تهدد الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية التي تعصف بلبنان، وجوده وكيانه الذي تأسس منذ قرون. فهذه البقعة الصغيرة من الأرض التي اعتادت على الازدهار على الرغم من كل ما مرّ عليها، تقف اليوم أمام منعطف خطير يُهدّدها بالزوال، لناحية هويتها التاريخية وتكوينها الجوهري.
ويُحكى في الأروقة السياسية، وبجدية، عن تغيير خطير لوجه لبنان يُحاك منذ سنوات من قبل المنظومة الحاكمة، عن طريق إدخاله بالأزمات والحروب العابرة للدول، وترك الأمور تتفلّت لاقتياده بالقوة نحو نظام تأسيسي جديد بعيد عن الوجه الحقيقي له، يُشبه مشروع هذه المنظومة. وهذا ما بدأ يتّضح يوماً بعد يوم من خلال تصاريح أركانها عن نظام جديد، أو دولة لا طائفية، وغيرها.
في هذا المجال، يؤكد المحلل السياسي الياس الزغبي، “ألا شك أن الأزمة اللبنانية المتراكمة ذات أبعاد غير وطنية، تكشّفت تباعاً في السنوات الأخيرة. ولم يعد أمراً بريئاً أن تعمل الطبقة السياسية الحاكمة على دفع لبنان، عن سابق تصور وتصميم، نحو حالة خراب شامل بمؤسساته وحيوياته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بهدف بلوغ مرحلة تيئيسية تؤدي إلى أحد أمرين:
إما نزوح واسع جداً للطاقات اللبنانية الحيوية، عبر التهجير والهجرة. أو بهدم كل ما هو قائم لتأسيس مشروع على أرض محروقة وحالة فراغ، بما سمّوه أحياناً مؤتمراً تأسيسياً أو تغيير النظام اللبناني.
ويقول الزغبي، في حديث عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إن “هذا المخطط يتم تنفيذه بإصرار كبير بعد تزويج إرادتي الشرّ، وهما السلاح والفساد. لذلك، يمكن أن نعاين بوضوح حلفاً محسوماً بين هذين الشرّين، بقيادة عسكرية من حزب الله تحت مظلة المشروع الإيراني الأوسع، وبتنفيذ سياسي من أدوات هذا الحزب في الطوائف الأخرى وفي المواقع الدستورية، من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة وبعض الأكثريات المركبة في مجلس النواب”.
ويضيف، “لا شك أن الغاية القصوى من هذا الحلف التخريبي هي نسف أسس البناء اللبناني، لتشييد بناء بديل لا يمت بصلة إلى تاريخ لبنان ورسالته ودوره وانتماءيه العربي والعالمي”، لافتاً إلى أنه “مع وضوح هذا المخطط، تقف حالات وعي وطني غير ضعيفة ولا مترددة، عبّرت عن إرادتها في غير مناسبة، وكان آخرها الانتخابات النيابية قبل 5 أشهر”.
ويشدد الزغبي، على أن “حالة المعارضة للمخطط الخطير قائمة وهي في طريق النمو أكثر فأكثر، من خلال التنسيق القائم بين القوى السيادية والقوى المستقلة والتغييرية. وهذا الأمر سيتبلور أكثر في الأسابيع القليلة الطالعة قبل الاستحقاق الرئاسي. وأعطى هذا التنسيق الإيجابي نموذجاً أول، من خلال تكوين ما يُعرف بالثلث المعطل في مجلس النواب خلال جلسة إقرار الموازنة الأخيرة”.
ويرى، أن “هذا الثلث يؤسس، إذا ما أدير بشكل جيد، لاستعادة الأكثرية التي نتجت عن الانتخابات وتمتين أواصرها وجمع أرقامها، كي تتعدى الأكثرية، أي 65 نائباً”، معتبراً أن “هذا المشهد السياسي ينبئ بإعادة التوازن على الأقل، بين قوى السيادة من جهة، وبين قوى التبعية من جهة أخرى”.
ويؤكد الزغبي، أن “التوازن هو شرط لازم وضروري كمرحلة لا بد منها لإنقاذ لبنان من المخطط المرسوم، وعلى قاعدة هذا التوازن يمكن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يشكّل صفارة الانطلاق نحو التغيير، عبر إعادة إنتاج السلطة الإجرائية بحكومة تتمتع باستقلالية كافية وحسّ سياديّ كافٍ، لوضع برنامج النهوض، بما يسقط المشروع التدميري الذي عشّش في المؤسسات منذ سنوات ستّ على الأقل”.
ويشير، إلى أنه “خلافاً لكل اليأس المسيطر على آمال اللبنانيين، إن المشروع التدميري بدأ عملياً مرحلة انحداره. والدليل القاطع على بداية الانحدار هو الفارق النوعي والفعلي بين حزب الله العام 2016 وحزب الله العام 2022، إذ لم يعد قادراً على فرض رئيس للجمهورية من فريق الممانعة. وهو يناور الآن كي يكون الضرر أقلّ في حساباته، مع من يسميه رئيساً توافقياً”.
ويضيف، “لطالما تحدثنا في السنوات الثلاث الأخيرة عما سمّيناه (الشيعوية العسكرية السياسية)، التي يجسّدها حزب الله، وهي الآن في طريقها إلى التفكك، ليس فقط في لبنان بل أيضاً في المتروبول الإيراني نفسه الذي يعاني من مآزق داخلية صعبة، وكذلك في الدول العربية التي تغلغلت فيها كالعراق واليمن وسوريا.
ويوضح الزغبي، أنه “باختصار، لبنان دخل مرحلة تحديد مصيره الوطني والسياسي، في مواجهة مخطط السطو على قراره وشرعيته وارتباطه الوثيق بالعالم”، مؤكداً أن “هذه المواجهة لا بد أن تتكلّل بالنجاح لإعادة تثبيت الركائز الأساسية للبنان، الدولة والوطن والمجتمع والرسالة والدور والموقع الطبيعي، في بيئته العربية وفي سياقه الدولي”.