كتب المحامي أنطوان عون في “المسيرة” – العدد 1733
الإشكالية الأولى:
مصطلح الفراغ الرئاسي ليس دستوريًا ولا قانونيًا، والصحيح هو الشغور الرئاسي:
1 – يشير الدكتور سليم جريصاتي في مؤلفه آراء في الدستور، وفي مطلع مقاله المعنون «فراغ في موقع الرئاسة»، الى رأي النائب غسان تويني في تصريح لهذا الأخير بأن «ما من شيء إسمه «فراغ»، وهو كلام غير مسؤول واستسهال» (النهار عدد الأحد 26 آب 2007)، كون الدساتير والقوانين كالطبيعة، تنفر من الفراغ وتملؤه حكمًا.
2 – وبالفعل، فإن الدستور اللبناني، ومنذ 1926 الى التعديل الدستوري لعام 1990، يتكلم عن «خلو سدة الرئاسة» في المادتين 62 و74 منه. ومن جهته، درج الفقه والإجتهاد على اعتماد مصطلح الشغور الرئاسي ولم يتكلم يومًا عن «فراغ رئاسي»، فاقتضت الإشارة بادئ ذي بدء.
الإشكالية الثانية:
حالات الشغور الرئاسي وتعدادها في المادة 74 من الدستور، هل هي حصرًا أو على سبيل المثال؟
1 – نصت المادة 74 من الدستور على أنه «إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو إستقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخَلَف يجتمع المجلس فورًا بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً، تدعى الهيئات الناخبة من دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية».
2 – ومن جهتها، نصت المادة 62 من الدستور على أنه «في حال خلو سدة الرئاسة لأية علّة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». ويتوافق فقهاء القانون الدستوري على أن النصين أعلاه إنما يُطبّقان في جميع حالات شغور رئاسة الجمهورية، أي بما في ذلك إنتهاء ولاية الرئيس وعدم انتخاب خلف له، وهي الحالة التي تندرج تحت عبارتي «أية علّة كانت» (المادة 62) أو «سبب آخر» (المادة 74). وقد استمد الدكتور إدمون رباط حججه في هذا الإتجاه من الأصول التاريخية للنصين المذكورين في ظل دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية.
3-ويشارك الدكتور سليم جريصاتي رأي العلاّمة إدمون رباط أنه لا حاجة الى إجهاد الفكر كي يأتي تطبيق المادتين 62 و74 من الدستور شاملاً جميع الحالات (خلو سدة الرئاسة) من دون إستثناء بمقتضى القاعدة الشرعية المدوّنة في المادة 64 من مجلة الأحكام العدلية «بأن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقيّد نصًا أو دلالة». الأمر الذي يعني بالنتيجة أنه مهما كان سبب خلو سدة رئاسة الجمهورية تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء الذي يتولاها الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية (جريصاتي مرجع سابق ص 55 ـ 56). وتلتقي هذه الخلاصة مع مبادئ دستورية وعرفية، وهي في صلب ميثاق العيش المشترك، ويقصد بها مبادئ إستمرارية المرافق العامة والدولة والحياة الوطنية.
ويرى رباط أن مجلس الوزراء هو الذي تتجسد في كامل هيئته السلطة التنفيذية في حالة خلو رئاسة الجمهورية بانتهاء الولاية وعدم انتخاب الخلف (دراسة بناء على طلب رئيس مجلس النواب في 18/11/1987 عما قد يحصل في حال عدم إنعقاد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية في الموعد المقرر دستوريا، في حال كانت الحكومة مستقيلة).
4-كما يؤيد الدكتور محمد المجذوب منحى التفسير ذاته عند كلامه عن الفشل في انتخاب خلف لرئيس الجمهورية، متطرّقاً الى إحتمالات متعددة لعدم التوصل الى إختيار الخلف وهي:
-عدم تمكّن المجلس من الإجتماع أو من الإستمرار في الإجتماع لأسباب تتعلق بالأمن أو النصاب أو المزاج.
– إجتماع المجلس وعدم تمكّنه من الإتفاق على انتخاب مرشح معيّن.
– إجتماع المجلس وإجراء العملية الانتخابية وعدم تمكّن أي مرشح من نيل الأكثرية المطلوبة دستوريًا.
إذا حدث ذلك، إعتُبرت سدة الرئاسة خالية وتُطبّق المادة 62 دستور بصددها، وهذا الموقف ينسجم مع مبدأ الحفاظ على النظام القانوني، ومبدأ إستمرار عمل المؤسسات العامة، ومبدأ إستمرار الدولة ذاتها.
الإشكالية الثالثة:
ما هي السوابق التاريخية للشغور الرئاسي في الحقبة السابقة للتعديل الدستوري لعام 1990، والحقبة اللاحقة له؟
1-يرى الدكتور زهير شكر (في مؤلفه («الوسيط في القانون الدستوري اللبناني ـ المجلّد الثاني ـ طبعة 2019 ص 772 الى 781، وتحديدًا في الفقرة 1146 و1147) أن الشغور الرئاسي في لبنان يختلف جذريًا عنه في النظم الديمقراطية، لأنه، وإن كان الدستور اللبناني ينظم مسألة الشغور، إلا أن ممارسة الصلاحيات من قبل الحكومة، وحدود هذه الصلاحيات والأكثرية المطلوبة لاتخاذ قرار رئاسي، لا يمكن معالجتها بصورة مستقلة عن النظام السياسي اللبناني الطائفي الذي تتوزع فيه الرئاسات الثلاث على الطوائف الكبرى منذ فجر الإستقلال (…).
فقرة 1147: تكرار الشغور في نهاية عهد كل من الرؤساء أمين الجميل وإميل لحود وميشال سليمان، وتعدد الفتاوى والإجتهادات والبدع، يدفعنا الى التوسّع في دراسة مسألة الشغور.
بداية، نلاحظ أنه مع أول شغور عرفه لبنان كان في عهد الحكومتين عون والحص اللتين، على الرغم من إختلافهما سياسيًا، كانتا تنسقان أحياناً كثيرة للحفاظ على وحدة التشريع ووحدة الدولة من خلال وحدة المؤسسات ووحدة القيادات الأمنية والقضائية والإدارية.
وفي السابق، عرف لبنان فترة شغور رئاسي مرتين ولفترة قصيرة، على خلاف الحالات الثلاث المبيّنة أعلاه، وهما بمناسبة إستقالة الرئيس بشارة الخوري واغتيال الرئيس رينيه معوض. أما إغتيال الرئيس بشير الجميل، فلا يُعدّ شغورًا رئاسيًا لأن الإغتيال حصل قبل بدء ولاية الرئيس الجميل.
الإشكالية الرابعة:
إشكالية بقاء رئيس الجمهورية في سدة الرئاسة بعد انقضاء ولايته الدستورية لحين انتخاب رئيس جمهورية جديد.
1-إن أول من أثار هذا الإحتمال هو الرئيس الراحل شارل حلو قبل دستور الطائف، إثر اجتماعه بالرئيس الراحل الياس سركيس الذي كان في حينه رئيسًا للجمهورية، وذلك في أوائل شهر شباط 1982، إذ صرّح وقتئذ بأن رئيس الجمهورية يستمر في تلك الحالة قائمًا باختصاصاته الرئاسية، وذلك عملاً بمبدأ إستمرارية الدولة، ومبدأ إستمرارية مؤسساتها وإداراتها ومنها رئاسة الجمهورية. ويؤيد هذا الرأي الدكتور سليم جريصاتي (مرجعه السابق ذكره ص 52 ـ 53) والدكتور عادل يمين (في مؤلفه «التشارك في النظام الدستوري اللبناني» ـ 2021 ص 732)، مؤكدين أنه في حالة إنتهاء الولاية من غير انتخاب رئيس جديد، فيستمر الرئيس المنتهية ولايته بمهماته لحين انتخاب خلف له، مستندين الى رأي فقهي (مخالف لغالبية مواقف الفقهاء الدستوريين) يتبنّى تفسيرًا مآله أن حالة إنتهاء الولاية الرئاسية من دون انتخاب رئيس جديد، هي حالة لا تدخل ضمن نطاق المادة 62 دستور، مما يقضي عملاً بمبدأ إستمرارية الدولة أن يبقى الرئيس المنقضية ولايته يتابع مهامه حتى انتخاب رئيس جديد (مقال للصحفي إبراهيم الأمين بعنوان «هل يمكن للحود أن يبقى في بعبدا؟). لكن الرأي السائد يعتبر أن ما ينطبق على سائر حالات خلو سدة الرئاسة ينطبق على حالة إنتهاء ولاية الرئيس من غير انتخاب خلف له، بحيث لا يجوز للرئيس البقاء في الحكم بعد بلوغ أجل ولايته، ويتعيّن على مجلس الوزراء إذ ذاك ممارسة صلاحيات الرئيس بالوكالة، إنفاذاً للمادة 62 دستور على إطلاقها، وتغليباً للقاعدة القائلة بانتهاء مهمة أي موظف كان بانتهاء ولايته ما دام أن القانون حدد الجهة التي تقوم مقامه. (د. إدمون رباط ـ الدستور اللبناني باللغة الفرنسية، ص 423 ـ 424. ود. عادل يمين المرجع السابق ذكره ص 734، وأيضًا بشارة منسى ـ الدستور اللبناني طبعة أيلول 1998 تحت شرح المادة 62 ـ صد 358 و359 حيث جاء:
المادة 62: إن المادة 62 القديمة كما هي في دستور سنة 1926 لم تعدل إلا سنة 1990، لكن هذا التعديل كان في الإنشاء أكثر منه في المضمون. فبينما ورد في المادة المعدلة سنة 1990 أنه: «في حال خلو سدة الرئاسة لأية علّة تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء»، فإن المادة القديمة كانت تنص على أنه «في حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت تُناط السلطة الإجرائية وكالة بمجلس الوزراء».
فالتأكيد في المادة الجديدة على الصلاحيات هو من باب لزوم ما لا يلزم، لكن لهذا النص أسبابه وهي التالية: في أواخر عهد الرئيس أمين الجميل سنة 1988، كانت الحالة الأمنية متدهورة الى حد أن انتخاب رئيس جمهورية جديد كان متعذرًا، وأن رئيس الجمهورية أوصى بعض المقرّبين إليه بوضع دراسات توحي بأن لرئيس الجمهورية الحق في البقاء في سدة الرئاسة، إذا تعذر إجراء انتخابات نيابية جديدة في موعدها المقرر. وقد وضع الدكتور خالد قباني ومؤلف هذا الكتاب في حينه، بطلب من رئيس المجلس، تقريرين أحدهما بتاريخ 2/10/1987 وثانيهما بتاريخ 24/1/1988، يدحضان وجهة النظر القائلة باستمرارية حكم رئيس الجمهورية إذا تعذر إجراء انتخابات رئاسية. ولذلك جاء هذا النص الجديد للمادة 62 لتبديد كل إشكال يمكن أن يحدث حول من يتسلّم مهام رئاسة الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة.
الإشكالية الخامسة:
في آلية وقواعد إدارة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتقالها الى مجلس الوزراء عملا بالمادة 62 دستور:
1-إقترح الدكتور زهير شكر (مرجع سابق ص 775 و776) وضع بعض القيود على الحكومة التي أصبحت بموجب المادة 72 دستور هي السلطة التي تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية.
أول هذه القيود: كان ضرورة إمتناع الحكومة عن أدائها مهامها بشكل طبيعي، فلا تجتمع إلا في حالة الضرورة القصوى.
القيد الثاني: كان قاعدة الإجماع داخل الحكومة، إن لجهة الدعوة الى عقد جلسة للحكومة، أو من جهة إتخاذ القرارات.
القيد الثالث: كان التمييز بين الصلاحيات اللصيقة بالرئيس، والتي لا يمكن أن تمارسها الحكومة كالعفو الخاص، وتقبّل أوراق إعتماد السفراء، ومراجعة المجلس الدستوري وغيرها من الصلاحيات اللصيقة بالرئيس، وبين الصلاحيات الرقابية التي يمارسها الرئيس، كرد القوانين وإصدارها، وكذلك الإعتراض على مقررات الحكومة وإصدار مراسيم. الحكومة أضافت الى الفئة الأولى من المقررات صلاحية تعيين كبار الموظفين حفاظاً على الميثاقية، بسبب أهمية هذه الصلاحية، مع أن دور الرئيس هنا هو دور رقابي فقط.
القيد الرابع: كان ضرورة توقيع كل الوزراء على المقررات التي يتخذها مجلس الوزراء بصفته ممارسا صلاحيات رئيس الجمهورية.
2-وبدوره، تساءل الدكتور محمد المجذوب (مرجع سابق صد 463 الى 469) عن آلية إتخاذ القرارات عند خلو سدة الرئاسة كالآتي: هل تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء؟ وهل تصبح قرارات الحكومة رهنا بتوقيع جميع الوزراء أو يكتفي بالأكثرية؟
-إن رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يرى في خلو سدة الرئاسة ما يبرر شلّ عمل الحكومة وجعل قراراتها رهن مشيئة أي وزير في الحكومة. وقد حاول رئيس المجلس النيابي إقناع رئيس الحكومة (تمام سلام) باتباع صيغة أكثر مرونة لتسيير عمل الحكومة، تتلخص في إصدار قرارات مجلس الوزراء بالنصف زائد واحد، أو بأكثرية الثلثين، وفقاً لطبيعة الموضوع، كما كان يحصل خلال وجود رئيس الجمهورية. وأكد أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة كانت في ظل غياب رئيس الجمهورية تصدر قراراتها بأكثرية ثلثي الحاضرين، ولم تعتمد صيغة الإجماع.
-وفي سبيل المزيد من الوفاق في ظل شغور سدة الرئاسة، إعتمد رئيس الحكومة تمام سلام في البداية آلية التوافق الإلزامي، أي موافقة جميع أعضاء الحكومة على جدول الأعمال ومقررات مجلس الوزراء والمراسيم (وما لا تتوافق الحكومة عليه يؤجل الى جلسة لاحقة، وفي الغالب يوضع في الأدراج الى أن يتم التوافق عليه).
-وفي جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 26/6/2014 تم التوصل الى إتفاق على آلية إدارة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتقالها الى مجلس الوزراء. وهذه البنود هي: وضع جدول الأعمال (الذي هو في الحقيقة من صلاحية رئيس مجلس الوزراء ولا يشترك فيه رئيس الجمهورية إلا جزئيًا) والتوافق في جلسات المجلس بدل التصويت، وتوقيع وزير عن كل مكوّن سياسي، المراسيم المتخذة في المجلس (أي إنتداب كل فري سياسي ممثل في الحكومة من يتولى التوقيع عنه على المراسيم.
إستبق الوزراء جلسة مجلس الوزراء في 3/7/2014 بتوقيع /143/ مرسومًا قبل مناقشة جدول إعمالها، لتجنيب هذه المراسيم الطعن فيها أمام مجلس شورى الدولة. ودرجت الحكومة بعد ذلك على إصدار المراسيم حاملة توقيع 23 وزيرًا بالإضافة الى رئيس الحكومة.
-لم تكتفِ تلك الآلية بإعطاب المادة 65 إنما شمل أيضًا المادة 56 عندما أصبحت صلاحية الإصدار بين يدي الوزير أقوى منها بين يدي صاحب الصلاحية الأصيل وهو رئيس الجمهورية. منحت الآلية الوزير صلاحية ليست له عندما يمتنع عن توقيع مرسوم الإصدار ـ وهو ما لم يُعطَ إياه رئيس الجمهورية ـ فلا يصدر إذ ذاك المرسوم أبدًا، وحرمته من صلاحية طلب إعادة النظر في القرار خلال 15 يومًا، وهو ما كان منوطاً برئيس الدولة (مقال الصحفي نقولا ناصيف حول آلية عمل مجلس الوزراء في صحيفة «الأخبار» في 12/2/2015).
-وأكد بعض رجال القانون أن الممارسة الصحيحة لصلاحيات رئيس الجمهورية من قبل مجلس الوزراء تنطلق في الدرجة الأولى من قاعدة عدم الخلط بين ممارسة مجلس الوزراء لهذه الصلاحيات من جهة، وبين عمل مجلس الوزراء كمؤسسة دستورية من جهة أخرى، الذي يجب أن يبقى كما هو من دون تعديل، سواء أكان رئيس الجمهورية موجودًا أم كان منصبه شاغرًا.
-وبعبارة أوضح، إن مجلس الوزراء بغياب الرئيس تصبح له صفة إضافية هي صفة الوكيل في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أن هذه الصفة الجديدة لا تفقده ولا تنفي عنه صفته الأساسية كمؤسسة أناط بها الدستور السلطة الإجرائية وعيّن لها مهامها وحدد كيفية قيامها بهذه المهام (…). إن إعطاء كل وزير، بغياب الرئيس، حق الإعتراض على أحد مواضيع جدول الأعمال، هو بمثابة إشراكه في وضع جدول الأعمال، أي إعطاء كل وزير أكثر من الصلاحيات الممنوحة في الدستور لرئيس الجمهورية نفسه.
-لذلك، فإن القاعدة الثانية لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حالة الشغور، هي أن هذه الممارسة ينبغي ألا تؤدي، من جهة الى الإنقاص من الصلاحيات العائدة للرئيس، كما ينبغي أن لا تؤدي الى إعطاء الوكيل من الصلاحيات أكثر مما للأصيل في الدستور.
-أما القاعدة الثالثة والأخيرة، فهي تنطلق من أن الدستور ينقل صلاحيات الرئيس في حالة الشغور الى هيئة دستورية، هي مجلس الوزراء وليس الى مجموعة أفراد هم الوزراء الذين يتألف منهم مجلس الوزراء. (وزير العدل السابق بهيج طبّارة «الآلية… والدستور» في صحيفة «السفير» في 3/3/2015).
الإشكالية السادسة:
ماذا لو خَلَت سدة الرئاسة بانتهاء مدة ولاية الرئيس من دون أن يتمكن المجلس من انتخاب الخلف وكانت الحكومة القائمة حكومة مستقيلة ومكلّفة تصريف الأعمال؟ هل يحق لهذه الحكومة المستقيلة أن تتولى صلاحيات الرئاسة الأولى وكالة الى أن يتمكن المجلس من إختيار رئيس جديد؟
1-يجيب الدكتور محمد المجذوب في المرجع المذكور أعلاه (ص 469) بالإيجاب عملاً بمبدأ الإستمرارية (الدولة) ذاته وتحاشيًا للوقوع في الفراغ الدستوري أو في فراغ الحكم، وحرصا على سلامة الدولة وسلامة المؤسسات والإدارات العامة، وهذا هو، في الواقع، موقف الإجتهاد والفقه في معظم دول العالم.
