” الرزق السايب بعلّم الناس الحرام”، مقولة أصبحت عرفاً في لبنان، بل طريقاً للبحث عن “الرزق”، لتشكّل لاحقاً إرثاً من عمليات “السطو الممنهجة”، التي “تدوم وتدوم وتدوم” في “دولتنا السائبة”.
وفي حين تتخبّط الحكومات المتعاقبة بحثاً عن إيرادات للخزينة، يتم تجاهل الأملاك البحرية التي تستطيع الدولة من خلالها استرداد ملايين الدولارات المنهوبة والمهدورة على يد بعض “المحظيين”. فبعد انتهاء المهلة المعطاة لمعالجة التعديات على هذا الملك العام في آخر تشرين الأول العام 2019، مدَّدت المراجع الرسمية المهلة مجدداً على مراحل عدة، آخرها في إقرار موازنة العام 2022 التي منحت المعتدين مهلة جديدة لتأبيد اعتدائهم.
وبدت لافتة، اللغة التحذيرية التي اعتمدها وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال، علي حمية، لإعادة تحريك هذا الملف، وتلميحه إلى إمكانية رفع سعر المتر المربّع في الأملاك العامة البحرية بهدف زيادة إيرادات الدولة ممّا تتقاضاه جرّاء إشغالها، ملوِّحاً أنه “بموجب القانون أصبح الدفع إلزامياً، والأملاك التي ستختم بالشمع الأحمر لعدم الدفع ستُطرح في المزادات العلنية”.
إنما بين الإعفاء والتمديد والتهديد والتحفيز على الدفع، تُطرح تساؤلات عدة حول عدد المخالفات الممتدة من شمال لبنان حتى جنوبه، ناهيك عن الأرباح التي كانت لتجنيها خزينة الدولة، بالإضافة إلى وجوب توحيد القرار والتصرّف بحزم لكفِّ يد المعتدين عن ثروات الدولة.
وفي السياق، يشير عضو كتلة الجمهورية القوية النائب رازي الحاج، إلى أنه “لا يتم مقاربة موضوع الأملاك البحرية أبداً بشكل جدي وحازم، لأن هيبة الدولة غائبة عن هذا الملف، وأغلبية الشاغلين لهذه الأملاك من النافذين والسياسيين ولديهم إمكانية فرض مسار معين للأمور”.
ويوضح الحاج، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “المعتدين على الأملاك البحرية يقسمون إلى فئتين: الأولى، ممَّن يملكون عقارات وأملاكاً خاصة ويشكّل التعدي في هذه الحالة امتداداً لمنشآتهم. والثانية، من الذين غالباً ما يكونون من أصحاب النفوذ ولا يملكون عقارات متاخمة للأملاك البحرية المعتدى عليها، فيشيّدون الأبنية والعقارات على الأملاك العامة”.
وعن تصريح وزير الأشغال وتهديده بإقفال المؤسسات بالشمع الأحمر، بحال عدم الدفع، يعتبر الحاج أن “ما تقوم به الوزارة في هذا الوقت الفاصل والضيّق، يندرج في إطار تحفيز أصحاب المؤسسات المتعدّية على الدفع”، مشيراً إلى أن “هدم المنشآت لا يُقرّ من وزارة الأشغال إنما يحتاج إلى قرارات قضائية، مع وجوب تنفيذها، والتهديد بالإقفال بالشمع الأحمر هو فقط للتحفيز. بينما نلاحظ في المقابل أن أن “الحكومة تقوم دائماً بتمديد مهل الدفع، وتقدِّم للمعتدين إعفاءات ولا تتصرف معهم بحزم”.
ويؤكد، على أن “المواضيع المرتبطة بالأملاك البحرية تحتاج إلى مخطط توجيهي، (ومش كل حدا عبالو يعمِّر شي ع أملاك الدولة يقدر يعمِّر)، لأن الشاطئ اللبناني كبير ويمكننا الاستفادة منه إذا وضعنا مخططاً مشابهاً، خصوصاً على السواحل التي أصبحت مناطق صناعية، مثل ساحل المتن الذي تحوّل إلى شاطئ صناعي وملوّث. على أن يكون من ضمن هذا المخطط، تصنيف للمناطق، لإعادة انتظام المؤسسات السياحية داخل هذا التصنيف العام أو المخطط التوجيهي العام”.
ويرى الحاج، أن “التناقض في مقاربة ملف الأملاك البحرية يظهر عدم جدية الدولة. فالموازنة تعطي إعفاءات، بينما وزير الأشغال يقول ادفعوا الرسوم أو نختمها بالشمع الأحمر”، مشدداً على “وجوب أن يكون هناك قرار سياسي حازم وموحَّد يسمح للسلطات القضائية والأمنية بتنفيذ القرارات المتخذة، أكان بالهدم أو من خلال تسطير المخالفات وغيرها، بعيداً من ارتجال المواقف وإدخال بنود في الموازنة لمحاولة تصحيح أوضاع لا تُصلح بقرار واحد، إنما بمقاربة ومخطط عملي وتوجيهي مفصّل”.
وتؤكد دراسة أعدتها “الدولية للمعلومات”، بأن “مجموع المنشآت التي تشغل الأملاك البحرية يبلغ 1060 مؤسسة، فيما مساحة الإشغالات منها تبلغ 4 ملايين و890 ألف متر مربع، من بينها 2.36 مليون متر مربع مرخص تشغلها 73 مؤسسة، مقابل 2.53 مليون غير مرخصة وتشغلها 987 مؤسسة، أي نحو 7% منها مرخصة و93% غير مرخصة. فيما تبلغ الإيرادات السنوية لإشغال الأملاك البحرية بين 15 و27 مليار ليرة لبنانية، أي حوالي 800 ألف دولار على سعر صرف السوق السوداء الحالي بحال دفع كل الشاغلين المرخص وغير المرخص لهم”.