الرؤساء الشهداء… أبطال في السينما أيضاً

حجم الخط



كتبت جوزفين حبشي في “المسيرة” – العدد 1732

على رغم وفرة الأفلام اللبنانية التي دارت في فلك الحرب اللبنانية، لم «يجرؤ» مخرج سينمائي لبناني حتى اليوم على تقديم قصة الرئيس ـ الحلم بشير الجميل في شريط سينمائي، على رغم وفرة المكوّنات الدرامية المؤثرة والجذابة والمشوّقة والوطنية التي تحتويها تلك القصة.

وحده مخرج فيلم «قضية رقم 23»، اللبناني العالمي زياد دويري، تجرأ (حيث لا يجرؤ الآخرون) لأول مرة في تاريخ لبنان، على الإضاءة على  معاناة حزب «القوات اللبنانية» من خلال إستعادة حقيقة مجزرة الدامور التي لطالما تم تجييرها لمصلحة معاناة القضية الفلسطينية، على حساب المقاومة المسيحية والوجع المسيحي، لينتهي الفيلم برسالة عظيمة «لا أحد يحق له إحتكار المعاناة».

من مجزرة الدامور عام 1976 وصولاً الى أيامنا هذه، قافلة شهداء «القوات اللبنانية» لم تتردد يومًا في بلّ تراب الوطن بالدماء، حفاظاً على الهوية والكيان. قافلة أبطال «القوات اللبنانية» التي طرفها بالشهادة مبلول في أيلول، لا تزال تنتظر مخرجًا جديدًا وجريئاً كزياد الدويري ربما، ليضيء على محطات عديدة واستشهادات كثيرة خلال رحلة «القوات اللبنانية» مع النضال من أجل الحرية والسيادة. وأبرز هذه المحطات واحدة من أقسى مراحل لبنان الحلم الذي تحوّل كابوسًا، مع إغتيال الباش، الرئيس بشير الجميل يوم عيد الصليب في 14 أيلول 1982، ليتم من بعده صلب لبنان على خشبة العذابات التي لم تنتهِ حتى يومنا هذا.

وبانتظار أن يتحوّل بشير بطلاً لفيلم سينمائي لبناني، تمامًا كما كان وسيظل بطل الحلم الذي لن نملّ من حلمه دائمًا، نتوقف في عددنا هذا عند بعض أشهر الأفلام التي تناولت حياة رؤساء جمهوريات إنتهت بالإغتيال.

جون كينيدي

بعد إغتيال الرئيس بشير الجميل في 14 أيلول 1982، ربطت تقارير عديدة بين شهيدنا اللبناني والرئيس الأميركي جون كينيدي لجهة تقارب أقدارهما ووفاتهما في ريعان الشباب. وعلى عكس الرئيس بشير الجميل، إهتمت السينما العالمية بتقديم أفلام عديدة عن الرئيس الأميركي الذي تم اغتياله بالرصاص في 22 تشرين الثاني 1963، عندما كان في زيارة إنتخابية لمدينة دلاس، وأثناء مروره بسيارة مكشوفة في الشارع برفقة زوجته جاكلين. الأفلام التي أُنتجت حول الرئيس جون كينيدي كثيرة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر In the Line of Fire عام 1992 و JFK: Three Shots that Changed America عام 2009، و Parkland الذي أنتجه النجم طوم هانكس عام 2013. ويظل اشهر هذه الأفلام شريط المخرج اوليفر ستون JFK عام 1991،  الذي أثار كثيرًا من النقاشات والتساؤلات  والجدالات السياسية لما احتواه من ملابسات عملية الإغتيال، إضافة الى احتوائه الكثير من تفاصيل حياة الرئيس وأسراره السياسية والإجتماعية وأهم الأحداث السياسية التي حصلت في عهده مثل أزمة صواريخ كوبا وإدارته للعلاقات مع السوفييت خلال الحرب الباردة.

الفيلم من بطولة كيفين كوستنر وسيسي سبايسك وتومي لي جونز وغاري أولدمان، وفاز بجائزة أوسكار أفضل تصوير سينمائي، وقد تم تصويره في مواقع عديدة في الولايات المتحدة مثل مقبرة أرلنغتون القومية. يروي الفيلم قصة محقق سيعيد فتح ملفات قضية إغتيال الرئيس كينيدي لمعرفة القتلة الحقيقيين والأسباب الفعلية وراء الإغتيال. وأثناء إنغماسه في هذه القضية، سيهمل زوجته التي ستسانده لاحقاً، عندما ستكتشف أهمية القضية والتطوّرات التي وصل إليها زوجها.

بلغت ميزانية الفيلم 40 مليون دولار، وحقق أرباحًا تخطت الـ205 مليون دولار. وعلى رغم شهرة الفيلم، إلا أنه تعرّض لانتقادات كثيرة لأنه يُظهر أن حادث إغتيال الرئيس الراحل جاء نتيجة مؤامرة دبرتها وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية خلال مرور موكبه بمدينة دالاس في 1963. وحسب تصريحات المخرج أوليفر ستون الذي تم اتهامه بأنه يسعى للدعاية، فإن عددًا كبيرًا من الأميركيين يرفضون إحتمالية أن يكون حادث إغتيال الرئيس الراحل قد جاء نتيجة مؤامرة دبرتها الـCIA، ويفضلون تصديق أن مرتكب الجريمة هو لي هارفي أوزوالد الذي اعتُقل بعد الإعتداء وقد تعرّض للقتل قبل محاكمته. وعلى رغم مرور 30 سنة على إنتاج فيلم JFK، إلا أن أوليفر ستون لم ينسَ القضية ولم يرمِ مجهره السينمائي للكشف عن الحقيقة. بدليل أنه عاد وقدم عام 2021، فيلما وثائقيا بعنوان JFK Revisited: Through the Looking Glass، (إعادة النظر في جون ف. كينيدي: عبر المرآة). من خلال هذا الفيلم الوثائقي الطويل الذي تم عرضه في مهرجان كان السينمائي، أعاد ستون صاحب الأفلام السياسية العديدة والملتزمة، فتح أوراق ملف إغتيال الرئيس الـ35 للولايات المتحدة، الذي امتدت ولايته من 20 كانون الثاني 1961 حتى 22 تشرين الثاني 1963. ويبدو أن أوليفر ستون قام بمتابعة أبحاثه وتحرياته خلال كل تلك الأعوام، وقد جمع كمًّا كبيرًا من الوثائق التي أهلته لإعادة فتح الموضوع، خصوصًا أن كثيرًا من التفاصيل تم التغاضي عنها في السابق بسبب قانون سجلات جون كينيدي. كما أضاف ستون: «لا يمكنني وضع كل ما أعرفه في هذا الفيلم الوثائقي، ولكن يمكنني جمع الكثير من الحقائق التي ظهرت بعد فيلمي (JFK) في 1991، وكذلك إعادة تأكيد بعض الحقائق التي وردت في الفيلم، لأنه تعرّض للهجوم على نطاق واسع». أما لماذا يُصرّ ستون على إعادة نبش الماضي؟ «لأن الفيلم مهم لضميري وللأشخاص الذين يهتمون بوجود هذه المادة».

انور السادات

أما على الصعيد العربي، فسنتوقف عند فيلم من إنتاج هوليوود الشرق مصر، عن محمد أنور السادات، ثالث رئيس لجمهورية مصر العربية الذي امتد حكمه  من 28 أيلول 1970  حتى مقتله في 6 تشرين الأول 1981. الفيلم  من إخراج محمد خان وهو من نوع السيرة الذاتية بعنوان «أيام السادات»، تم إنتاجه عام 2001 عن سيناريو وحوار لأحمد بهجت، واعتُبر علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية الحديثة. أما البطولة فتولاها الراحل  أحمد زكي الذي أبدع في تقمّص شخصية السادات بالشكل والمضمون، وصرّح لاحقاً أن هذا الدور هو أحد أصعب أدواره السينمائية على الإطلاق. وقدمت كل من  ميرفت أمين ومنى زكي دور زوجة الرئيس جيهان السادات في حقبتين عمريتين مختلفتين، مع الإشارة الى أن جيهان السادات هي من اختارت ميرفت أمين لأداء دورها.

يروي الفيلم المقتبس عن كتابي «البحث عن الذات» لمحمد أنور السادات و»سيدة من مصر» لجيهان السادات، السيرة الشخصية وحياة الرئيس محمد أنور السادات، ويسلّط الضوء على مسيرة 40 عاما من حياته، أي منذ البدايات ووصوله لسدة الرئاسة في مصر وحتى لحظة اغتياله، مع إضاءات على جوانب أخرى من حياته، مثل ذكائه وولعه بالقراءة، وخصوصًا للمهاتما غاندي خلال فترة سجنه، وعلى حبه وارتباطه بزوجته الثانية جيهان التي كانت تصغره بـ15 عامًا. يبدأ الفيلم من لحظة تولّي السادات رئاسة الجمهورية بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1970 كونه نائباً للرئيس. من مكتب عبد الناصر، يقترب  السادات من الشرفة، ويبدأ باستعادة شريط حياته عبر الفلاش باك، من حقبة الحركة الوطنية المناهضة للإحتلال البريطاني وتعاونه مع المخابرات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية الذي قاده إلى السجن، وانضمامه إلى تنظيم الضباط الأحرار الذي قام بثورة 23 يوليو،  وليذيع بصوته بيان الثورة، وتولّيه الرئاسة بعد وفاة عبد الناصر، وفترة حكمه، وحرب أكتوبر عام 1973، انتهاءً باغتياله في عرض عسكري كان يُقام بمناسبة ذكرى «حرب أكتوبر». وطبعًا تقف وراء عملية إغتياله عوامل عديدة، وليس إتفاق السلام مع إسرائيل فقط لا غير، فموضوع الشريعة كان سببًا مهمًا، لأنه كان يقف ضد تطبيق الشريعة الإسلامية، إضافة الى هجومه على الحركات الإسلامية  وقرار حل مجلس الشعب الذي كان فيه عدد قليل من الشخصيات المعارضة.

أيضًا، تم إنتاج فيلم أميركي درامي من جزئين عن سيرة الرئيس السادات عام 1983، بعنوان Sadat، ومن إخراج ريتشارد مايكلز. وقدم كل من الممثلين الأميركيين لويس غوست جونيور دور أنور السادات، وجون ريس ديفيس شخصية عبد الناصر، ومادلين سميث أوسبرن دور جيهان السادات. في هذا الفيلم الذي ينطلق من إستيلاء الضباط الأحرار على مقاليد الحكم في مصر في خمسينات القرن العشرين، وانتهاء الحكم الملكي، وحكم السادات وتوجهه إلى إسرائيل ليقابل صديقه مناحيم بيغن بهدف إنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي واستعادة سيناء للجيش المصري. وينتهي الفيلم بعملية الإغتيال في 6 تشرين الأول عام 1981. هذا الفيلم لم يلقَ ترحيبا في مصر بسبب المغالطات التاريخية وعدم إتقان الممثلين الأميركيين في أداء الشخصيات المصرية. وطلبت السلطات من وزارة الإعلام منع عرضه في صالات السينما المصرية، ودعا الممثلون والفنانون وعموم مجلس الشعب إلى مقاطعته وعدم مشاهدته.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل