لم تتأثر الأسواق اللبنانية وحركة سعر الدولار في سوق الصرف، إيجاباً، كما توقع كثيرون، باتفاق ترسيم الحدود البحرية، وكأن ما حصل وقع في بلاد أخرى. فالدولار حافظ على مستواه المرتفع طارقاً أبواب الـ40.000 ليرة، إذ بلغ لغاية إعداد هذه المقالة، عصر أمس الأربعاء، نحو 39.800 ل.ل. كمعدل وسطي.
لكن على الضفة الأخرى للترسيم، وبالتوازي، شهدت مؤشرات البورصة في إسرائيل تحسناً ملحوظاً بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وتلقَّفت الأسواق هناك الأمر بصورة إيجابية، مع توقعات باستمرار مؤشر البورصة صعوداً. فما الأسباب وراء ذلك؟ وهل يمكن عكس المسألة في حال تبدُّل المعطيات والعوامل التي أدَّت إلى ذلك؟
الخبير الاقتصادي والمالي وليد أبو سليمان، يوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “هناك عوامل عدة أدَّت إلى اختلاف انعكاسات الاتفاق بين البلدين على مستوى الأسواق، بحيث تُترجم تداعيات اتفاق الترسيم صعوداً لمؤشرات البورصة في إسرائيل، بينما يبقى الدولار في سوق الصرف عندنا على وتيرته من دون انخفاض”.
ويلفت أبو سليمان، إلى أنه “بالمقارنة بين الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، وبين الوضع في إسرائيل، وضعنا مزرٍ للأسف، إذ نحن بحاجة إلى معالجات آنية وفورية. فصحيح أن إمكانية استخراج الغاز مهمة، لكنهم في إسرائيل يسبقوننا بسنوات إذ بدأوا بعمليات الاستكشاف في حقل كاريش في العام 2014، وأصبحوا شبه جاهزين للاستخراج. بينما في لبنان، سنبدأ مبدئياً الآن في استكشاف حقل قانا أو غيره، ويمكن أن تأخذ العملية 5 أو 6 سنوات ليصبح لدينا ما نستند إليه”.
وينوّه إلى أنه، “في لبنان هناك مؤشر آخر غير مؤشر الدولار يجب الانتباه إليه، وهو معيار لا يتأثر بالداخل بل بالخارج، والمقصود سندات الخزينة (يوروبوند) التي لم تتأثر بالاتفاق، ولا تزال منخفضة على مستوى الـ(6 سنت) للسهم”،
ويوضح، أن “كل ذلك، لأنه صحيح أن الترسيم البحري الذي حصل مهم، لكن في حال لم يقم لبنان بالخطوات الإصلاحية الواجبة، اليوم، ولم يوقِّع على برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي، لن تدخل عملات صعبة إلى البلد. أي أننا لا نستطيع الإستدانة من الخارج والعودة إلى الأسواق المالية العالمية على خلفية هذا الاتفاق، (ما فينا نتديَّن ع الترسيم)”.
ويشير، إلى أن “من أسباب بقاء الدولار على هذا المستوى في سوق الصرف عندنا، وبغض النظر عن مسألة العرض والطلب التي تبقى القاعدة الأساسية دائماً، علماً أن الطلب لا يزال أكبر من العرض، لأن هناك أيضاً مضاربة على الدولار وتلاعباً بسعره”.
ويشدد أبو سليمان، على أنه “بالإضافة إلى ذلك، لا يجب أن ننسى أن الإخفاق بتشكيل حكومة جديدة حتى الآن، ينسف الإيجابيات المباشرة التي كانت ممكنة من وراء اتفاق الترسيم. ويبدو أن لا أفق لتشكيل حكومة، فيما كل المؤشرات تدلّ على أننا ذاهبون أيضاً إلى فراغ رئاسي وتعذُّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المواعيد الدستورية”.
ويرى، أن “السوق استوعب هذه المؤشرات القاتلة، أكثر من مسألة الترسيم واحتمالاتها. بمعنى الخوف من أننا مقبلون على وضعية نصبح فيها إزاء فراغين، إذا صحّ التعبير، فراغ حكومي وآخر رئاسي، لأن هناك فريقاً يعلن أنه لا يعترف بصلاحية وشرعية استلام حكومة تصريف الأعمال القائمة صلاحيات رئيس الجمهورية. أي أننا مقبلون على اشتداد الصراع القائم واحتدامه أكثر، مع كل تداعياته على الوضع الاقتصادي وسوق الصرف”.
أضف إلى ذلك، لا يجب أن ننسى، وفق أبو سليمان، “ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً بسبب القرار الأخير لـ(أوبك+) بخفض الانتاج”، لافتاً إلى أن ذلك “سيؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار في لبنان، لأن فاتورة استيراد المحروقات سترتفع مع ارتفاع الأسعار العالمية، وسيتبعها حُكماً ارتفاع فواتير استيراد مختلف السلع والبضائع والحاجيات، الأساسية وغيرها، مع ارتفاع كلفة الشحن والنقل، مع العلم أن لبنان يستورد أكثر من نحو 90% من حاجياته”.
ويشدد أبو سليمان، على أن “انعدام الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة يجعل نسبة كبيرة من اللبنانيين حذرة جداً في مقاربة اتفاق الترسيم. فالانطباع السائد لدى قسم كبير منهم أنه حتى ولو تم الترسيم، قد لا يستفيد الشعب منه إلا ببعض الفتات. وكثيرون يسألون، من يؤكد أن أركان الطبقة الحاكمة لم يُنشئوا فعلاً شركات نفطية وهمية سجّلوها في بعض جزر الجنات الضرائبية، كما يُنشر ويتردد، وبعض ما نُشر يتحدث عن أكثر من 45 شركة، ليقبضوا على الحصة الأكبر من العائدات؟”.
ويضيف، “من يكفل أن الأموال المفترضة من استخراج الغاز لن تُهدر أو تُسرق، كما حصل في الفترة السابقة؟”، لافتاً إلى أنه “تكفي متابعة سريعة لمواقع التواصل لملاحظة أن عدداً كبيراً من المواطنين يفضِّل إبقاء الغاز تحت البحر حالياً وعدم استخراجه، لفقدانه الثقة بالطبقة الحاكمة”.
ويؤكد أبو سليمان، على “أهمية العامل النفسي الذي يتحكم بـ50% على الأقل إن لم يكن أكثر، من لعبة الدولار وسعره في لبنان”، مشدداً على “عامل الثقة الأساسي ووجوب العمل على استعادتها، من أجل أن يعود المواطن ليثق بعملته الوطنية من جديد”.
ويلفت، إلى أنه “مع الترسيم أو من دونه، الثقة مفقودة لدى اللبنانيين اليوم. فالتاجر والمواطن والمستهلك، وكل الناس، يستمرون بالتفتيش عن الدولار وطلب شرائه لأن لا ثقة لديهم. بالتالي وضع الدولار على حاله في المدى المنظور على الأقل ولن يشهد انخفاضاً، تبعاً لكل المؤشرات والعناصر والعوامل والمعطيات التي ذكرناها”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية