“يوم رحيل العهد هو يوم حزين ولا يجب أن نحتفل”، قالها سمير جعجع، وأصدر مذكرة حزبية تطلب من الرفاق كافة عدم الاحتفال. لم يفهم المحازبون والمناصرون ذاك الكلام بداية، وزعل بعضهم وطلبوا من الحكيم أن يسامحهم إذا لم يلتزموا بالمذكّرة – لكنهم فعلوا – لأن فرحهم برحيل العهد فاق أي منطق عقلاني آخر. لكن الحكيم قال عبارة “إنه يوم حزين في تاريخ لبنان”، ليس لرحيل ميشال عون، إنما لما تركه العهد من ويلات ومصائب غير مسبوقة في تاريخ الأمة.
كان يوماً سوريالياً إذا جاز التعبير. ليس مسموحاً أن نكتب بشخصانية عما حصل، ولكن ليس مسموحاً أيضاً أن نغض الطرف عما حصل، وأن نكون شهود زور ونتغاضى عن المشهد المريب الذي عاشه اللبنانيون، وما حصل لا يحصل الا في بلدان شعبها مشبع بالويلات، منهك حتى الانفصام المرضي. لم يحصل أن احتفل شعب برحيل جلاده، لم يحصل أن عاش جزء من الشعب حال نكران غير مسبوقة، إذ جعلوا ممن كان جزءا لا يتجزأ من المنظومة الفاسدة المتحكمة، الضحية وباقي الشعب الجلاد!
رحل ميشال عون وترك أولاً وآخراً شعباً واقفاً عند طوابير السفارات والخبز والبنزين والدواء والمستشفيات والمصارف، على العتمة وحيداً، مضرّجاً بالألم والهمّ، خاسراً كل ودائعه وإمكانياته الإقتصادية والمعيشية، والكثير الكثير من كرامته وعنفوانه. لا يربى الجوع مع الكرامة، الذل ربيب الجوع والفقر، ولبنان أحنى رأسه لأزماته التي تفوّقت على قدراته بالمواجهة.
المواجهة؟ كيف تواجه سلطة متحكمة بفسادها، تخرج الى العلن معلنة حربها على الفساد؟ هو الإعلام الفاسد الذي حوّل أنظار بعض اللبنانيين عن حقيقة من هو بطل فعلاً ومن هو البطل الوهمي في لبنان.
ودّع لبنان صورة وهمية عن بطل مفترض، والواقع أن “لا في خيّالة ع الخيل ولا في بطل جايي”، “والبطل” إياه لم يكن إلا واحداً من أبطالٍ كثر في مسلسل التدهور غير المسبوق الذي يعيشه المحسوبون على البطل كما كل اللبنانيين، ومع ذلك احتفلوا لرحيله!
أراد العونيون أن يعلنوا “فرحهم” المفترض لخروج زعيمهم من القصر، خروج أثبت أنه ما كان يوماً إلا لهم وليس للشعب اللبناني بأسره. دخل رئيساً للجميع، هكذا افترضنا، وخرج وحيداً معهم ولهم في وجه كل لبنان. ليست نهاية جميلة منشودة لمن جعل من نفسه على مدار أكثر من 35 عاماً “منقذاً” للمسيحيين، وإذ معه يغرق المسيحييون والمسلمون في عهد ظلامة لم يعهده لبنان الكبير منذ نشأته. وهنا نعود الى كلام الحكيم “هذا يوم حزين في تاريخ الوطن”، حزين ليس لفراقه، ولكن لغياب كل مقومات دولة كانت لتليق بوطن اسمه لبنان.
خروج العهد أثمر أولى نتائجه، استرجاع لبنان لأكبر ودائعه، الأمل.