استبشرنا خيراً عند إعلان إعادة إعلاء أعمدة حزب الكتلة الوطنية الذي ترأسه العميد ريمون إده على مدى نصف قرن من العام 1949 حتى وفاته في العام 2000، كما أمل الكتلويون أن تكون المجموعة التي اشترت “آرمة” الحزب ستلتزم مبادئه ومسيرته وتعيد لم شملهم للعب دورهم الوطني الرائد إلى جانب القوى السيادية استكمالاً للمسار الذي اتخذه العميد كارلوس إده، من دون أن تجري رياح الكتلة الحالية كما يشتهي الكتلويون الذين لم يدركوا آمالهم، فاحتفظوا بالمبادئ وتخلّوا عن الآرمة التي لم تعد تعكس تاريخهم.
هذا السرد المختصر للمسيرة المتعسرة لحزب الكتلة الوطنية الجديدة يهدف إلى الإضاءة على النتائج المخيبة التي أدّت إليها السياسة الإلغائية التي اعتمدتها الكتلة والإلتحاق بنهج “كلن يعني كلن” الذي اعتمدته بعض أطراف الثورة في تعميم مرادف للتعتيم وتغييب المسؤولين الفعليين عن المآسي التي حلّت بلبنان منذ تولّي المنظومة الحالية مقاليد الحكم وخاصة في عهد الرئيس السابق ميشال عون.
بعض ما جاء على لسان إحدى الآنسات التي نطقت بلسان الكتلة بكلام موحى به في برنامج “صار الوقت” مساء الأحد الماضي يندرج في سياق وضع جميع الأطراف السياسية في الخانة نفسها وتحميلها المسؤولية بالدرجة نفسها وهذا ما لا يستقيم مع العقل والمنطق ولا ينتج تغييراً سليماً للواقع المأسوي انطلاقاً من تغييب وتجهيل الفاعل. كما يشكّل هذا النمط الشمولي رفضاً للديمقراطية وضرباً للنهج المؤسساتي ومبدأ الثواب والعقاب ويتطابق مع رغبة المنظومة برأسيها الرئيسيين، أي حزب الله والتيار الوطني الحر في تبرئة نفسيهما من “دم هذا الصدّيق”.
لننتقل إلى الوقائع الحسيّة التي تدحض الإدعاءات الناجمة عن أحقاد فارغة عبثية على كل شيء، فالإفلاس الفكري والسياسي في خطاب هؤلاء أدّى إلى الفشل في إقناع الشعب اللبناني الذي منح القوات اللبنانية 19 نائباً مقابل صفر نائب للكتلة الوطنية، أما في الإنتخابات الطالبية الجامعية فقد اكتسح طلاب القوات الجامعات مقابل غياب تام للكتلة عن هذه الفئة الشبابية، وهذا إن دلّ على شيء فهو الوعي والإرادة لدى اللبنانيين في اختيار الفريق الثابت في خطابه ومبادئه وجرأته في التسمية لا الفريق الذي لا يميّز بين الصالح والطالح، هو دليل ثقة بمن دخل إلى السلطة وقدّم نموذجاً راقياً وعادلاً ونزيهاً في ممارستها من دون أن ينغمس في لوثتها ومن دون أي شبهة أو شائنة، وهو دليل على رفض الوعود الفارغة والآمال المزيفة وشيطنة الجميع كما فعل التيار الوطني الحر الذي كان أشطر من الكتلة الوطنية الجديدة وكل خطاب يشبهها في البروباغندا واستطاع خداع قسم كبير من اللبنانيين لوقت طويل حتى سقط في امتحان السلطة كما سقطت الكتلة ومثيلاتها “كلن يعني كلن” في الإمتحان أمام الشعب.
ختاماً، وإحقاقاً للحق، وفي العودة إلى مبادئ العميد الراحل ريمون إده، نسأل الكتلة الجديدة أين أنتم من مناداة العميد بالدولة العادلة والقوية ومؤسساتها الشرعية ورفض السلاح غير الشرعي المهيمن على قرارها السياسي والمسؤول عن انهيارها الإقتصادي؟ لا شك بأن العميد يرفض هذا المسار في مماته كما رفضه وواجهه في حياته، كما لا شك بأنه لا يعرفكم، ولا تعرفونه.