لم يعد يُخفى على أحد مراهنة رئيس الجمهورية ميشال عون على ملفات “من هنا وهناك”، لمحاولة تعويم نهاية عهده وتسجيل إنجازات قبل خروجه من قصر بعبدا في 31 تشرين الأول الحالي، بعد ذلٍّ تاريخي واقتصادي وسياسي واجتماعي شهده اللبنانيون خلال 6 سنوات.
فبعد محاولته تعويم العهد والتيار الوطني الحر على ظهر مركب ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بوساطة أميركية، أبلغ عون رئيس النظام السوري بشار الأسد “حرصه على بدء مفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود البحرية الشمالية”، وفق تصريح مسؤول رسمي لبناني لوكالة رويترز، ليُقابل بـ”عدم حماسٍ” من الجانب السوري، مع إلغاء حكومة النظام، الاثنين الماضي، زيارة الوفد اللبناني المقررة اليوم الأربعاء، بذريعة أن “الوقت غير مناسب لمثل هذه الزيارات”، بحسب مصدر دبلوماسي للوكالة ذاتها.
واعتُبر الرفض السوري إذلالاً للسلطات اللبنانية وحلفائها، خصوصاً بعد تشكيل وفدٍ ضمَّ وزيرَي الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، والأشغال العامة والنقل علي حمية، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وعضوَي مجلس إدارة هيئة قطاع النفط وسام شباط ووسام ذهبي، وسط معلومات متضاربة حول وجود شخصيات عسكرية بينها رئيس مصلحة الهيدروغرافيا في قيادة الجيش المقدم البحري عفيف غيث.
وعليه، تُطرح تساؤلات عدة حول تزعزع العلاقات بين سوريا وفريق الممانعة بعد الترسيم مع إسرائيل، وعن رفض الأسد تعويم عون عبر إنجاز في آخر عهده.
العميد الركن المتقاعد الخبير الأمني خالد حمادة، يوضح أن “عون كعاداته، يريد فتح ملفات ليعود إليها لاحقاً في المستقبل، إذ يخرج من السلطة صورياً في 31 تشرين الأول مع انتهاء ولايته الرئاسية وخروجه من قصر بعبدا، إنما فعلياً يأخذ الحالة السياسية وتحالفاته إلى الرابية”.
ويشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “عون يريد قضايا يتكلم عنها في الرابية، لتذكير اللبنانيين بإنجازاته وكأنه أوّل من طرح الموضوع، وليجاهر أيضاً بمُساءلة السلطة التي ستخلفه ويذكّرها بمتابعة الملف. علماً أن ملف ترسيم الحدود البحرية الشمالية يعود فتحه للعام 2011، بالإضافة إلى أن السلطات اللبنانية لم تعترض العام الماضي على منح سوريا ترخيصاً لشركة طاقة روسية لبدء عمليات التنقيب في منطقة متنازع عليها”.
ويضيف، “النظام السوري استاء من ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لأنه لم يكن له أي دور أو مصلحة، ما أضرَّ بالعلاقة بين النظام وحزب الله”، موضحاً أن “رفض استقبال الوفد اللبناني، ردّة فعل من الجانب السوري أو بالأحرى رسالة إلى الحزب، بما معناها: وقّعتم على اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل من دون الرجوع إلينا، بالتالي لا تستطيعون استخدامنا الآن لتعويم أنفسكم، إذ إننا (مش غيب الطلب)”.
ويلفت حمادة، إلى أن “الرفض السوري اعتُبر بمثابة إذلال أو صفعة للرئيس والدولة اللبنانية، بعدما قرَّر عون إيفاد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب رئيساً للوفد اللبناني إلى دمشق، لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين، في ضوء الاتصال الهاتفي الأخير مع نظيره السوري، لترفض حكومة النظام بكتاب خطيّ استقبال الوفد”.
وفي ما يتعلّق بترسيم الحدود البرّية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، يقول، “عون لا يجرؤ على طرح الموضوع، لأنه مرتبط بوجود المقاومة. كما أن سوريا لا تريد الاعتراف بلبنانيّة مزارع شبعا، لأنها تبرِّر العمل المسلح ووجود الحزب، مما يشكّل اتفاقاً من تحت الطاولة بين النظام السوري والجمهورية الإسلامية في ايران. بالتالي، موضوع الترسيم البري يُعتبر من المحرّمات لعون ويغضب حليفه الأول حزب الله”.
ويؤكد حمادة، أنه “لو كان هناك رئيس سيادي خلال عهد الرئيس عون، لكان لجأ إلى الأمم المتحدة وقانون البحار مثل أي دولة في العالم تريد تحصيل حقوقها البرية أو البحرية، وبناء علاقة مع سوريا على أساس القانون الدولي لا الزبائنية. إنما عون فضّل علاقات حزب مسلّح مع النظام السوري على حساب المصلحة الوطنية والسيادية”.
وعن توسّط روسيا واستعدادها لمساعدة الجانبين، إذا حصل أي نوع من العوائق التقنية، وفق مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية أمل أبو زيد، يشدد حمادة، على أن “الحديث عن وساطة روسية اليوم يعتبر كلاماً لا قيمة له، مع عدم وجود أي طلب رسمي من لبنان أو سوريا”.
ويرى، أنه “في حال توسّطت روسيا في المفاوضات البحرية بين الجانبين اللبناني والسوري، فإنها لن تقارب الموضوع من جهة علاقتها بالنظام السوري، إنما كدولة كبرى موجودة في شرق المتوسط وتريد أن توسع دائرة تحالفاتها”، موضحاً أن “موسكو تستطيع الضغط على النظام السوري ليُطبّق القانون الدولي، كما أنها من الممكن أن تستفيد من الترسيم إذا أقدمت شركات روسية على التنقيب في المربعات اللبنانية المحتلة”.
ويشير إلى أن “علاقة لبنان مع الدول الغربية لن تتأثر دبلوماسياً إذا دخلت روسيا على خط المفاوضات البحرية، على الرغم من اضطراب علاقة موسكو بحلف الشمال الأطلسي (ناتو) نتيجة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لأنه بطبيعة الحال حجم لبنان ودوره وتأثيره على الساحة الدولية، لا يعتبر عاملاً مؤثراً في ميزان العلاقات بين الدول الكبرى”.