الاستحقاق الرئاسي: وجهة نظر فدراليّة

حجم الخط

كتب الدكتور هشام بو ناصيف في “المسيرة” – العدد 1733

دخل لبنان منذ فترة في مدار الانتخابات الرئاسيّة المقبلة. الهدف الحالي لـ»حزب اللّه» واضح: تثبيت سيطرته على الموقع الدستوري الأوّل، وقد رسّختها السنوات الستّ الماضية. غالب الظنّ أنّ ما يتردّد عن دعم الحزب ترشيح سليمان فرنجيّة صحيح؛ ستُصاب القضيّة اللبنانيّة بضربة جديدة لو وصل فرنجيّة، أو أيّ سياسي آخر من الدائرين بفلك الحزب، الى سدّة الرئاسة. بالمقابل، تخطو بلادنا خطوة بالإتّجاه الصحيح لو انتخب المجلس رئيسًا يعلم أنّ المساكنة مستحيلة بين الدولة والسلاح غير الشرعي، ولا يخشى المواجهة معه، أيًّا تكن أثمانها. وبين هذين الحدّين، يروّج ما اصطُلح على تسميته بـ»النوّاب التغييريّون» مقاربة غريبة مفادها لبننة الإستحقاق عبر دعم وصول شخص «من خارج الإصطفافات». بالحقيقة، لن يعني ذلك، لو حصل، سوى وصول رئيس رمادي يسلّم بسيطرة «حزب اللّه» على جوهر السلطة في لبنان، بينما يكتفي هو بإعطاء الأوسمة، واستقبال ملكات الجمال بعد انتخابهنّ، فضلاً طبعًا عن الإشراف على لعبة النهب المنظّم للبلاد، والإستفادة منها. أيّ رئيس عدا رئيس مواجهة مع الحزب يمدّد الستاتيكو؛ أمّا وأنّ الستاتيكو لمصلحة الحزب، فالرئاسة الرماديّة ستكون كذلك بدورها. أزعم تاليًا بهذا المقال أنّ الفراغ أفضل، لا فقط من وصول ميشال عون جديد لسدّة الرئاسة، بل أيضًا من وصول رئيس رمادي ينضمّ الى نادي المفرّطين بأكثر مصالح لبنان بداهة وإلحاحًا، عنيت حصريّة سلاح الدولة على أرضها.

صحيح أنّ للفراغ الرئاسي سابقة مخيفة، لا بدّ من الإقرار بها، عنيت وصول حكومة ميشال عون العسكريّة الى السلطة عام 1988. يومها، قيل إنّ مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى ريتشارد مورفي أعطى قيادات «الشرقيّة» الخيار بين مخايل الضاهر والفوضى. رفضت «الشرقيّة» الضاهر، فكان الفراغ، ومعه سنتان من المغامرات الرعناء قصمت ظهر المناطق الحرّة، وأطلقت مسارًا تراجعيًّا مستمرًّا الى الساعة. لم يكن الفراغ نزهة آنذاك؛ لن يكون كذلك اليوم. يبقى أنّ إعادة إنتاج الستاتيكو الحالي موت بطيء يكرّس كلّ موبقات السنوات الأخيرة: سرقة ممنهجة لما بقي من ثروتنا، عزلة إقليميّة ودوليّة، تفكّك مستمرّ لأوصال الدولة ومؤسّساتها، والأخطر من كلّ ما سبق، هزيمة نفسيّة، وشعور باللاجدوى يُترجم نفسه عبر هجرة كثيفة تعمّق الأزمة الديموغرافيّة للمكوّن المسيحي.

البديل عن كّل ما سبق، من وجهة نظر فدراليّة، هو التالي: 1) إذا تعذّر وصول شخصيّة سياديّة الى سدّة الرئاسة، رفض وصول أيّ رئيس على الإطلاق. 2) إنشاء قيادة سياسيّة موحّدة للمناطق الحرّة، تكون بكركي بوصلتها السياسيّة. 3) تقوية البلديّات والهيئات المحليّة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإدارة الذاتيّة للشؤون الحيويّة، بدءًا بقطاع الكهرباء. 4) دعوة الإختصاصيّين لمؤتمرعام مفتوح يضع التصوّر الأمثل للمشروعين التوأمين، عنيت الفدراليّة والحياد، على أن يكون هذا التصوّر هو مشروع المناطق الحرّة، تتبنّاه قواها الحيّة، وتسعى لترجمته على الأرض عند أوّل فرصة. 5) تبنّي موقف علني مفاده أنّ بديل المناطق الحرّة عن الفدراليّة، من أجل كلّ المكوّنات اللبنانيّة، وبالتفاهم معها، هو فرض ما بعدها، من طرف واحد. رافضو الفدراليّة بهذا المعنى يتحمّلون مسؤوليّة التقسيم، لو حصل.

كلّ ما سبق ليس سهلاً، صحيح. ولكنّ السهل عمومًا غير مهمّ؛ والمهمّ دومًا مكلف. نزيف مجتمعنا يضع وجوده على بساط البحث، وما يمكن أن نحصل عليه اليوم، لو طرحنا مسألة النظام، لن نحصل عليه بعد عشرين عامًا، لو أخذت التغيّرات الديموغرافيّة مجراها. ومع الإعتراف بأنّ التكتيك ضروري بالسياسة، المطلوب ألّا نقارب المسألة الرئاسيّة من زاوية تكتيّة محضة، بل ربطها بمشروع أوسع يضمن بقاء مجتمعنا وازدهاره. لا يزال الأمر ممكنا، على رغم كلّ ما جرى ويجري، شرط ألّا نسلّم بالهزيمة النفسيّة، وأن نحزم أمرنا عبر تبنّي مشروع ليس من سواه لضمان وجودنا.

 

هشام بو ناصيف – عضو الهيئة المركزيّة بلبنان الفدرالي

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل