تكثر التحليلات والتأويلات المتعلّقة بمواقف الدول الكبرى والفاعلة حيال لبنان مع اقتراب موعد الإستحقاق الرئاسي، في حين أن الثابت يبقى حجم الدمار المؤسساتي الذي قد يسبّبه الفراغ المرتقب.
إذا كانت مواقف الدول الكبرى واضحة تجاه أزمة لبنان، إلّا أن الغموض كان يلفّ موقف الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بعد عدم مبالاتها بالشأن اللبناني منذ شباط 2016.
ولم تظهر بوادر تدخّل واضحة أو اهتمام كبير بالملف اللبناني من قبل الرياض سابقاً والتي تضع في سلّم أولويّاتها الإهتمام بالملف اليمني، فلبنان بالنسبة للقيادة السعودية والخليجية واقع تحت الإحتلال الإيراني و»حزب الله» يحكم البلد، بينما الدولة اللبنانية المتعارف عليها سقطت وباتت تحت سلطة «الدويلة».
وفي السياق، فإنّ هناك كثيراً من الأخبار المتداولة حول الموقف السعودي والخليجي، منهم من يؤكّد أن السفارة السعودية، مثلما ظهر، تعمل لوحدة صفّ النوّاب السنة من خلال دار الفتوى، وآخرون يرددون أن الرياض والإمارات تعملان مع المحور العربي على وحدة 14 آذار لكي تستطيع هذه القوى الوقوف في وجه «حزب الله».
وأتى البيان الثلاثي السعودي- الفرنسي- الأميركي المشترك حول لبنان ليصوّب البوصلة ويؤكّد أن الرياض لا تزال تهتمّ بالملف اللبناني، خصوصاً أن الإستحقاق الرئاسي يأتي كمحطّة مهمة في تحديد طبيعة الحكم اللبناني وما إذا كان محور «الممانعة» سيجدّد قبضته على الحكم لستّ سنوات أو إن هذا الإستحقاق سيشكّل مناسبة سياسية لإعادة التوازن السياسي في البلاد.
وأمام كلّ هذه الأقاويل فإن المعلومات تؤكد أن الموقف السعودي والخليجي هو أن «المطلوب رئيس سيادي إصلاحي، وفي حال لم يكن هذا الرئيس المقبل يتمتع بهذه المواصفات فإن الرياض، ومعها بقية العواصم الخليجية، لن تساعد لبنان أو تدعمه اقتصادياً لذلك ستبقي موقفها على غرار ما هو اليوم وستكتفي بتقديم المساعدات الإنسانية والاجتماعية كما تفعل حالياً». وتشير المعلومات أيضاً الى أن الخليجيين عبر الرياض أبلغوا من يهمّه الأمر بأن رفع منسوب مساعداتهم للبنان يأتي بعد انتخاب رئيس يلتزم بالدستور و»اتفاق الطائف» والاستحقاقات الدستورية ومبدأ المؤسسات وفي حال لم يكن الرئيس مؤسساتياً وإصلاحياً وسيادياً والأهمّ أن يضع خطاً فاصلاً بين الدولة و»الدويلة» ويدير الدولة بعيداً عن الفساد والفلتان وتصدير الكبتاغون والتهريب المشرّع الأبواب، فلا مساعدات مهمة للبنان والعلاقات ستستمرّ كما هي اليوم، ولن يدخل الخليجيون لتمويل أي خطة إعادة نهوض بالإقتصاد أو بثّ الروح في شرايين الإقتصاد اللبناني المتهالك.
إذاً، في الشكل فإن الخليجيين لا يدلون بأي تصاريح قوية في هذه المرحلة تطول الإستحقاق الرئاسي، لكن مضمون موقفهم الحقيقي يدلّ على «عاصفة حزم» رئاسية تجاه لبنان، إذ إنهم لن يقبلوا برئيس يكون تابعاً لـ»دويلة» ونفوذ «حزب الله» ويُغطي الإحتلال الإيراني للبنان ويدافع عن سياسة طهران في المنطقة، في حين أن التسوية الإقليمية التي يمكن أن تحصل ستحدث وفق هذه الشروط، وإلا فلا تسوية، أو بالأحرى عدم مدّ اليد الخليجية لإنقاذ لبنان.