لا نسكر في انتصاراتنا، ولا حتى نعد كؤوسنا عندما نسكر، “ويللي بدو يسكر ما بيعدّ قداح”، هكذا نقول في الضيعة، وطلابنا يسكبون خمرتهم النضالية في جامعاتهم، يفعلون ما عليهم، وما عليهم الكثير الكثير وهم يفعلونه، دائماً يفعلون وبزيادة ولو لم يكونوا كذلك لما شقعوا انتصاراتهم المتتالية على مدار السنين الأخيرة خصوصاً في غالبية الجامعات والكليات.
ستقولون نحن نبالغ. نحن نبالغ؟ طيب ادخلوا أرشيف تلك الجامعات واجمعوا واطرحوا واضربوا واقسموا أرقامها، لن تجدوا نجاحات متراكمة كما هي نجاحات هيئة الطلاب في القوات اللبنانية على مدار السنين، ليش؟ سنقول لكم “ليش” بلغة الضيعة مرة أخرى، أو لماذا باللغة العربية الفصحى الأنيقة. لأن نجاحنا هو ابن النضال المتواصل، نجاحنا ثمرة جهد طلاب ولاد الضيعة وأبناء المدينة على حد سواء، حين يجتمعون على قضية واحدة اسمها القوات اللبنانية، وقضية القوات اسمها حرية لبنان وكيانه المستقل ورسالته الإنسانية العظيمة وسيادته وشرفه. قضية الطلاب لا تتجزأ عن قضية القوات، هم واحد، قلب واحد يخفق في كل المحافظات والقرى والمدن، وقلب الحكيم يهتف لهم بشكل استثنائي، الى درجة يكاد يشعرنا بالغيرة منهم!
إي والله أنا أغار من طلاب القوات اللبنانية، من هيئة الطلاب مجتمعة وفرداً فرداً! ليس لأنهم فقط هيك جمرة قلبو للحكيم، كما نقول بالضيعة أيضاً وأيضاً، ولكن لأن لهم ساحات نضال وهم يناضلون بعنفوان بقوة بحماس باندفاع غريب استثنائي، كما كنا نفعل وان اختلفت قليلا الظروف فيما بيننا، يشهّوننا على المواجهة، على التحدي الإيجابي وحتى على تحدي السلبيين الكثر المنتشرين في جامعاتنا.
هناك، في ساحات الجامعة وفي مقاهيها وعلى مقاعدها نعود ونشتاق لزمن النضال الصعب المستحيل أحياناً، يوم كان الاحتلال السوري وعملاؤه يفرضون إيقاع الإرهاب والقمع حتى القتل، ومع ذلك كان نضالاً جميلاً، بريئاً لأنه لم يتدنّس يوماً بحب الظهور، ولا بتلك الأنانيات العابرة ولا بأهداف التملّك أو السطوة وما شابه. نضال صاف خلّاق جميل، كما يفعل طلابنا اليوم في جامعات لبنان كافة. هي مشاعل تتنقّل من جيل لأجيال، ومع ذلك أريد أن أعود الى مقاعد النضال تلك، اشتاق لأكون طالبة أناضل وأسهر ليلاً نهاراً لرفع الشعارات، ومساعدة الطلاب في مشاكلهم، وللترشح أيضاً وإلى كل ما له علاقة بالانتخابات الطلابية، وفي آخر المطاف نجتاح الجامعات بصراخنا المنتصر، ونعلن للجميع صوابية أهدافنا، وأننا لو لم نكن نسلك الدرب الصحيح، لما وصلنا ومن حولنا هذا الكم الهائل من الزيف والخديعة والدجل والاحتلال أولاً وآخراً.
يوم كان رمزي عيراني ورفاقه الكثر يواجهون الاحتلال السوري، كانت الملاحقات تصل الى درجة الاستدعاء الى مكتب ذاك المتواطئ مع سفاح الشام على أبناء بلده، واستشهد رمزي واستشهد كثر لأنهم حملوا قضية لبنان حر من مقاعد الجامعة الى نقابة المهندسين الى كل النقابات وساحات لبنان، لكن على الرغم من القتل والاعتقال انتصر طلابنا يومذاك وهُزم العميل والمحتل. تغيّر المشهد قليلاً، لكن صار الاحتلال أخطر بكثير، والعملاء أبشع بعد، عملاء بهيئة رسمية ووجوه ترسم علامات البسمة وهي تخطط لموت لبنان على مدار الثواني، ونحن نواجه، في كل الاتجاهات، من البرلمان وصولاً إلى الهيئات الطلابية في جامعاتنا العريقة، التي حوّلوا بعضها إلى أوكار لبث سموم الأفكار التضليلية المدمرة لحضارة وعراقة وكرامة لبنان، وطلابنا يواجهون، أليسوا أبطالاً؟
أراهم صبايا وشباباً متل قلب النهار، يشرقون على ليل هذا الوطن المنكوب المجرّح بالخيانة، ويرسمون لنا مشهداً مغايراً لكل تلك الانكسارات المتتالية المدوية. حتى لو لم ينتصروا أراهم منتصرين، لأنهم يصنعون لنا مشهديات مواجهة مغايرة عن كل تلك الاستسلامات بالجملة، المدوية ذلاً وعاراً في المشهد السياسي اللبناني الهجين على عراقة لبنان وكرامته وتاريخه. في كل مشهد انتصار أراهم، في كل صرخة عز أسمعهم، في كل صرخة غضب أرى وجوهم تضج بأغصان الأرز، هم أغصان الأرزة وفروعها، لانهم هم الجذور التي ستنمو ومعها سيعود ويخضرّ لبنان، ولا أراهم اقل من ذلك أبداً، وانا لا أبالغ لأنهم هم ومن يشبههم بذاك الجبين العالي، هم مستقبل هذه الأرض.
أعرف أنهم سيجتاحون جامعات لبنان كافة، وأعرف أنهم سواء فعلوا أم لم يفعلوا، هم هناك في قلب قلب النضال لأجل أفكار كبيرة نبيلة سامية، لأجل قضية القوات اللبنانية على مدى مساحة الوطن وحتى الاغتراب. أحب أن أراهم وأراقب حركتهم واقرأ أخبارهم وأكتب عنهم أيضاً، وحين أفعل لا أعود أسيطر على قلمي لأن لغة القلب تسبقني، واكثر اكثر ما أحبه بعد، حين يقدّمون نصرهم للحكيم، فيغمرهم بتلك البسمات الخافقة الرامشة على الإعجاب والفخر بهم، وكلنا يعرف أن طلاب القوات قلب الحكيم، فيغمرهم بعيونه قبل ساعديه ويجلس بينهم طالب طب لم يكمل اختصاصه لان الحرب والدفاع عن الأرض ندهوا عليه ولم يتردد لحظة في أن يلبي النداء، وهم أيضاً ينده عليهم الوطن في جامعاتهم وساحاتهم ومدنهم وقراهم ويلبون وإن بطريقة مختلفة.
يا رفاق ليتني أعود طالبة مثلكم في القوات اللبنانية، وأعلن صرخات الانتصار على تلك الوجوه البائسة التي تحاصرنا بالموت والعار، ولا بأس أيضاً في أن أنال واحدة من بسمات الحكيم تلك، التي تعلن عليكم أكثر من المحبة، الامتنان والفخر والاحترام.