مع اقتراب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون مع كل ما تخلَّله من ويلات غيَّرت حياة اللبنانيين وجعلتهم غرباء في وطنهم، وفي قراءة لازدياد أرقام الهجرة، يرى كثيرون أنه يمكن تسمية العهد بـ”دينامو التهجير” بامتياز، بعد إفراغ لبنان من أبنائه الباحثين عن لقمة عيش بأقل الممكن ليتمكنوا من إمداد عائلاتهم بالأساسيات، في بلد دولاره يحلِّق وليرته فقدت قيمتها.
والمحزن أكثر، أن اللبناني يعاني في الهجرة كما في لبنان، إذ إن أصحاب المؤسسات في الخارج يعون جيداً الوضع في بلاد الأرز، وخفض أجور اللبنانيين العاملين في صفوفهم واضح للعيان، إذ بات اللبناني يقبل بما كان يرفضه في السابق، ليتمكن من إعالة أسرته في لبنان بـ200 أو 300 دولار تؤمّن مستلزمات الحياة بالحد الأدنى في لبنان.
في الحقيقة، هي دوامة صعبة، وخيار صعب يأخذه المهاجر الذي ينسلخ عن بيئته وأهله ومجتمعه ليختار المقاومة وحيداً في الخارج والحياة العملية فقط، ليتمكن من تقديم مساعدة تعود بالخير في ظل الأزمة الخانقة، على الرغم من كل سيئات الهجرة، إذ تساهم بصمود آلاف العائلات اللبنانية وبقائها في لبنان.
“لبنان تاريخياً بلد مفتوح على الهجرة، من المهاجر الأول في العام 1854 وصولاً إلى الآن”، وفق ما يؤكد المحلل الاجتماعي الباحث محمد شمس الدين، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني.
ويضيف، “ملايين من اللبنانيين غادروا لبنان إلى مختلف دول العالم بحثاً عن فرصة أفضل، وكانت الأسباب إما أمنية نتيجة الحروب أو اقتصادية نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية في لبنان”.
ويشير شمس الدين، إلى أنه “في السنوات الأخيرة، زادت الأوضاع الاقتصادية حدّة وصعوبة، وباب الهجرة الشرعية مقفل أمام من ليس لديهم إمكانات أو قدرات علمية أو كفاءات مهنية. لذلك لجأوا إلى الهجرة غير الشرعية، إما من لبنان وتحديداً من شمال لبنان إلى أوروبا، وإما من تركيا إلى أوروبا، لأن اللبنانيين يدخلون تركيا بلا تأشيرة، وفي السنوات الماضية دخلوا إلى ماليزيا أو أندونيسيا بلا تأشيرة، ومن هناك حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية إلى أستراليا”.
ويرى، أنه “لا شك أن الهجرة غير الشرعية محفوفة بالمخاطر، إذ تتم بطرق بدائية ومن الممكن أن تغرق الزوارق كما حدث أخيراً مقابل أرواد السورية، أو مقابل قبرص، أو كما حصل في أندونيسيا العام 2013”.
ويقدِّر، أن “نحو 1500 مهاجر غير شرعي يحاولون سنوياً الهجرة من لبنان، كمتوسط للسنوات الماضية. قسم قليل يصل إلى هدفه، وقسم آخر يعود نتيجة إلقاء القبض عليه في قبرص أو اليونان أو تركيا، وقسم آخر يغرق للأسف مثل الحوادث التي شهدناها في الفترة الأخيرة”.
أما على ضفة الهجرة الشرعية، يكشف شمس الدين، عن أنها “ارتفعت، وتقديرياً عدد الذين غادروا لبنان خلال الأعوام 2017 حتى 2021 بحدود الـ215000 مهاجر. في العام 2017 عدد المهاجرين بلغ 18 ألفاً، والعام 2018 بلغ 33 ألفاً، وفي الـ2019 بلغ 66 ألفاً، وفي الـ2020 تراجع العدد نتيجة “كورونا” وإقفال المطار إلى نحو 17 ألفاً، وفي الـ2021 وصل العدد إلى نحو 79 ألفاً. ومنذ بداية العام 2022 حتى نهاية حزيران الماضي تتحدث الأرقام عن 30 ألف مهاجر، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى حدود الـ70 أو 80 ألفاً نهاية العام الحالي”.
ويحدِّد شمس الدين الأسباب، بأن “الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان تدفع الناس إلى الهجرة، وتحديداً ربّ الأسرة الذي بات يرتضي بأي دخل في الخارج حتى لو كان بحدود 700 أو 800 دولار، الذي كان من المستحيل الموافقة عليه في الماضي، إذ يعتبر أنه يمكنه أن يصرف نحو 300$ ويحوِّل الباقي لعائلته لتتمكن من الاستمرار”.
ولا يشيطن شمس الدين الهجرة بشكل كامل، إنما يشير إلى أنها “الأوكسيجين الذي تتنفس منه نحو 250 ألف أسرة لبنانية، أي ما يوازي نحو مليون لبناني إذا اعتبرنا متوسط أفراد الأسرة 4 أشخاص، ومن دون الهجرة كان الوضع ليكون أسوأ وأصعب. بالتالي، وعلى الرغم من مضار هذه الهجرة وسيِّئاتها المستقبلية، غير أنها حاجة وضرورة الآن في ظل الأوضاع الاقتصادية المنهارة”.
ويصحِّح الباحث ذاته، المعلومات المتداولة حول تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، ويقول، “هناك تقديرات غير صحيحة عن تحويلات اللبنانيين في الخارج تحدِّدها بنحو 6 إلى 7 مليارات دولار في السنة”، معرباً عن اعتقاده، بأن الرقم يمكن أن يكون الضعف، إذ إننا نرصد الأموال التي تصل بالطرق الرسمية عبر المصارف أو شركات تحويل الأموال، في حين منذ زمن طويل واليوم أكثر، كثير من الأموال تأتي نقداً، سواء من أوروبا أو أفريقيا أو الدول العربية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، نتيجة فقدان اللبناني الثقة وخوفه من إقفال المصارف أو إعطائه أمواله بالليرة”.