تسري منذ نحو أسبوع أجواء إيجابية، في أوساط المواطنين والتجار ومختلف الأسواق، عن انخفاض قريب سيشهده سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وصولاً إلى نظم البعض “شعارات ورَندحات” للمرحلة المقبلة، من مثيل “الدولار بعد تشرين بـ30!”.
وتتنوع الأخبار بين المواطنين، التي يتناقلونها من دون تدقيق. فواحد ينقل الخبر عن صاحب شركة صيرفة كبرى، وآخر عن مدير مصرف معروف، وثالث يربطها بمراجع مسؤولة، إلى آخره. والأرقام هبوطاً بالآلاف خلال أيام، من 40.000 ليرة للدولار إلى 30.000 ل.ل. وكحدِّ أقصى فور نهاية مرحلة، نهاية تشرين الأول الحالي، والدخول في مرحلة جديدة.
وعلى الرغم من سيطرة الأجواء الآنفة الذكر، لكن ثمة ما يخالفها بحديث كثيرين عن تراجع قدرة مصرف لبنان على التدخل في السوق نتيجة احتياطه النقدي المحدود، وأن الدولار سيشهد موجات هبوط وارتفاع متلاحقة، يقف خلفها المضاربون بهدف تحقيق الأرباح، بغضّ النظر عن النتائج المدمّرة على حياة المواطنين.
مصادر اقتصادية ومالية، على تماس مباشر مع حركة الأسواق وسوق الصرف في لبنان، توضح، أن “ما طغى على أجواء السوق في الأيام الماضية، من أخبار وتسريبات وإشاعات وتوقُّعات عن هبوط دراماتيكي قريب للدولار في السوق الموازية، تتعدَّد احتمالات مصادره، لكن معظمها يلتقي عند أهداف موحَّدة تقريباً، ألا وهي استغلال لعبة الدولار لغايات، إما سياسية أو ربحية، أو الاثنين معاً”.
وتشير المصادر ذاتها، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “ما شهدناه، في ناحية منه، يوضع في خانة التوقعات التقليدية، على خلفية التطورات والمستجدات والمتغيرات، أياً تكن، وتأثيراتها على السوق. بمعنى الآمال والأحلام بأن النفط والغاز سيتدفق على لبنان، بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والدولارات ستنهمر ووضعنا سيصبح بألف خير، بالتالي سينخفض سعر الدولار، الأمر الذي لم يتحقق إذ بقي عند معدلاته مع صعود بسيط”.
وتلفت، إلى أن “ترويجاً من هذا النوع يمكن أن يدفع بالدولار نزولاً، انطلاقاً من العوامل النفسية وإمكانية تفاعل المواطنين وممتلكي الدولار، الصغار والكبار منهم، معه، فيدفعون ثمن انسياقهم خلف الإشاعات. إذ ما الذي يدفع بالدولار صعوداً وهبوطاً، من خارج العناصر والقواعد الاقتصادية والمالية البحتة؟”، مشيرة إلى أن “العامل النفسي يفرض نفسه أحياناً على الحالة الواقعية. لكن هذه المرة لم تصح”.
وتذكّر، أنه “في المراحل السابقة، كان مجرّد صعود الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة إلى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية، للبحث في إمكانية الاتفاق على التشكيلة الحكومية من عدمه، يدفع بالدولار إلى التراجع 3.000 أو 5.000 ليرة، فكم بالحري اليوم مع اتفاق وُصف بالتاريخي والكلام عن عشرات مليارات الدولارات، فيما الدولار لم يتزحزح عن اللعب ضمن مربّع الـ39.500 ـ 40.000 ليرة، بل قفز فوقه؟”.
وترى، أن “الناس لم تتفاعل مع الإشاعات على جري عادتها، إذ باتت على درجة أعلى من الوعي بفعل التجربة، فلا ثقة لديها بالمسؤولين، وهي باتت تريد معطيات ملموسة ومشاهدة كميات الدولار المتدفقة. فضلاً عن أن الناس ترى الحالة المقفلة في البلاد، بلا حكومة جديدة تبدو مستعصية، وشغور رئاسي مقبل بشكل شبه مؤكد، مع تصاعد حدّة التوتُّر والتشنُّج السياسي من قبل بعض الأطراف. بالتالي من أين سيأتي الفرج؟ لذلك لم تتتفاعل مع موجة الإشاعات واحتفظت بدولاراتها؟”.
ولا تنفي المصادر عينها، إلى حدِّ الموافقة، “احتمال مشاركة جهات سياسية معيّنة في تشييع الأجواء الإيجابية في سوق الصرف حول خفض سعر الدولار في السوق السوداء، وذلك لهدفين منفصلين متَّحدين:
ـ محاولة الاستفادة من الأمر سياسياً، من خلال التسويق لإنجاز اقتصادي ونقدي على غرار الترويج لإنجاز نفطي، وما شابه، من جهة.
ـ أو، لتحقيق أرباح طائلة، من خلال رهان تلك الجهات على انسياق الناس خلف إشاعات قرب انخفاض سعر الدولار لبيع قسم من دولاراتهم، فتقوم هي بشراء الدولار على سعر منخفض، وتبيعه لاحقاً على سعر مرتفع وتحقق الأرباح، من جهة ثانية”.
وتشدد المصادر، على أن “تلك الجهات تعلم أن الواقع لا يزال على حاله، وأننا لا نزال بعيدين عن الانفراجات الملموسة، التي دونها شروط، وإصلاحات، وسياسات اقتصادية ومالية، وخطة نهوض، وقوانين وتشريعات، وقضاء مستقل، وتصحيح مالي، وإعادة هيكلة في القطاع العام والقطاع المصرفي، وغيرها التي باتت معروفة. بالتالي من غير المستبعد أن تكون مساهمة في إشاعة الأجواء عن انخفاض قريب للدولار، لتحقيق أهداف سياسية ومالية ربحية”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية