فعلاً، كانت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية، أمس الخميس، التي عقدها البرلمان اللبناني، دلالة على الاصطفاف الجديد، وما أفرزته الأشهر الماضية من تفاهمات، بعد مسار طويل من الأخذ والرد وانطلاق السباق الرئاسي.
جبهة المعارضة، بدت مختلفة هذه المرة عن جلسة انتخاب نائب رئيس مجلس النواب والهيئة الإدارية واللجان النيابية، إذ استطاع عدد كبير من أطرافها، القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والتقدمي الاشتراكي وكتلة التجدد، توحيد الصف والاتفاق على مرشح رئاسي نال العدد الأكبر من الأصوات، وهو النائب ميشال معوض ابن شهيد الطائف الرئيس رينيه معوض، فيما بقي التزعزع في صفوفها على خط النواب التغييريين الذين غردوا في جلسة اليوم خارج السرب، وسط دعوات لإعادة توحيد الصفوف وإيصال رئيس سيادي وإصلاحي.
على خط مكونات المنظومة الحاكمة، بدا الأمر مختلفاً. توحُّد ضعيف تمثَّل بورقة بيضاء، في حين كان يُنتظر من فريق بهذا الحجم وله مرشحيّن رئاسيين “طبيعيين”، أن يبلور رؤيته لرئاسة الجمهورية بعد وقت طويل على فتح باب الاستحقاق على مصراعيه.
لكن، تعذر ذلك على المنظومة، مع آمال الرئاسة المتمثلة بأكثر من قطب والتي عصي على مايسترو 8 آذار، حزب الله، السيطرة عليها، فطغت عليه أهواء حلفائه وفقد التحكم، وما كان أمامه إلا توحيد الصفوف بورقة “لا بتقدِّم ولا بتأخِّر”، إنما تُعطِّل العملية وتعطي أسهماً كبيرة للفراغ. وما انسحاب هذا الفريق المخطَّط له وتعطيل نصاب الدورة الثانية سوى تأكيد المؤكد على تضعضع صفوفه.
”هذه الجلسة تُظهر أن هناك إرادة للتعطيل لأن الورقة البيضاء مهينة بحق الديمقراطية”، وفق ما يرى المحلل السياسي علي حمادة، الذي يسأل عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، “كيف يمكن لفريق وازن كحزب الله وحلفائه التصويت بـ63 ورقة بيضاء؟ هم يلعبون لعبة الفراغ والتعطيل، والمؤسف أنه ليس لديهم مرشح علنيّ فيما نعرف أن لديهم مرشحَّين هما سليمان فرنجية وجبران باسيل. والسؤال هنا، “لماذا لا يجاهرون بأسماء المرشحين؟ هذا الأمر غير منطقي وغير مقبول، وهم يرفضون أن يلعبوا لعبة الديمقراطية”.
صحيح أن للمنظومة الحاكمة مرشحَّين، لكن لكل منهما رغباته الرئاسية، وأحد غير مستعد للتنازل للآخر. من هنا تبرز صعوبة إعلان مرشح، والهروب نحو ورقة بيضاء تخبِّئ خلفها كثيراً من السواد والخلافات والخيبات.
أمام هذه النظرية يتساءل حمادة، “إذاً، لماذا تُعقد هذه الجلسة، ويعقدها رئيس مجلس النواب نبيه بري وكتلته تصوِّت بورقة بيضاء؟ ما الهدف من النزول إلى مجلس النواب، من أجل جلسة صورية تمثيلية كهذه؟”.
”بالنسبة للرئيس بري، الجلسة لتبيان أن عدم التوافق لا يوصل رئيساً”، يجيب حمادة، مؤكداً أن “لا علاقة للتوافق بما حصل، فبالنسبة إلى بري ليس هناك من توافق، أما عند الآخرين تم التوافق بشكل أو بآخر على معوض بنسبة 36 صوتاً”.
ويعتبر حمادة، أن “التغييريين يلعبون في ملعب آخر، ولم نعد نفهم ما يريدون”. ويختصر ما حدث في الجلسة، بأنه “عبارة عن مسرحية تشعرنا أننا ذاهبون إلى فراغ بديل، لأن الورقة البيضاء بمثابة التعطيل”.
وعلى ضوء ما جرى، يبدو أن مساراً طويلاً، محفوفاً بمخاطر تعطيلية تزيد على مخاطرنا الاقتصادية والاجتماعية، قد بدأ، والأقوى من سيتمكن من نزع الأكثرية. بالتالي، المعركة تنتقل إلى توحيد الصفوف، فأي فريق بلا صفٍّ موحَّد لن يتمكن من إيصال رئيس للجمهورية، والفراغ هو المنتصر الأكبر على كل الجبهات حتى اللحظة.
هو فراغ سيكلِّفنا غالياً إذ نعيش في بلد مشلول، انهياراته كبيرة، وشعبه على أبواب السفارات يشحذ فيزا تخلِّصه من حكامه الجائرين، وتجعله غريباً في بلدان العالم. ويبقى الأمل أن يقدّر النواب التغييريون صعوبة وحساسية الموقف، وينضموا إلى لواء المعارضة الفعلية، للتمكن من البدء بتغيير واقع اللبنانيين الذين أعطوهم ثقتهم.