كتب السفير د. هشام حمدان في “المسيرة” – العدد 1733
إنطلق مع بداية شهر أيلول الجاري، السباق إلى رئاسة الجمهوريّة. ودخل لبنان في هذا الإستحقاق الكبير الذي يعتبر من دون شك، أهمّ الإستحقاقات الدستورية في البلاد. فوفقا للمادة 49 من الدستور، إنّ رئيس الجمهورية، هو رئيس الدّولة، ورمز وحدة الوطن. يسهر على إحترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان، ووحدته، وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور، يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوّات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء.
السهر على احترام الدستور، يعني أن يكون رئيس الجمهورية قبل كل شيء، مؤمناً بالدستور. كيف يمكن أن ينجح رئيس جمهورية، لا يؤمن بالدستور؟ وهل قسمه أمام مجلس النواب، هو بطاقة تبرئة له من أية مواقف سابقة، وحروب خاضها في معارضته للدستور؟ لقد أقسم الرئيس ميشال عون، ألمنتهية ولايته، اليمين على احترام الدستور. لكنّه كان دائما معارضا له إيديولوجيا. وعليه، برزت في ممارساته هذه التناقضات بين موجبه الوظيفي، والتزامه الإيديولوجي. الرئيس ميشال عون حظي بحمايةٍ لدوره من قوى الأمر الواقع التي هي أيضا، تعارض الدستور إيديولوجيا. وعليه عانى لبنان وشعبه ما عانوه.
والسهر على احترام الدستور، يعني أنّ على رئيس الجمهورية السهر على جعل لبنان وعلى إبقائه: «وطن سيد حرّ مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسّسات، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور، والمعترف بها دوليّاً (مقدمة الدستور).»
كيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يستهين بمبدأ السيادة والحرية والإستقلال، ويسمح بالتوسّع في الإجتهاد حوله؟ هل السيادة تتعلق فقط بمواجهة «العدوان الإسرائيلي»؟ ماذا عن تدخّل الدول الأخرى في شؤونه الدّاخلية، والتي تتناقض مع المفهوم الأساسي لميثاق منظّمة الأمم المتّحدة، التي شارك لبنان في تأسيسها؟
ثمّ، كيف يمكن لرئيس الجمهورية الذي أقسم اليمين، أن يفاوض أو يقبل أن يفاوض، على الحدود المنصوص عليها في الدستور، والمعترف بها دوليا؟ هذا ما قام به الرئيس عون. لقد تمّ تحديد حدود لبنان، والإعتراف دوليا بحدوده، منذ عام 1923. وتمّ التأكيد على هذه الحدود، وترسيمها بدقة مع إسرائيل منذ عام 1949، حيت تمّ في حينه توقيع إتفاق الهدنة الذي ما زال قائما، وما زال ملزما للبنان وإسرائيل والأمم المتّحدة في آن معًا.
كيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يتجاهل في ترسيم الحدود البحرية، الموقع الذي انتهت إليه الحدود البرية وفقا لاتفاق الهدنة؟ فالترسيم البحري يبدأ من النقطة الحدودية. وكيف يمكن له أن يقبل إطارا للتفاوض بشأن الحدود الوطنية خارج أيّة قاعدة قانونية؟ فالخط الأزرق خط أمني، وليس حدودا معترفا بها دوليّا. وتفاهم نيسان لعام 1996، هو تفاهم أمني، تمّ مع قوى الأمر الواقع في الجنوب (المقاومة حينها)، وليس اتفاقا مع الدّولة اللبنانية، ولا يحل محل إتفاق الهدنة، أو أيّة قرارات دوليّة ملزمة للبنان.
إنّ تجاهل الرئيس عون لإتفاق الهدنة، ليس فقط انتهاكا للمادة 50 من الدستور، وقسمه بالحفاظ على سلامة الأراضي الوطنية، بل أيضا إنتهاك لموجبات لبنان، وفقا للفقرة ب من مقدّمة الدستور التي تنص على أنّ لبنان هو عضو مؤسّس وعامل في منظّمة الأمم المتّحدة، وملتزم مواثيقها، وملتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن الدولة تجسّد هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء.
هل يجوز للرئيس أن يتجاهل موجباته الدّستورية والدّولية، بتأييد ميليشيات مسلّحة غير شرعيّة، بحجة أنها تحمي لبنان من مطامع إسرائيل؟ إن تجاهل رئيس الجمهورية لإتفاق الهدنة، لا ينتهك فقط واجبه الدستوري والدّولي في الحفاظ على حدود لبنان المعترف بها دوليا، وعلى سلامة أراضيه، بل يشكل خيانة عظمى، لأنّه يخدم قوى خارجية، إذ تجعل حدوده سائبة، خاضعة من جديد إلى مساومات خارجية. فمن جهة، فإن التراجع وتجاهل اتفاق الهدنة، يساعد إسرائيل عندما تأتيها الفرصة، على تحقيق مطامعها وأحلامها التوسّعيّة. كما يمنح خصومها القدرة على ابتزازها، على حساب لبنان وشعبه، كما يحصل بشان ترسيم الحدود البحرية حاليا.
وقد نصّت المادّة 50 من الدستور،على أن يقسم الرئيس على احترام دستور الأمّة اللبنانية وقوانينها، وعلى حفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه. أي نص دستوري، أو قانون في لبنان، يسمح بقيام ميليشيا مسلّحة خارج الدولة، ترتبط علنا وصراحة بدولة خارجية، وتمارس حريّة قرار الحرب والسلم في البلاد، وحريّة تدريب مواطنين، ونشر مسلحين، وإقامة تمديدات أمنيّة ولوجستية خاصّة بها، وإقامة معامل أسلحة وصواريخ على أراضيه، وتحمي مرافق مدنية لأغراض حربيّة، وتضع يدها على معابره، وتحمي الخارجين على القانون؟ قد لا يمكن للرئيس مواجهة هذا الواقع. لكن لا يجوز له أن يمنح ذلك الواقع المشروعية والحماية. الرئيس ميشال سليمان، لم يتمكن من تحقيق موجباته. فأعلن صراحة الأمر وأعلن عن مكامن الخلل.
ومن المطلوب من رئيس الجمهورية إستكمال تطبيق الدستور. ثمة أحكام عديدة لم يتمّ تطبيقها، بل تمّ التحايل عليها لخدمة قوى الأمر الواقع، من دول خارجية او ميليشيات محلية. وبالتالي، فقد تمّ منع تطبيق إتفاق الطائف الذي رعاه المجتمع الدولي، والذي تمّ توقيعه في مدينة الطائف السعودية عام 1990، بغية وضع حدّ للحرب الاهلية اللبنانية. لقد تمّ تعديل الدستور اللبناني بناء على هذا الاتفاق. لكن عدم استكمال تنفيذه، يعني وبكل اختصار، أنّ لبنان ما زال في حالة الحرب التي بدأت عام 1975. وكان لبنان قد شهد حربا أهلية طاحنة لمدة خمسة عشر عامًا من 1975 إلى 1990، قتل فيها مئات الآلاف. كما غزته اسرائيل خلال تلك الفترة، إذ وصلت القوات الاسرائيلية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، قبل أن تنسحب وتحتلّ جنوب لبنان حتّى عام 2000. لقد تجاهل الرئيس عون موجب إستكمال تطبيق الدستور، ممّا انعكس سلبًا على مسيرة الحياة العامة في البلاد، وكرّس سلطة الميليشيات وأمراء الحرب فيه.
شهد لبنان منذ توقيع إتفاقية الطائف في العام 1989 وحتى اليوم، تشكيل 20 حكومة، بعضها شكّلها الرئيس المكلّف خلال أيام، وبعضها الآخر استغرق نحو سنة. فإبّان الوصاية السورية للبنان (1989-2005)، تمّ تشكيل 11 حكومة، كان متوسّط الفترة التي استغرقها التشكيل نحو 6 أيام. أمّا بعد الخروج السوري من لبنان (2005-2022)، فقد تمّ تشكيل 9 حكومات كان متوسّط فترة التشكيل 115 يوماً.
ويتذكّر اللبنانيون، أن انتخاب الرئيس عون، تم بولادة قيصيرية. فقد عقد مجلس النواب منذ أيار 2014 وحتى 2016، 45 جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، خلفاً للرئيس ميشال سليمان، لكنّه فشل، بسبب عدم إكتمال النصاب القانوني، نتيجة عدم السماح بممارسة العملية الديمقراطية في المجلس، كي لا يأتي رئيس للبلاد خارج إرادة ما يسمّى بالمقاومة وحلفائها. وتمّ التّوصل في حينه، إلى توافق داخلي، وإقليمي، ودولي على انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، إرضاء لفريق يؤيد «حزب الله»، على أن يتمّ تكليف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري تشكيل الحكومة، إرضاء لمعارضي الحزب.
إنعكس هذا الأمر على مسيرة الحكم في البلاد. فمن جهة، فقد رئيس الجمهورية دوره المستقلّ، وصار ممثلاً لفئة معينة فرضت إنتخابه. ومن جهة أخرى، فإن ممارسة السّلطة صارت توافقية، أي أنّه لا يمكن التوصّل إلى أي إجراء وطني عام، من دون توافق كلّ الأطراف. فدخل ما يسمى بالديمقراطية التوافقية، إلى قاموس السّياسة اللبنانية. هذا الأمر، أدّى بدوره إلى تعقيد تشكيل الحكومات. فبرز مفهوم المحاصصة، وجعل الوزير حرًّا أمام رئيسه، لأنّ الذي يقرر تسميته، ليس رئيس الحكومة، ولو بالتوافق مع رئيس الجمهورية، بل أحد الأطراف «الممثلة في البرلمان». وهو بالتالي مسؤول أمام الذي جاء به إلى السلطة.
من المؤسف أنّ بعض الذين تناولوا هذا الموضوع، إعتبروا أنّ فشل المجلس بعقد إجتماع إنتخاب الرئيس، كان سببه، «عدم توافق القوى السّياسية اللبنانية على تسمية الرئيس الجديد.» وزعموا أنّ مجلس النواب اللبناني «يقوم بانتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية، بالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان….» وقد فسروا هذا الرأي، إستنادا إلى تحليلهم، بأنه، «على رغم أنّ الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني، لكن البنية الطائفية للنّظام السياسي في البلاد تجعل من شبه المستحيل، إتخاذ أية قرارات كبرى من دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزّعين على أساس طائفي.»
ثمة مغالطة هامة في هذا التحليل، إذ علينا أولا أن نتذكر أنّه لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني، يفترض أن يتمّ التوافق بين القوى السّياسية الممثلة في البرلمان، بغية إنتخاب رئيس للجمهورية. فالمادة 49 من الدستور تنص على أن «ينتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السرّي، بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي.» في الواقع، جرى التعاطي مع انتخاب الرئيس عون من منطلق متطلبات الأمر القائم، حيث أنّ الدّولة غائبة، ولبنان يخضع لدويلة إحدى الميليشيات المسلّحة غير الشرعية. لقد تعامل المجتمع الدولي مع الحالة اللبنانية خارج أحكام الدستور، بل وأيضا خارج موجبه المنصوص عنه في القرار 1701 لعام 2006. مثل هذا الأمر لا يجب أن يتكرّس عرفاً في الحياة العامة الوطنيّة، لأنّه يعني القبول بإستمرار لبنان من دون سيادة، ولا حرية، ولا استقلال. وأيضًا، إبقاء لبنان خاضعا لإبتزاز تلك الميليشيا وأغراضها.
ثم علينا ألّا ننسى أن الدستور لا ينص بتاتاً على الهوية الدّينية لرئيس البلاد. وأنّ هذا الأمر له الطابع العرفي فقط. والعرف قد يتغير وفقا للمصلحة العامة. فقد قضت المصلحة العامة، وبسبب الظروف التي أحاطت بلبنان منذ الإستقلال عام 1943، وحتى تاريخه، أن يكون رئيس البلاد من الطائفة المارونية. ولهذا السبب يعتبر البعض أنّ تعديل الدستور اللبناني، والذي أدى إلى تقليص سلطات رئيس الجمهورية، إنّما أدى إلى إضعاف الموقع المسيحي في لبنان، باعتبار أن رئيس الجمهورية يمثّل المسيحيين في البلاد.
هذا الرأي يتجاهل كليًّا حقيقة أن تعديل الدستور، كان هدفه إرساء صيغة مشاركة جديدة في السلطة الإجرائية بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعًا. ويعتقد البعض أنّ الغرض منه كان تحقيق المشاركة في الحكم بين المسلمين والمسيحيين. فرئيس الجمهورية الماروني قبل اتفاق الطائف، كان يتمتّع بصلاحيات إجرائية واسعة، جعلت النظام اللبناني أقرب إلى النظام الرئاسي، وكانت الحالة السياسية موضع شكوى من المسلمين، لأنها أثمرت ما كان يسمّى بـ»المارونية السياسية.»
نختلف مع هذا الرأي. فتحقيق المشاركة، لا يعني بالضرورة، المشاركة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، بل المشاركة الوطنية لكل فئات الشعب اللبناني، بما يحقق الأحكام الواردة في مقدمة الدستور التي تنص على أن إلغاء الطائفية السّياسية هو هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطّة مرحلية. وينص كذلك على ضرورة المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز أو تفضيل، شرط عدم الإخلال بميثاق العيش المشترك. وتحقيق المشاركة يستجيب أيضًا لأحكام الفصل الثاني من الدستور، ولا سيما المواد 7 «كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتّعون بالسواء، بالحقوق المدنية والسّياسية، ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم»، و9 «حرية الإعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى، تحترم جميع الأديان والمذاهب، وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها، على ألّا يكون في ذلك إخلال في النظام العام. وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم، إحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدّينية»، و12 «لكل لبناني الحق في تولّي الوظائف العامة. لا ميزة لأحد على الآخر، إلا من حيث الإستحقاق والجدارة، حسب الشروط التي ينص عليها القانون».
وعليه، فإننا نرى أنه عند تنفيذ كافة أحكام الدستور، فإنّ منصب الرئاسة يمكن أن يكون حرّا، غير خاضع للقيود الطائفية. فتحقيق نهائيّة لبنان كوطن للبنانيين، وإنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وإقامة مجلس شيوخ، يوفرون الضمانات المحدّدة في مقدمة الدّستور، وفي الفصل الثاني، وهما: ضمان إحترام ميثاق العيش المشترك، أي ضمان أمن ووجود كل مجموعات المجتمع اللبناني في مناخ من الحرية والإحترام المتبادل، وضمان إحترام الكيان اللبناني واستقلاله، وإسقاط أيّة شعارات إتحادية قومية خارجية. كما أنّ المجلس النيابي يتحوّل إلى هيئة تنافس سياسي، يضمن في إطار قانون للامركزية الإدارية، الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، والذي هو بحسب مقدمة الدستور، ركن أساسي من أركان وحدة الدولة، واستقرار النظام.
وقد نصّت المادة 95 على واجب مجلس النواب، المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، إتّخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السّياسية، وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.
ونصّت هذه المادة أيضا، أن مهمّة الهيئة، هي دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وأضافت أنه في المرحلة الإنتقالية، يتمّ تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة. وتلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويعتمد الإختصاص والكفاءة في الوظائف العامة، والقضاء، والمؤسسات العسكرية والأمنية، والمؤسسات العامة والمختلطة، وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى وما يعادل الفئة الأولى فيها. وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، مع التقيّد بمبدأي الإختصاص والكفاءة. وبالطبع فإن تحوّل المجلس النيايي إلى مجلس خارج القيد الطائفي، يفرض أن يكون مجلس الوزراء خارج القيد الطائفي. كما يفرض انتخاب المجلس على أساس غير طائفي. وقد نصّت المادة 24 من الدستور على أنّ مجلس النواب يتألّف من نواب منتخبين، يكون عددهم وكيفية انتخابهم، وفقاً لقوانين الانتخاب المرعيّة الإجراء، مشترطة أن توزع المقاعد طائفيًا وذلك إلى أن «يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي». كما أن المادة 49 تحدّد بوضوح، أن انتخاب رئيس الجمهورية، يتمّ في مجلس النواب. فكيف يمكن لمجلس منتخب خارج القيد الطائفي، أن يعتمد معيارًا طائفيًا لانتخاب رئيسه، أو لتسمية رئيس حكومة، أو لانتخاب رئيس الجمهورية. ويفرض تحوّل المجلس النيابي إلى مجلس خارج القيد الطائفي، إلى إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة بما في ذلك وظائف الفئة الأولى، ويعتمد فقط معيار الكفاءة والإختصاص؟
تثور أخيرًا إشكالية الأكثرية العددية وإمكانية هيمنة طائفة معينة على المجلس النيابي، وبالتالي على السلطات في لبنان. هذا الإحتمال غير قائم. إلغاء الطائفية السياسية، يعني بكل بساطة، منع أي نشاط حزبي طائفي من العمل السياسي. لا طائفية سياسية، تعني عدم تدخل قيادات الطوائف، أو هيئات طائفية، في العمل السياسي. ألية العمل لإلغاء الطائفية السّياسية، تفترض بين أمور أخرى، إعادة النظر في قوانين الأحزاب، بما يضمن إسقاط أية أهداف سياسية طائفية في نظامها. ولا شكّ أنّ القانون الإنتخابي المرتجى، يجب أن يضمن عدم مشاركة سلطات، أو أحزاب دينية في الإنتخابات.
نحن نتفهّم طغيان العلمنة في الدّول الأوروبية والمتقدّمة. لكننا ندرك أن وصولهم إلى هذه المحطة، مر عبر عشرات السنوات من الحروب الدّينية. بيئة لبنان وثقافته، تفترضان التريّث في مسألة طرح العلمنة. ولا ننسى أنّ المادة 9 من الدستور، نصت على أنّ الدولة «تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم، إحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.»
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]