2-وتأييدًا لما تقدم، نشير الى ما ورد في المرجع ذاته (ص 522) حيث يستطرد الدكتور محمد المجذوب: «وهكذا لا يجوز لحكومة مستقيلة ومكلّفة تصريف الأعمال القيام بالأعمال التصريفية، ما لم تكن هناك حالات طارئة أو ظروف إستثنائية، تتعلق بالنظام العام وأمن الدولة (الداخلي والخارجي) تبرّر هذه الأعمال (كالظروف التي مرّ بها لبنان خلال عامي 1975 ـ 1900 وحتّمت إتخاذ تدابير، خلافاً لمفهوم تصريف الأعمال وإنما إستنادًا الى ضرورة ديمومة المؤسسات الدستورية واستمرارها). ففي الظروف الإستثنائية تسُتبدل المشروعية العادية بمشروعية إستثنائية تجيز لحكومة مستقيلة ومكلّفة تصريف الأعمال إتخاذ التدابير التصريفية حرصًا منها على أمن المجتمع وعمل المرافق العامة واستمرار الدولة ذاتها.
3-ملاحظة: في تموز 2013 أجازت هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل في رأيها الإستشاري لحكومة تصريف الأعمال عقد جلسة إستثنائية لاتخاذ القرار المناسب في شأن مرسومين يتعلقان بأعمال التنقيب عن النفط (مراجعة مقال الصحفي نبيل هيثم «هيئة الإستشارات والتشريع تجيز عقد جلسة نفطية للحكومة المستقيلة في صحيفة «السفير» في 26/7/2013 ـ الدكتور محمد المجذوب المرجع ذاته صد 522 هامش رقم 3).
4-كما يشارك في الرأي ذاته الدكتور زهير شكر ـ المرجع السابق فقرة 1161 صد 781: إذا صادف الشغور الرئاسي وجود حكومة مستقيلة، فإن هذه الأخيرة تسترد كامل صلاحياتها، إن بسبب الحفاظ على إستمرارية المؤسسات الدستورية وتوازنها، أو لأن مرسوم الإستقالة لم يكن صادرًا عند الشغور، فلا تترتب على الحكومة أية إلتزامات.
خلاصة الأمر، إن الشغور الرئاسي يستوجب على الحكومة والبرلمان حصر إدارة شؤون الدولة في المسائل الضرورية والملحّة التي لا تحتمل التأجيل، حتى لا يصبح وجود رئيس الدولة، المؤتمن على الدستور ورمز الدولة، مسألة ثانوية، ولكي لا تهتز الشرعية الميثاقية والإجتماعية للكيان اللبناني والدولة اللبنانية.
مراجع البحث:
1-الدكتور إدمون رباط ـ الدستور اللبناني ـ مصادره، نصوصه وتعليقات عليه ت منشورات الجامعة اللبنانية ـ قسم الدراسات القانونية والسياسية والإدارية ـ بيروت 1982 (باللغة الفرنسية) ـ ص 423 و424 وص 554 الى 556.
2-الدكتور زهير شكر ـ الوسيط في القانون الدستوري اللبناني ـ المجلّد الثاني ـ أيار 2019 ـ دار المنهل اللبناني ـ صد 772 الى 781.
3-الدكتور محمد المجذوب ـ الوسيط في القانون الدستوري اللبناني وأهم النظم السياسية المعاصرة في العالم ـ الطبعة الخامسة 2018 ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ صد 458 الى 469 و518 الى 525.
5-الأستاذ بشارة منسى ـ الدستور اللبناني، أحكامه وتفسيرها ـ الدراسات والوثائق المتعلقة به ـ ص 358 ـ 359 (ملاحظات تحت شرح المادة 62 من الدستور).
5-الدكتور سليم جريصاتي ـ آراء في الدستور ـ المنشورات الحقوقية صادر طبعة 2010 ص 50 الى 64 ـ «فراغ في موقع الئراسة» ـ مقال في 7/11/2007.
6-الدكتور أنور الخطيب ـ المجموعة الدستورية ـ القسم الثاني ـ الدولة والنظم السياسية ـ دستور لبنان ـ 2 ـ السلطات العامة ـ طبعة أولى 1970 ـ ص 115 الى 117.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]