ومخطئ من يعتقد أنه تغيَّر أو تعلَّم من دروس الماضي المفجعة”.
وفي اعتقادها، أن “عون، ومن خلفه أو من أمامه باسيل، لن يتوانيا عن تأجيج العامل الطائفي، والتلطِّي خلف شعارات المحافظة على صلاحيات رئيس الجمهورية. وأن خياراته الدستورية، على الرغم من أنها غير ثابتة، تصبح مشروعة لكونها تأتي ردّاً على من يخطط منذ الآن لفتاوى دستورية، تجيز لحكومة تصريف الأعمال تسلُّم صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة وممارستها”.
وتضيف، “ما يراهن عليه عون وباسيل، هو أنه مع فتح باب السجالات والفوضى الدستورية الناشئة واشتداد حدة التشنُّج المصاحب، يصبحان في موقع أفضل للمساومة على إيجاد مخارج للتأزُّم، وذلك تجنُّباً للتداعيات والترددات على الوضع العام في البلاد، بما يحفظ مصالحهما في الاستحقاق الرئاسي والمرحلة المقبلة
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية