تستمر العلاقة المتوترة والمتشنِّجة بين المصارف والمودعين، مفتوحةً على تصعيد غير مستبعد، فيما يبقى قرار جمعية المصارف تمديد الإضراب عن العمل، قيد التنفيذ إلى أجل غير مسمَّى، بعد سلسلة الاعتداءات والاقتحامات، وبعضها مسلّح، لعدد من الفروع في بيروت والمناطق، والتي نفَّذها مودعون للحصول على ودائعهم أو على قسم منها.
وفي حين تصرّ البنوك على الدولة والأجهزة الأمنية لتأمين سلامة موظفيها، وتكتفي بتوفير خدمة الصراف الآلي للأفراد وخدمة الزبائن للشركات في الوقت الحاضر، حتى إشعار أو تطوّر آخر، على أن يتكفَّل كل مصرف بالإجراءات التنظيمية الخاصة به، يحاول معظم المعنيين الرسميين التنصُّل من هذه المسؤولية تجنُّباً للإحراج والاصطدام بالمودعين.
غير أن العلاقة بين المصارف وزبائنها عامةً، ليست بالضرورة سلبية وسوداء على طول الخط، إذ ثمة قرارات مصرفية تقدم عليها بعض المصارف قد يرى فيها العديد من الزبائن، خصوصاً أصحاب القروض، نواحٍ إيجابية تخدم مصالحهم.
وتكشف مصادر مصرفية، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، عن أن “عدداً من المصارف بدأ بتقديم عروض لأصحاب القروض الممنوحة ما قبل اندلاع الأزمة في 17 تشرين الأول العام 2019، سواء الشخصية أو لشراء سيارة أو تجهيزات معينة، وغيرها، تسمح لهم بتسديد قروضهم على سعر صرف للدولار، قريب من سعر الصرف الرسمي (1.507)”.
وعلى قدر ما قد تبدو هذه الخطوة “أضغاث أحلام”، خصوصاً في ظل الوضع “المتفجر” بين المصارف والزبائن والمودعين في الفترة الأخيرة، تأكد موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، من صحة هذه المعلومات بعد متابعة القضية ميدانياً مع عدد كبير من أصحاب القروض، ليتبيَّن أن الأمر صحيح بالفعل.
ويقول شربل، الذي استحصل على قرض لشراء سيارة نهاية العام 2018 من مصرف يصنَّف ضمن فئة العشرة الكبرى في لبنان، لموقع “القوات”، إنه “فوجئ قبل نحو أسبوعين باتصال تلقَّاه من موظف المصرف الذي يتابع ملفّه، لم يصدِّق فحواه للوهلة الأولى واعتقد أن في الأمر مزحة”.
ويضيف، “أوضح الموظف المذكور لي أن البنك اتخذ قراراً بتقديم عرضٍ خاص لأصحاب القروض الذين استحصلوا عليها لشراء سيارة، خصوصاً الذين واظبوا بانتظام على دفع سنداتهم الشهرية من دون أي تأخير، على الرغم من كل تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية منذ تشرين الأول العام 2019”.
ويكشف شربل، عن أن “مدة تسديد كامل قرض سيارته خمس سنوات، وأنه واظب على تسديد السند الشهري البالغ 250 دولاراً أميركياً، بانتظام وبتاريخ استحقاقه، على مدى السنوات الأربع الماضية منذ كانون الأول العام 2018، ويبقى أمامه نحو سنة ويكون قد سدَّد القرض بالكامل. علماً أن الدفع كان يتم بالدولار النقدي، في الأشهر الأولى التي تلت حصوله عليه، لكنه بعد ذلك كان يقوم بتسديده بالليرة على سعر الصرف الرسمي (1.507) من دون أي إشكالات مع المصرف”.
ويضيف، “أبلغني موظف البنك المشرف على ملفِّي، أن هناك عرضاً من المصرف بإمكانية تسديد كامل السندات المتبقية للسنة الأخيرة، مرة واحدة، الأمر الذي لم يكن متاحاً في الفترة الماضية، لكن شرط أن تسدَّد على سعر صرف يوازي 3.000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، وهو عرض اختياري يمكن رفضه أو قبوله”.
ويتابع، “بصراحة اعتبرت أن العرض مناسب لي، إذ يبقى عليّ تسديد 13 سنداً بمبلغ إجمالي قدره 3.250 دولاراً أميركياً، (13×250=3.250 د.أ). أي أن القيمة الإجمالية بالليرة على سعر صرف بـ3.000 ليرة مقابل الدولار الواحد، تبلغ نحو 10 ملايين ليرة فقط، (3.250×3000=9.750.000 ل.ل). بالتالي وافقت بسرعة وطلبت إنجاز المعاملات المطلوبة، وتم تعيين موعد لي الأسبوع الماضي، وسدَّدت قرض السيارة بالكامل ولم تعد مرهونة للبنك وباتت ملكي”.
لكن شربل يشير، إلى أنه “تبقى خطوة أخيرة متعلّقة بإنجاز المعاملات الضرورية لفكِّ الرهن في مصلحة تسجيل السيارات والآليات في الدكوانة، لإبلاغها بالأمر مصطحباً المستندات الموقَّعة من المصرف”، لافتاً إلى أن “هذه عقبة في الوقت الحاضر نظراً لإضراب موظفي القطاع العام المستمر، لكنها تبقى آنية، والمهم أنني لم أعد مديونياً للمصرف وأصبحت السيارة ملكي”.
من جهتها، “تفضلّ المصادر المصرفية عينها، عدم التوسُّع في الأسباب التي دفعت المصرف لاتخاذ هذا القرار، الذي لم يكن متاحاً لأصحاب القروض في الفترة السابقة”، مشيرة إلى أن “هذه سياسات اقتصادية ومالية تقرّرها إدارة المصرف بعد دراسة”. وتنصح “أصحاب القروض الذين يتلقّون عروضاً مشابهة بالإستفادة منها، لأنها قد لا تكون متاحة لمدى مفتوح، إذ تخلق المستجدات والتطورات ما لا نعلم، على صعيد ما يحصل مع القطاع المصرفي”.
لكن المصادر ذاتها، لا تنفي، بشكل صريح، وتجيب بـ”لا تعليق”، على أن “احتمال رفع الدولار الرسمي إلى 15.000 ل.ل. قد يكون أحد الأسباب الرئيسية خلف هذا القرار، إذ سيتعذَّر على الغالبية العظمى من أصحاب القروض تسديد قروضهم على هذا السعر، وسيمتنعون عن الدفع نهائياً، مع صعوبة إلزامهم بذلك نظراً للتداعيات المعروفة. فضلاً عن أن حصول المصارف على مبالغ نقدية كبيرة في الوقت الحاضر، بالليرة أو بغيرها، يعزِّز وضعيتها ومؤونتها المالية النقدية، خصوصاً أنها مقبلة على إعادة تصحيح أو هيكلة لمجمل القطاع المصرفي”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية