كتب يوسف مرتضى في “المسيرة” – العدد 1733
منذ نشوء الدولة اللبنانية قبل نيّف ومئة عام، لم يشهد المجتمع اللبناني أيامًا أسوأ من الحالية التي يعيشها اللبنانيون حتى في ظل تعاقب الحروب والوصايات عليه. في مطلع العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين يعود اللبنانيون في وسائل عيشهم إلى أدوات أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إلى الشمعة والقنديل في الإنارة، إلى الحطب للتدفئة، إلى النملية بدل البراد لحفظ المؤونة، إلى الدراجات النارية و»التوكتوك» والدواب في بعض الأحيان للتنقل. أسعار المحروقات صارت خارج قدرة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين. أما عن الإستشفاء والدواء، فحدِّث ولا حرج، والتعليم قد يصبح لأبناء الطبقة الميسورة دون سواها….. إننا نعيش في دولة فاشلة بكل ما للكلمة من معنى. الطبقة السياسية الحاكمة فقدت الحس الإنساني بعدما فقدت القوام الأخلاقي في سياستها لإدارة الدولة والمجتمع. فسرقت وأهدرت وقتلت، وعطّلت جميع دوائر المراقبة والمحاسبة. نحن في الأيام الأخيرة للعهد العوني الجهنمي وشركائه، وفي ظل حكومة تصريف للأعمال ورئيس مكلّف منذ أربعة أشهر لا يقوى على التأليف، بسبب عقدة المحاصصة التي شكلت على الدوام السبب الجوهري للفراغ في المؤسسات الدستورية من جهة، وتفشي الفساد في إدارات الدولة من جهة أخرى.
كأي مواطن لبناني، عانى ويعاني مرارة العيش وقساوته، أمنيتي الأولى هي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية المحددة، وتفادي الوقوع في الفراغ الرئاسي، لأن حصول ذلك لا سمح الله، سيدفع بالبلاد إلى الإنزلاق نحو هاوية لا قعر لها، ما قد يدخل لبنان في دوامة فوضى اجتماعية-أمنية تعيدنا إلى مشهدية ما قبل إتفاق الطائف المدمرة.
الرئيس العتيد يجب أن يشكل بارقة أمل لإمكانية وضع الدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني على سكة الإنقاذ والتعافي. وليكون كذلك يجب أن يتحلى بالمواصفات والقدرات التالية:
1-أن تكون أو يكون لبناني الإنتماء والولاء، تتوفر فيها أو فيه الصفات القيادية، المدركة لتركيبة المجتمع اللبناني الاجتماعية والثقافية ولعناصر قوته وضعفه.
2- أن تكون أو يكون مدركاً لعوامل الخلل في البناء الاقتصادي والمالي والاجتماعي في هيكلية مؤسسات الدولة، وتحمل أو يحمل رؤية للتصدي لها ومعالجتها.
3- أن تتعهد أو يتعهد الإلتزام بالقسم على الدستور فعلاً وليس قولاً، وأن تبادر أو يبادر فوراً الى تنفيذ المادة 95 من الدستور، وكذلك المادة 22، ووضع القوانين والمراسيم الكفيلة بتحقيق اللامركزية الإدارية، وضمان فصل السلطات وتحقيق إستقلالية السلطة القضائية.
4- أن تكون أو يكون حازماً في التمسك بسيادة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والعسكرية على كامل حدودها وأراضيها، وعدم التفريط بأي من ثرواتها.
5- أن تكون أو يكون مؤمناً وقادراً على إقامة علاقات خارجية تصب في مصلحة الدولة اللبنانية بعيداً من الإصطفافات الإقليمية والدولية.
6- أن تتمتع أو يتمتع بالقدرة على التواصل والحوار مع جميع الأفرقاء اللبنانيين لتسيير أمور الدولة والمجتمع تحت سقف الدستور والقانون.
7- نظيف/ة الكف مشهود له أو لها بالإستقامة والنزاهة المادية والأخلاقية.
8- أن لا تطلب أو يطلب شيئاً لذاته/ا.
قد يقول قائل، إن صلاحيات رئيس الجمهورية في دستور الطائف لا تخوّله العمل بما نتمناه. لهؤلاء أقول، يكفي أن يكون رئيس الجمهورية هو من يقسم على تطبيق الدستور ورعايته له، ما يعني قدرته الدستورية على فرض العمل بتسيير عمل الدولة وفق قواعد الدستور الذي أهمل تنفيذه خلال العهود الأربعة السابقة منذ العام 1990 حتى اليوم، حيث لم تشكل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ولا قانون اللامركزية الإدارية، ولا قانون الانتخابات على أساس المجلسين، وإلغاء الطائفية في الوظيفة في الفئة الأولى، التي كان على المجلس النيابي المنتخب عام 1992 أن يقرّها.
وأخيراً، أجزم بأن أي خروج على دستور إتفاق الطائف، الأمر الذي يراود البعض، تحديداً «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، سيدخل لبنان في دوامة نزاعات وحروب قد تطيح بالكيان اللبناني من أصله.
يوسف مرتضى – كاتب سياسي
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]