كتب المحامي أنطوان عون في “المسيرة” – العدد 1732
قيل إنه كان يملك صفات الرئيس الحلم والمنقذ. وقيل أيضًا إنه كان يملك كاريزما لا تلاقي أيًا من تلك التي يتباهى بها البعض إفتراضيًا!
21 يومًا عاش اللبنانيون الحلم في انتظار اللحظة التي سينزع فيها قائد «القوات اللبنانية» البزة العسكرية ويرتدي بزة رئيس الجمهورية، الى أن انكسر الحلم… إغتيل بشير في 14 أيلول 1982 وتحوّل الحلم الى أسطورة.
لكن، ماذا لو حكم بشير؟ هل كان سيحقق حلم اللبنانيين في تجربة عاشوها معه على مدى 21 يومًا؟ هل كان سينجح حيث فشل رؤساء قبله وبعده وعجزوا عن إعادة ضخ الأمل والثقة والجرأة لتحقيق لبنان الوطن؟
رحل بشير… صدقوا. وسواء كان سينجح أم لا بفعل ظروف إقليمية ودولية، يبقى بشير الحلم قائدًا إستثنائيًا ورئيسًا إستثنائيًا لو حكم!
ظاهرة جاذبية الشخص والإستقطاب العابر للطوائف عامل توحيد غير مسبوق في تاريخ لبنان المعاصر:
التجاوب الشعبي مع كاريزما القائد وأسباب نجاحه:
ـ 15 عامًا من اليأس والإحباط وسقوط الدولة وانهيارها وغيابها.ـ
-شلل المؤسسات العامة والإدارة العامة وكل من مجلس النواب ومجالس الوزراء.
ـ طغيان سيطرة السلاح الفلسطيني المتفلّت والإحتلال السوري العسكري لأكثر من 88 في المئة من الأراضي اللبنانية.
ـ المصاعب الاقتصادية والإجتماعية والأمنية فالسياسية التي عاشها الشعب اللبناني منذ العام 1975 الى 1982، خصوصًا في ظل حصار بيروت والحرب الطاحنة التي شنّها الجيش الإسرائيلي، وصولاً الى إلزام ياسر عرفات وقواته والجيش السوري ووحداته على الخروج من بيروت وضواحيها.
ـ وقد دفع هذا الفراغ العسكري والأمني والسياسي كل الناس، ولا سيما الفئات الشعبية، الى الإنجذاب باتجاه مناصرة الشخصية الكاريزمية لبشير، التي جسَّدت النور والأمل والثقة بالنفس، وقدرة الرئيس الجديد على تحقيق وعوده وحلم اللبنانيين جميعًا بدولة وسيادة وحرية واستقلال ومؤسسات عامة فعّالة وعصرية ونظامية بعيدًا من الفساد والإنقياد لإرادات الغرباء المحتلين المتتالين من فلسطيني الى سوري فإسرائيلي، وعودة لبنان الى صورته المشرقة كمنارة للشرق الأوسط، واستعاد اللبنانيون بغالبيتهم العظمى ثقتهم وإيمانهم بلبنان الحلم وسويسرا الشرق ووطن الحريات والقانون والعدالة الإجتماعية، وبمفهوم الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه، والإلتزام بالحقيقة وقولها مهما كانت صعبة. فبدا الحلم على قاب قوسين من أن يتحقق ويتحوّل الى حقيقة، الى جانب تفاؤل عام غلب انطباعه على الرأي العام اللبناني بكامله، وصولاً الى امتداده على طول مساحة الإغتراب اللبناني في القارات الخمس، وبدء التحضير للنهضة الاقتصادية والعمرانية العتيدة، وقيامة لبنان من الموت مثل طائر الفينيق.
-21 يومًا من ديناميكية متصاعدة حوّلت قائد «القوات اللبنانية» الى رئيس جمهورية 10452 كلم2 على رأس دولة قوية ومؤسسات مبنية على أسس المصلحة الوطنية العامة، وزعيمًا وطنيًا تاريخيًا يعمل على توحيد الشعب اللبناني بكافة طوائفه ومذاهبه ومشاربه السياسية، في حلم رائع بلبنان جديد ودولة عصرية وعادلة وشرعية دستورية تحترم الدستور والقوانين.
لكن القدر كان أقوى، والتناقضات الاستراتيجية والعسكرية والصراع على المستويين الإقليمي والدولي تمكنت من تدمير الحلم وإعادة الناس الى اليأس القاتل والإحباط بفعل إغتيال الرئيس الشاب الواعد قبل أن يحلف يتم القسم الدستورية، فسقط الحلم وهوى الرئيس القائد شهيدًا وبطلاً دخل التاريخ وتحوّل الى أسطورة في 14 أيلول 1982، وعادت مسيرة الآلام ودرب الجلجلة تجرجر اللبنانيين من نكسة الى نكسة، ومن كارثة الى أخرى، وصولاً الى الإنهيار الكامل وعلى كافة الصعد، حتى اليوم، وكل لبنان يقول في قلبه: «لو بقي بشير حيًا لما وصلنا الى هنا»!
السؤال الكبير الذي يطرح على حدود الخط الفاصل الرفيع بين الحلم والوهم: ماذا لو حكم بشير؟ هل كان سيحقق حلم اللبنانيين الذي عاشوه معه في تجربة 21 يومًا في اليوم والساعة والدقيقة؟ هل كان سينجح حيث فشل رؤساء قبله وبعده وعجزوا عن إعادة بناء الأمل والثقة والبطولة لتحقيق لبنان الوطن والرسالة والقدوة والمنارة في الشرق والغرب، أم إن العوائق والعقبات والتناقضات الاستراتيجية والتكتية التي عصفت بلبنان منذ 14 أيلول 1982 وحتى تاريخ كتابة هذه السطور في آب 2022، أي طيلة أربعين عامًا، كانت ستفرض على الرئيس بشير الجميل ما فرضته على من خلفه في سدة الرئاسة وتجعل منه رئيسًا يدير الأزمة في أفضل الأحوال، وغير قادر على حلّها وتحقيق الحلم اللبناني في دولة وجمهورية قوية؟
بناء على كل ما تقدم، وفي محاولة موضوعية، واقعية وعلمية، وبالإستناد الى قراءة الأحداث المتتالية والتطوّرات التاريخية التي عصفت بلبنان وبمنطقة الشرق الأوسط، وصولاً الى الصراع الدولي، مرورًا بمحطات تاريخية أساسية وسقوط أنظمة حديدية وإمبراطوريات دولية، وقيام دول عظمى إقليمية، سوف نحاول تلمّس ما كان سيفعله بشير الرئيس والقائد في مواجهة الأعاصير والعواصف التي ضربت لبنان والمنطقة ودمّرت دولاً متعددة تفوق لبنان قوة وعددًا وإمكانات على كل الأصعدة. فإلى أي مدى كان سينجح بشير في النفاد بسفينة الوطن الصغير من تلك العواصف من دون الغرق والضياع والزوال عن الخارطة الدولية؟ وهل كان أداؤه القيادي والمبادر والشجاع سيجنّب لبنان مسلسل الكوارث الذي لم ينجح رؤساء الجمهورية اللبنانية بعده في تفادي نتائجه المدمّرة على لبنان؟
أبرز العوامل والصراعات والتناقضات التي عصفت بلبنان منذ العام 1982 ولغاية 2022:
أدى الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 الى إختلال خطير للتوازن الاستراتيجي بين الإتحاد السوفياتي وحلف وارسو من جهة، والولايات المتحدة الأميركية وحلف «الناتو» من جهة أخرى. وبالفعل، فإن خروج منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان وصولاً الى العاصمة بيروت، وكذلك إنسحاب القوات السورية من جبل لبنان وبيروت الى منطقة البقاع، اعتُبر ضربة قاسية للمعسكر الشيوعي وحلف وارسو، وإسقاطاً للدور الفلسطيني في التمدد إنطلاقاً من لبنان الى المياه الدافئة العربية، وتحديدًا الأنظمة العربية الحليفة للغرب، الأمر الذي اعتبره السوفيات خسارة استراتيجية لا بدّ من تعويضها بإفشال كافة نتائج الإجتياح الإسرائيلي، وأبرزها زوال الدور الفلسطيني المزعزع للعروش العربية، وارتأت موسكو أن إغتيال الرئيس بشير يُسقط الهدف الذي حققه «الناتو» في مرمى الإتحاد السوفياتي، وأبرز مؤشر على ذلك القرار، هو أن الرئيس يوري أندروبوف قرر إعادة بناء سلاح الجو السوري بسرعة فائقة بعد خسارة حوالى ثمانين طائرة مقاتلة سورية في معركة دامت ساعات معدودة فوق البقاع اللبناني، كما تم تجديد كامل سلاح المدرّعات السوري واستبداله بمدرّعات حديثة من طراز «ت 72»، وبدأ الزحف باتجاه إسقاط إتفاق 17 أيار 1983 والتمرّد على شرعية الرئيس أمين الجميل، وإخراج الجيش اللبناني من بيروت الغربية في ما عُرف بانتفاضة 6 شباط 1984، وحرب الجبل لعامي 1982 و1983 المؤدية الى تهجير 72 قرية ومدينة مسيحية في عاليه والشوف، وإجبار القوة المتعددة الجنسيات المؤلفة من وحدات المارينز الأميركية والقوات الفرنسية على الخروج من لبنان وترك الشرعية اللبنانية تواجه مصيرها المحتوم على يد ميليشيات حركة «أمل» والحزب التقدمي الإشتراكي المدعومة من قوات أبو موسى الفلسطينية المنشقة والوحدات السورية وعودتها الى بيروت عام 1987 بعد حرب الميليشيات في شوارعها.
إزاء هذه الوقائع، هل كانت ظاهرة توحيد الشعب اللبناني وراء رئيسه العتيد في 23 آب 1982 لتصمد أمام هذه العواصف الهوجاء التي هبّت على المنطقة بين أعوام 1982 و1986، حيث شهدت الساحة اللبنانية عودة الفلسطينيين والسوريين الى السيطرة على القرار السياسي اللبناني في ظل الإنقسام السياسي العنيف الذي أعاد شقّ بيروت الى نصفين، وعادت الساحة الداخلية ساحة مفتوحة للصراع الإقليمي والدولي ليفجّر الوضع اللبناني ويعيده الى أجواء الحرب اللبنانية التي سبقت العام 1982؟ وهل كان للرئيس بشير أن يحول دون عودة التحالف السوفياتي ـ السوري ـ الفلسطيني ـ الميليشياوي الى شوارع بيروت وإسقاط ما أتى به الإجتياح الإسرائيلي من نتائج ميدانية وسياسية؟ وهل كانت عوامل التضامن الوطني التي برزت إثر انتخاب الرئيس الشهيد لتدوم وتصمد في وجه زعزعة لبنان والشرق الأوسط برمته بقرار سوفياتي وتنفيذ سوري وفلسطيني، ومشاركة ميليشيات لبنانية متحالفة مع هذا المحور المعادي للغرب؟ وهل أعطيت الإرادات اللبنانية الصادقة التي تجلّت إبان انتخاب بشير رئيسًا، الوقت الكافي لتنضج وتتبلور حركة لبنانية جامعة موحّدة ضد كل محاولة للإطاحة بالشرعية اللبنانية، بل وبالدولة والكيان في آن معًا؟
من هنا، فلو سلّمنا أن الرئيس بشير كان قادرًا على الإحتفاظ بتأييد القوى والفاعليات والزعامات الوطنية اللبنانية، ونجح في تدعيم الساحة اللبنانية الداخلية وراء شرعيته، محققاً وحدة داخلية متماسكة، فهل كان سينجح في منع الصدام الداخلي وتأثير القوى والأحزاب السياسية المتحالفة مع دمشق ومنظمة التحرير الفلسطينية، في رفض مندرجات ما عُرف في ما بعد باتفاق 17 أيار والعمل باتجاه إلغائه وإلغاء كل نتائج الإجتياح الإسرائيلي عام 1982؟ هل كان سينجح في تفادي النتائج الكارثية الناجمة عن حرب الجبل عام 1983 وتداعياتها الطويلة الأمد التي كلّفت سبعة عشر عامًا لتندمل جروحاتها، لغاية العام 2000 ومبادرة مصالحة الجبل من قبل البطريرك الراحل ما نصرالله بطرس صفير ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط؟ وهل كان الرئيس بشير الجميل ليتخذ الموقف الحكيم تجاه ظاهرة خروج القوات الأميركية والفرنسية المتهافت من الرمال المتحركة اللبنانية بعد العمليات التي تعرّض لها مركز قيادة المارينز قرب المطار، ومركز قيادة القوات الفرنسية على طريق الشام عام 1984 على يد ما عُرف لاحقاً بـ»حزب الله» المؤسَّس عام 1982، وتزايد الحضور والنشاط الإيراني في لبنان عبر مجموعات الحرس الثوري الإيراني في منطقة البقاع؟
هل كان الرئيس بشير لينجح في إخراج لبنان من الصراع العنيف على النفوذ الذي دار بين سوريا الأسد وعراق صدام حسين، بعد خروج هذا الأخير منتصرًا من حرب طاحنة دارت بين القوات العراقية وجيوش الجمهورية الإسلامية في إيران منذ العام 1981 الى العام 1988، وسعي كل من القائدين العربيين للتنافس على زعامة العالم العربي، وصولاً الى إرسال شحنات هائلة من الأسلحة الى القوات المتصارعة في لبنان، زادت في إنقسام الوطن الصغير وساهمت في تهجير نسبة هامة وخطيرة من أبنائه الى كندا وأستراليا وأميركا وأوروبا بعد فشل حربي التحرير والإلغاء اللتين دمّرتا البنى التحتية اللبنانية وتركتا جروحًا عميقة في الجسم المجتمعي اللبناني لم يتم الشفاء من تداعياتها حتى تاريخه؟
بشير رئيسًا إستثنائيًا في مواجهة العواصف الإقليمية والدولية:
وللإجابة عن الأسئلة المتعددة المطروحة أعلاه، موضوعيًا ومنطقيًا وعلميًا بعيدًا من الرومانسية السياسية، علينا أن نستعيد في الذاكرة مجموعة من الثوابت التي ميّزت شخصية بشير وأطباعه وقدرته على المبادرة، وتوافر ثلاث صفات قيادية مثالية في شخصه، وفي شخص أي قائد تاريخي وفقاً لما حددها الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون في كتابه: «Les deux sources de la morale et de la religion» الذي اعتبر أن القائد، أي قائد تاريخي، يجب أن يكون «بطلاً وقديسًا وفيلسوفا»، أي أن تتوافر في شخصه الشجاعة والأخلاق والحكمة، وإلا فإن الفشل من نصيبه والكوارث من نصيب من يترأسهم.
وفي العودة الى شهادات حيّة لرفاق عملوا تحت قيادة بشير مباشرة ولسنوات نضالية وملاحم بطولية من المقاومة اللبنانية، يتبيّن أن هناك إجماعًا على أن بشير كان قادرًا أن يطلب منهم كل ما كانوا قادرين على إعطائه وجعلهم يذهبون وراءه بعيدًا في النضال، وصولاً الى بذل التضحيات الجسيمة حتى الإستشهاد. ومن جهة أخرى، كان بشير موهوبًا في اتخاذ القرارات الصائبة حتى الأصعب منها والأكثر إيلامًا، وكانت أبرز مواهبه تتجلّى في روح المبادرة والإقدام باتجاه الخصوم والأعداء، كما الأصدقاء والحلفاء، وقلب المعادلات وتغيير التوازنات والواقع القائم إذا كان سلبيًا بمجمله. فبالإيمان بمبررات قراره، كان الرجل يدخل التاريخ بمواقف وقرارات إستثنائية لمواجهة ظروف وصعوبات وعوائق وعراقيل إستثنائية.
وفي حال أخذنا في الإعتبار قدرة القائد الرئيس على المبادرة الشجاعة الإستثنائية في أن يخطو الخطوة الأولى باتجاه خصومه وأعدائه ويمدّ لهم يدًا صادقة، صريحة، تحاور باحترام وتتعامل بشرف وتلتزم بما تعهدت به، الى جانب الحكمة وبُعد النظر والرؤية الاستراتيجية في قراءة موضوعية لتقاطع المصالح المشتركة، وصولاً الى التفاهم على شروط الحدّ الأدنى لتجنّب الحائط المسدود، وفي المقابل، وعلى المستوى القيادي وعلاقته بالقواعد الشعبية التي تؤمن به، وقدرته الإستثنائية في الإقناع والإيحاء الصادق بموضوعية الإلتزام ومبررات قراراته التاريخية، ونجاحه في استقطاب الناس عبر التكلم بلغتهم والتعبير عما يعجزون عن قوله مما يختزنه عقلهم الباطني فيحوله لهم شعارات وقرارات واضحة تعبّر عن مكنونات صدرهم أو ثوابت وجدانهم التاريخي وأحلامهم النائمة في أعماقهم، فيهبّون لتلبيتها بقيادته بإيمان وعفوية صادقة لا يمنعها عنهم أي عائق أو عرقلة أو مانع.
إن ثبوت توفر كل هذه المقوّمات في شخص بشير كرئيس إستثنائي، ترجّح نجاحه في مواجهة التحديات والعوائق مهما كبُرت أو صعُبت، لأن من له القدرة على زرع الإيمان بقلوب رجاله، وحده من ينجح، ليس في دخول التاريخ فحسب، بل بكتابته بأحرف من ذهب لا تنقضي على الرغم من أربعين عامًا على استشهاده!
رئيس إستثنائي وإلا
بعد أربعين عامًا على إستشهاد الرئيس البطل، يتذكر لبنان بأسره بحسرة ويقول: «ما أشبه اليوم بالأمس! وما أحوجنا الى قائد يجمع الناس حوله ويدلّهم بيده الى ميناء الخلاص، والى ضياء الأمل في لبنان الحلم، والى خارطة الطريق نحو خلاص لبنان من الواقع المزري الذي يعيشه، وهو يرزح تحت كاهل الصراعات الإقليمية العنيفة والتجاذبات الدولية الشديدة، مترنّحًا على حافة الهاوية والإنهيار الكبير الشامل!
وبالفعل، فإنه من المؤسف أن تكون لعبة الأمم وصراع الإمبراطوريات المستيقظة مع الإمبراطوريات التي بدأ نجمها بالأفول، ما تزال تستخدم لبنان ساحة لصراعاتها ومعاركها المدمّرة، وصندوق بريد لتبادل الرسائل، الدموية والعنفية والدبلوماسية السرية على قدم المساواة. نعم منذ 1982 وحتى تاريخه ولبنان لم يعرف يومًا الراحة والإستقرار، وهو ينتقل من محتل الى آخر، ومن وصيّ الى آخر، ويتغيّر اللاعبون الدوليون والإقليميون واللعبة ذاتها مستمرة ومسرحها واحد وأهدافها واحدة، وهي القضاء على الوطن الصغير بمساحته، الكبير بقيمه وبرسالته البشرية كعنوان لملتقى الحضارات وتفاعل الأديان وتجربة للعيش المشترك ولتقبّل الآخر واحترام حقوقه وحرياته الجماعية كمجتمع تعددي ديمقراطي، والفردية كإنسان حضاري مميّز وتجربة لبنانية فريدة ورائعة في تنوّعها الحضاري والثقافي وانفتاحها الفكري.
نعم، وأكثر من أي وقت مضى، فإن لبنان يصارع ليبقى على قيد الحياة في مواجهة العواصف والأعاصير الإقليمية والدولية، وهو بحاجة ماسة، أسوة بمرحلة السبعينات والثمانينات، الى قائد ورئيس تاريخي يعمل على إنقاذه ويعبر بسفينته من بين الألغام الى برّ الأمان، الى رئيس تجتمع في شخصه مقوّمات البطل والقديس والفيلسوف الحكيم، ليقوم بإنقاذ لبنان من المستنقع الذي يغرق فيه، وإلا… نعم نحن بحاجة الى رئيس إستثنائي وإلا… يصح قول القائل بأننا ذاهبون الى جهنم، إن لم نقل إننا أصبحنا اليوم في قعرها… وليتذكّر اللبنانيون بأن الرجاء في القيامة والإيمان بالأمل في غدٍ مشرق كانا دائمًا من عوامل المعنويات العالية التي تميّزت بها المقاومة اللبنانية في كل محطاتها، على ما نقول، وصخور نهر الكلب دليل تاريخي على ملاحم البطولة دفاعًا عن الحرية والإنسان، وهما عنوان لبنان الأزلي، ومن له أذنان سامعتان فليسمع، ولأن لبنان هو أرض الله، وهو وطن القداسة والقديسين، والأبطال والحكماء، وغدًا لناظره قريب…
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]