يخطو لبنان نحو توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بخطوات ثابتة، عبر وساطة أميركية، بانتظار اللمسات الأخيرة من قبل الطرفين قبل وضعها على طاولة الناقورة، وبعدها ينتقل إلى مرحلة التنقيب والاستخراج والاستفادة من الغاز، في ظل أزمة اقتصادية حادة يُمكن لهذه الثروة النفطية أن تنتشله من القعر وتعيده إلى سكة التعافي.
وفي الوقت الذي وحّد فيه لبنان موقفه من الاتفاق، مرسِلاً ملاحظاته عبر السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الوسيط الأميركي المفاوض في المسألة آموس هوكشتاين، ينقسم الإسرائيليون في ما بينهم، وسط تضارب في التصاريح بين رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد المُرحِّب باتفاق الترسيم، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو الطامح للعودة إلى رئاسة الوزراء، الذي اعتبره تنازلاً عن الحقوق. أما وزير الدفاع بيني غانتس، فرأى أن الاتفاق يقلل اعتماد لبنان على إيران ونفوذها.
وبين الانتظار والتصاريح المتباينة، يبقى الشق التقني النقطة الأهم، الذي يفرض على لبنان القيام بإجراءات تضعه على سكة استدراج العروض واكتشاف الجيوب النفطية في حقل قانا، خصوصاً أن شركة توتال الفرنسية دخلت على خطّ ملف الترسيم والذي شملها العرض الأميركي المُرسَل من قبل هوكشتاين عبر السماح لها بمعاودة التنقيب والاستخراج مقابل توفير الضمانات لها، ولا سيما الأمنية منها. علماً أن شركة “نوفاتيك” الروسية التي تملك نسبة 20 في المائة انسحبت مع انتهاء التمديد الأول أي في 22 تشرين الأول الحالي، لصالح الدولة اللبنانية التي ستحلّ مكانها، وتحصل على الـ20%.
المستشار في الشؤون النفطية الخبير ربيع ياغي يعتبر أن “ما حصل عملياً هو تسوية وليس اتفاق، وعلى لبنان إيداعها لدى الأمم المتحدة بعد توقيعها من قبل 3 أطراف؛ الإسرائيلي، واللبناني، والأميركي الذي هو الوسيط والشاهد على التسوية التي استرد لبنان من خلالها جزءاً من الأراضي التي كانت إسرائيل متمددة فيها باتجاه الشمال الإسرائيلي بحراً، والتي تبلغ مساحتها 860 كلم مربع”.
ويضيف ياغي، في حديث عبر موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أن “خط 23 الذي تم تثبيته هو الخط الفعلي، وكانت إسرائيل ملتزمة به لغاية العام 2010، قبل توقيع الاتفاقية البحرية بينها وبين قبرص. ونتيجة هذا الاتفاق، والاتفاق اللبناني القبرصي غير المبرم، ونتيجة سوء الإدارة اللبنانية ما بين العامين 2006 ـ2007، وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم”.
ويلفت إلى أن “لبنان وعبر الوساطة الأميركية الجادة والعادلة أخذ حقوقه، لذلك عليه اليوم القيام بخطوة تالية، وهي المباشرة اليوم قبل الغد باستدراج العروض لغرض الاستكشاف والتنقيب والاستخراج والإنتاج للحقول الغازية كاملةً، وليس فقط البلوك 1 و2، لدينا 10 بلوكات، تم تلزيم إثنين منها، ويجب تلزيم ما تبقى لغرض استدراج العروض”.
ويتابع، “واليوم عندما يكون لدينا حدود بحرية واضحة، نستقطب شركات للاستثمار بالغاز، كما فعلت إسرائيل وقبرص، ونحن قادرون على القيام بهذا الأمر في حال توفُّر الإدارة الرشيدة لإدارة هذا القطاع الاستراتيجي المهم”.
ويجزم ياغي، بأنه لا يمكن تحديد الثروة النفطية والأرباح التي ستنتج عن الحقول النفطية، مؤكداً أن كل الكلام حول الأرباح غير واقعي وهو مجرد تكهنات غير دقيقة، معتبراً أن حقل قانا وهمي لأنه ليس لدينا اكتشافات غازية ونفطية بعد كي نسمي المنطقة بـ”الحقل”، وعندما يتم اكتشاف الآبار القادرة على الإنتاج عندها يمكن القول إن لدينا حقلاً، كما أنّ لا أحد يعلم أين هي حدود حقل قانا، وما إذا كان يحتوي على النفط والغاز، ولبنان يعمل على الطريقة الدونكيشوتية.
ويوضح، “كأي بلدين في العالم متجاورين بحراً، يمكن أن يكون بين المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وبين المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لإسرائيل، جيوب نفطية مشتركة لا تظهر إلا من خلال عمليات الاستكشاف والتنقيب والحفر، وإذا وُجدت، وبحسب العرف الدولي، والمساحة الجغرافية وكمية النفط الموجودة فيه، يحصل كل بلد على نسبة مئوية. على سبيل المثال، إذا تحوّل حقل قانا إلى نفطي، يحصل لبنان على 70% من الإنتاج والباقي لإسرائيل، وإذا قامت الأخيرة بأعمال تنقيب على حدودنا البحرية المشتركة، يحصل لبنان على نسبة مئوية أيضاً”.
ويرى أن الحديث عن أن أي شركة ستقوم بالتنقيب ستدفع من جيبها الخاص هو كلام في الهواء، ما يعني أن “توتال” ستتكفل بالنفقات وبعدها تقوم بخصم المبلغ من الكلفة قبل توزيع الأرباح الناتجة عن الإنتاج. وإذا اكتملت الاكتشافات، عندئذ يحتاج لبنان إلى 7 أعوام ليصبح من الدول المنتجة للنفط أو الغاز، أي استخراج وبيعه، إلا إذا أرادت السلطة تقاسُم المغانم على الورق قبل القيام بالاكتشافات والإنتاج.