على عجل، لملمت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أوراق مشروع موازنة 2022، لتؤدي ما عليها وترمي كرة المسؤولية في ملعب مجلس النواب، فأعادت تجميع بعض أرقامها، ومنها الدولار الجمركي، فيما نسيت بعضها الآخر، ومنها توحيد سعر الصرف. وعلى عجل أيضاً، أقرّ البرلمان قانون الموازنة “مع طلوع الروح”، بدليل عدم تجاوز الأكثرية سقف الـ63 صوتاً، فيما بلغت الأصوات المعارضة 37 والممتنعين عن التصويت 6 نواب.
كان واضحاً أن تصميم رئيس البرلمان نبيه بري على إقرار الموازنة الاثنين الماضي، هو تلبية عاجلة لشروط صندوق النقد الدولي بعد حفلة “التأنيب المهذب” إبان زيارة وفده الأخيرة الى بيروت قبل أكثر من أسبوع. فهل ستكرّ سبحة الرضوخ لضغوط صندوق النقد، خصوصاً ان ثمة مشاريع قوانين لا تزال تنتظر في ردهة مجلس النواب، لإقرارها ما يؤهّل لبنان لعودة انتظامه ضمن القاطرة الدولية؟
تعدّدت مسبّبات إقرار موازنة 2022، لكن الموجبات كانت أكثر فاعلية، بدليل تغاضي “رحلة الإقرار” عن موجة الانتقادات النيابية التي سبقت جلسة المناقشة ورافقتها الى ما بعد إقرارها، إذ وُصفت بـ”موازنة الممكن أو “موازنة الأمر الواقع”، وحتى “موازنة لزوم ما لا يلزم”… وعلى وقع احتجاجات العسكريين المتقاعدين الذين اقتحموا الساحة الخارجية للبرلمان، انطلقت الموازنة بوعود وردية لإعفاءات وإضافات على الرواتب، متحدية الواقع الاقتصادي للبلاد، لأن أي زيادة للرواتب، وعلى غرار سلسلة الرتب والرواتب التي فجّرت الأزمة المالية، ستفضي حتماً الى مزيد من طبع العملة الوطنية، وتالياً ارتفاع التضخم في موازاة انخفاض القدرة الشرائية للبنانيين. وهذه حلقة جهنمية ستدخل لبنان في مسلسل تداعيات كارثية، لمصلحة تعزيز الاقتصاد الموازي الذي يتمثل بالتهرّب الضريبي والتهريب عبر الحدود.
وفي قراءة سريعة لموازنة 2022، تقول المحللة الاقتصادية فيوليت غزال البلعة، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، إنه يجب الإقرار بوجود إيجابيات قد لا توازي سلبيات إقرار قانون الموازنة، لكنها تمهّد خطوات مستقبلية للبنان قد تضعه على طريق الألف ميل في مسيرة الإنقاذ.
وتشير في السياق، الى أن الجميع يعلم بعدم فاعلية إقرار موازنة بعد تأخير لنحو عام كامل على استحقاقها الدستوري، اذ كان يفترض بمجلس النواب ان يناقش اليوم مشروع موازنة 2023. لكن السلطة السياسية بدت وكأنها تجيب على دعوات صندوق النقد المتتالية، بإقرار باكورة القوانين التي يتطلبها توقيع الاتفاق النهائي مع الصندوق، بما يستلزم لاحقاً وقريباً جداً، إقرار قانونَي الـ”كابيتال كونترول” و”السرية المصرفية”، فضلاً عن إصلاحات أخرى، وفي مقدّمها توحيد أسعار الصرف، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإصلاح قطاع الطاقة.
وعلى رغم خروج قانون الموازنة بأمان من ساحة النجمة، فإن ثمة سؤال يطرح نفسه، تضيف البلعة، ويتعلق بما إذا ما كان رئيس الجمهورية سيوقع على القانون بعد إحالته إليه، أم سيردّه على غرار مصير قانون رفع السرية المصرفية. وتقول انه في حال ردّه من قبل الرئيس عون، فهذا يعني ترحيل الموازنة إلى فترة ما بعد مهلة الأيام العشرة الأخيرة من ولايته، ويكون خلالها المجلس النيابي تحوّل حكماً إلى هيئة ناخبة لا يمكنه التشريع.
وفي تفنيد لقانون الموازنة، تتوقف عند موجبات الخطوة الاولى”الاصلاحية” في الشكل، لترى انها أقرّت متأخرة لعام كامل، إضافة الى تغييب أي إشارة إلى أي عمل إصلاحي جدي، مثل توحيد سعر الصرف، وإصلاح الكهرباء، وتحفيز النشاط الاقتصادي، واتخاذ إجراءات لضمان استقرار الأمن الاجتماعي مع وقوع نحو 80% في دائرة الفقر، وتعظيم خانة الايرادات، ومنح إعفاءات ضريبية، وزيادات للقطاع العام، بما يخشى معها تكرار تجربة سلسلة الرتب والرواتب. وهذا ما يؤكد خضوع قانون الموازنة لحاجة العجلة.
وبالأرقام، تشير الى أن أرقام موازنة 2022 تساوي وفق سعر الصرف الفعلي، نحو 1.07 مليار دولار موزَّعة على ناتج محلي إجمالي مقدَّر بحسب صندوق النقد بنحو 14.1 مليار دولار، ما يعني أنها تساوي 7.6% مقابل 31.9% لموازنة 2019.
وترى أن الحلقة الأضعف هي تمويل العجز المقدَّر بنحو 11 ألف مليار ليرة، انطلاقاً من تقدير النفقات بنحو 40.873 مليار ليرة والايرادات بنحو 29.986 مليار ليرة. وتشير الى ان ميقاتي تحدث عن واردات جديدة بقيمة 6 آلاف مليار، ما يخفض العجز إلى ما دون 10 آلاف مليار، وأكد “ممنوع الاستدانة من مصرف لبنان بحسب الاتفاق مع صندوق النقد”. فهل فعلاً، سيموّل صندوق النقد عجز الموازنة “في حال وقّع الاتفاق النهائي”، كما قال ميقاتي؟ ومَن يضمن عدم دخول لبنان في حلقات ضاغطة من التضخم طالما ان تحقيق الواردات من الداخل يبقى وهماً؟
وتضيف، ان الضرائب والرسوم المقدرة بنحو 12 ألف مليار ليرة، ستقع على كاهل مؤسسات القطاع الخاص التي تعمل بصعوبة في اقتصاد منكمش، كما على كاهل المواطنين الذين تدنّت قدراتهم الشرائية نتيجة تراجع الليرة بنحو 95%. وترى ان التخبّط الحكومي ظهر في بند “الدولار الجمركي” الذي ترك لربع الساعة الأخير قبل تحديد على سعر 15 ألف ليرة، بما يخالف مطلب صندوق النقد الذي حدّده بـ20 ألفاً.
وفي شأن زيادة رواتب موظفي القطاع العام من المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين وكافة الأجَراء في الدولة بنسبة الضعفين على أساس الراتب، تقول البلعة انه سيدخل لبنان في حلقات تضخمية كتل كالتي رافقت إقرار سلسلة الرتب والرواتب العام 2013 من قبل حكومة كان يرأسها أيضاً نجيب ميقاتي. وتؤكد ان تلك الزيادة ستتآكل نتيجة ارتفاع التضخم، اذ ستضطر الخزينة حينها لتغطية الفارق من طباعة الاموال في مصرف لبنان بما يرفع التضخم ويخفض القدرة الشرائية، فتبرز الحاجة مجدداً الى رفع الرواتب والاجور، وخصوصاً ان القانون حدد سقفاً للزيادة بحيث لا تقل عن 5 ملايين ليرة ولا تزيد عن 12 مليوناً، ولا تُحتسب في تعويضات نهاية الخدمة أو المعاش التقاعدي.
وإلى بند الرواتب والأجور، تشير إلى أن معظم نفقات الموازنة هي تشغيلية، إذ هي مخصّصة لتمويل خدمة الديون للمصارف، في تغييب كلي لديون لبنان السيادية (سندات الأوروبوند) التي تم تجاهلها على غرار تجاهل بند دعم استهلاك الكهرباء الذي كان يَرِد في الموازنات السابقة.
وإذ ترى أن إقرار موازنة 2022 استهدف تلميع صورة السلطة السياسية أمام مجتمع المانحين الدوليين بعدما وعدوا بتنفيذ مندرجات مؤتمر “سيدر”، أي الإفراج عن الـ11 مليار دولار الموعودة منذ العام 2018، تشدّد البلعة على أنه مع إقرار موازنة 2022، يُفترض بالحكومة الانكباب على إعداد مشروع موازنة 2023 على نحو يَكفل تضمينها البنود الإصلاحية كاملة، فضلاً عن تعديل خطة التعافي الخالية من أرقام محدَّدة وجداول زمنيّة تجعلها منطقية من منظور الرأي العام المحلي والدولي.