لم تأتِ دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، الخميس المقبل 13 تشرين الأول الساعة 11 صباحاً، معزولة في الزمان والمكان، أو منفصلة عن كل ما يحيط بالساحة السياسية على مستوى الملفات والاستحقاقات العالقة أو المعطَّلة، أو المقبلة على تعطيل يتوقّعه معظم اللاعبين السياسيين.
وإن كان لا صُدف “بريئة” في السياسة، في المبدأ وعلى الرغم من حصولها، فمع بري صاحب التجربة المديدة في اللعبة السياسية والبرلمانية، يصبح من الممكن القول إن توجيه الدعوة الثانية لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، هو في مكان ما محاولة “تبرئة ذمّة” من المماطلة.
ولعلَّ أيضاً، الدعوة غير معزولة عمّا عداها، خصوصاً بالنسبة لتعثر تشكيل الحكومة، وعودة الأمور إلى النقطة صفر تقريباً بعد الترويج لتفاؤل تبيَّن أنه لم يكن في محلّه، وأصابع الاتهام تُوجَّه في هذا السياق لطمع رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، خصوصاً النائب جبران باسيل، الزائد عن المعقول.
ويرى المحلل السياسي علي حمادة، أن “قيام بري بتوجيه دعوة ثانية لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، تأتي أولاً ردّاً على الاتهامات، الصحيحة في مكان ما، التي تُوجَّه إليه، عن أنه يناور ويحاول أن يكسب الوقت في ما يتعلَّق بهذه المسألة. لأنه حتى الآن، لم يتمكن من إحداث اختراق جوهري يمكن أن يوصل مرشحه، الذي هو مرشح الثنائي الشيعي عملياً، إلى رئاسة الجمهورية، أي النائب السابق سليمان فرنجية”.
والسبب الثاني وفق حمادة، أن “المحاولة الأخيرة لتشكيل الحكومة فشلت. بالتالي لم يعد هناك عذر لعدم دعوة مجلس النواب للانعقاد، حتى ولو لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، لافتاً إلى أن “رئيس المجلس النيابي يتعرّض للكثير من الانتقادات، لأنه يمسك بمفتاح البرلمان بشكل استنسابي، وهذا ليس من حقِّه. هو رئيس مجلس النواب لكنه ليس حاكم مجلس النواب، وهناك فارق”.
ويشدد حمادة، على أن “الواجبات الأولى للمجلس النيابي الآن انتخاب رئيس للجمهورية، ورئيس مجلس النواب متلكِّئ في المساهمة وتعبيد الطريق أمام المجلس النيابي لانتخاب الرئيس. بدليل أنه خلال نحو شهر ونصف الشهر من بدء المهلة الدستورية، لم يدعُ بري البرلمان للانعقاد إلا مرة واحدة، والآن المرة الثانية”.
ويعتبر، أن “هذا أمر لا يجوز، ويجب أن يدعو بري المجلس النيابي كل يوم، وأن يحثَّ النواب يومياً على انتخاب الرئيس، لا أن يترك الساحة تتخبَّط سياسياً ونيابياً. وهذه نقطة مهمة، لا سيما أن هناك توافقاً في البلد على أن عون يجب أن يغادر القصر الجمهوري قبل منتصف ليل 31 تشرين الأول الحالي. بالإضافة إلى أن هناك إجماعاً محلياً دولياً عربياً إقليمياً، يمنع عون من القيام بتمرد على الدستور والشرعية، بالتالي يرجَّح بأنه سيترك قصر بعبدا بحدٍّ أدنى من الإشكالات”.
وبرأي حمادة، أنه “إزاء هذا الواقع، عون يفضِّل تشكيل حكومة جديدة، وله مصلحة في ذلك قبل مغادرة القصر، لأنه يعلِّل النفس بإمكانية انتزاع حصّة وزارية شخصية له، باعتباره رئيساً للجمهورية ويمتلك حق التوقيع، بما يؤمِّن استمراريته في السلطة من خلال هؤلاء الوزراء”، لافتاً إلى أنه “من دون رغبات وتمنيات وطموحات عون، واقع أن الحكومة الجديدة، في غالب الظن، لن تُبصر النور في هذه المرحلة”.
ويضيف، “ليس هناك حتى الآن ملامح واضحة لما ستؤول إليه جلسة انتخاب الرئيس الثانية، الخميس المقبل. لكن هناك حراك سياسي جدّي، من كل الأطراف، من أجل بلورة تفاهمات تؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية”، مؤكداً أنه “بهذا المعنى، رئيس جمهورية لحزب الله، لن يحصل. في المقابل، رئيس جمهورية سيادي 100%، سيتعرَّض لفيتو من حزب الله وحركة أمل وحلفائهما وسيمنعون وصوله بكل الوسائل”.
ويرى حمادة، أنه على ضوء ذلك “العبرة هي في التوصل إلى تفاهم معقول يحول دون دخول البلد، أولاً في فراغ رئاسي مع حكومة تصريف أعمال، وكذلك دون حصول مشاكل وأزمة سياسية يمكن أن تنعكس في الشارع بين الأفرقاء. مع التشديد على أن كل الكلام الذي يحكى عن أن حكومة تصريف الأعمال، لا تستطيع أن تبقى في حال حصول الشغور أو الفراغ الرئاسي، عبارة عن وجهات نظر وقراءات خاصة للدستور”.
ويوضح، أن “الحكومة القائمة تبقى وتمارس الحدّ الأدنى من الصلاحيات. فأساساً صلاحياتها هي في حدِّها الأدنى، وتبقى وتمارس الحدّ الأدنى من الصلاحيات حُكماً وتؤمِّن استمرارية المرفق العام، لأنه لا يمكن تفريغ البلد بالكامل”.
ويلفت حمادة، إلى أنه “على ما يبدو هناك توافق شبه عام، بحيث أن معظم القوى السياسية، ما عدا ربما حزب الله من دون تأكيد، تعتقد أنه لم يعد يحق للرئيس عون، وهو على مسافة 24 يوماً من انتهاء ولايته، بأن يكون له حصّة وزارية كرئيس جمهورية”.
ويضيف، “منطق هذا الرأي يقول، إنه من غير المعقول أن يكون لعون حصّة في الحكومة الجديدة التي يحكى عنها، فيما هو لم يعد رئيساً تقريباً، لأن ذلك يضرب التوازنات، المسيحية وغيرها، في البلد. بالتالي لن يعطى عون حصة وزارية وهو على قاب قوسين من نهاية عهده”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية