“تسونامي” جوع وذلّ وتهجير… العهد بالأرقام

حجم الخط

“ليش فاتح حرب علينا؟”. سؤال يعبّر عن أحلام محطّمة وآمال بائسة وروايات حملت أوجاعاً وصعوبات، خلال 6 سنوات، من جيل طمح بالقليل فحورب بالكثير، على لقمة عيشه وهوّيته وكرامته، وحتى صحته. جيل ارتفعت نسبة يأسه واكتئابه وفقره، وتضعضع أمنه وتفاقمت معه حالات الجرائم والانتحار وتعاطي المخدرات. ناهيك عن انهيار الاقتصاد وتدهور سعر الصرف وإفلاس المؤسسات، ممّا رفع نسبة الهجرة.

“يا للعار”، بلد كان الـ”سنتر التجاري” للشرق الأوسط، وبعدما افتُتحت فيه مؤسسات وفروع لشركات عالمية عدة، أصبح اليوم “مدينة أشباح” مفلسة. فأي مؤسسة تجارية تتحمَّل عبء الوضع الراهن؟ الدولة الفعلية، يا رجال اللا دولة، تحترم حقوق وحاجات شعبها، وتملك خطة دعم للمؤسسات والمصالح، لتأمين استمراريتها والحفاظ عليها وعلى دورها في الدورة الاقتصادية

ومن المخزيّ، أن يشهد اللبنانيون على انهيار سلسلة مؤسسات محلية تقفل أبوابها إلى اللا عودة، في الوقت الذي تعوّدوا فيه على صالاتها التي “عجّت” بالزبائن، إذ بلغ عدد هذه المؤسسات 12 ألفاً من أحجام مختلفة، وفي قطاعات عدة، وفق ما يؤكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني.

12 ألف مؤسسة تضم كل واحدة منها أجراء وعمالاً انضموا إلى قافلة البطالة، مع انعدام الأمل في إيجاد فرص عمل داخل مؤسسات وشركات أخرى، لأنها “ع قد حالها”، في ظل الوضع الاقتصادي المنهار. و”الصدمة” أن نسبة البطالة في لبنان ارتفعت 16% من العام 2016 حتى العام 2022، بعدما كانت 22% قبل العام 2016 وأصبحت 38% في العام 2022 الحالي الذي لم يسدل ستارته بعد، بحسب شمس الدين.

والبطالة في عز “عهد الأزمات” تدفع الأسر إلى الاستدانة، ما يزيد من معدلات الفقر النسبي، وسط كثرة المصاريف في ظل انهيار الليرة مقابل الدولار. فضلاً عن “استشراس” واستغلال التجار لهذه الأزمة، في غياب تامٍّ لرقابة الدولة على أسعار السلع والمواد وغلاء المعيشة، من دون أي مدخول في المقابل، بحيث بات 55% من الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر بعدما كانت النسبة 30% قبل العام 2016، كما يؤكد الباحث ذاته.

صدق الفيلسوف أرسطو بقوله، “الفقر هو أصل الثورة والجريمة”، إذ شهد لبنان ثورة شعبية عابرة للأديان والمناطق، و”شمَّر الشعب عن زنوده” في 17 تشرين الأول العام 2019، ليقول “لا” بوجه من واجه أحلامه. لكن للأسف أطفأَتْها عوامل صحية واجتماعية وسياسية بعد نحو 6 أشهر، ليحلَّ الشقّ الآخر من مقولة أرسطو، الجريمة.

لبنان أضحى ساحة لارتكاب أفظع أنواع الجرائم، جثث مرميّة في الحقول، تنكيل، تشويه، خطف، سرقة لتأمين قوت العيش، بيوت دعارة “بالجملة”. وما أكثر “كارتيلات” المخدرات التي تضرب الإنسان في زهرة شبابه وتخدّر القيم الاجتماعية والأخلاق. وكيف للشعب أن يستغرب احتلال بلاده الصدارة في قائمة أكثر البلدان تعاسة واكتئاباً، وكل يوم يستفيق على خبر انتحار أو أكثر؟

أمام هذا الواقع المرير، اختار اللبناني الحلَّ الأصعب، بعدما قال رئيسه “للي مش عاجبو يفلّ”، فهاجر، تاركاً وراءه بيته وبيئته ومحبِّيه وكل ما حاول بناءه طيلة أيام عمره، ليبحث في الغربة عن إنسانية لم يعشها، وكرامة ولقمة عيش تكفيه ولو “ع قده”. وبلغ عدد المهاجرين الشرعيين في لبنان 215 ألفاً منذ بداية العام 2016 حتى العام 2022″، وفقاً لشمس الدين.

“حتى الأطفال لم ينجوا من لوعة الهجرة”، إذ خلصت نتائج دراسة أعدَّتها الـ”يونيسيف” تحت عنوان “تأثير الفقر متعدد الأبعاد على الأطفال في لبنان”، أن الأطفال يدركون تماماً تأثير الأزمة على حياتهم وتطلعاتهم، وعلى مسار الدولة. بالتالي، تلاشت أحلامهم بمستقبل أفضل في لبنان، وأصبحوا يعتقدون أن الهجرة هي الأمل الوحيد.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل