أثار اعتماد سعر الصرف الرسمي 15 ألف ليرة للدولار الواحد بدلاً من 1.507 ل.ل. المعمول به على مدى 25 عاماً، على بعض السلع المستوردة وتحصيل الضرائب، زوبعة وهلعاً “معيشياً” يوم الإعلان عنه في 28 أيلول الماضي، مع عدم قدرة اللبنانيين أساساً، على تأمين قوت يومهم واحتياجاتهم الأساسية في ظل جنون الدولار الأسود الذي تخطّى الـ40 ألفاً في السوق الموازية الأسبوع الماضي.
وعلى الرغم من إعلان وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، عن أن مصرف لبنان سيبدأ تطبيق هذا القرار بدءً من 1 تشرين الثاني، مرّت 5 أيام من الشهر الحالي، والقرار لا يزال حبراً على ورق، كما كل القرارات التي تتحمّس السلطة وتقرّها لتتراجع عنها لاحقاً بعد الاستفاقة من غيبوبتها، وإدراك أن الأوضاع الحالية غير مؤاتية بعد لاعتمادها.
وفيما يشعر اللبنانيون أنهم في ملعب التهويل الإعلامي بين “المالية” و”المركزي”، ويتخبّطون “نزول وطلوع” مع “يويو” الدولار خلال بضع ساعات فقط من إعلان هكذا قرار، تُطرح تساؤلات عدة حول أسباب عدم تطبيقه في موعده، وإلى متى تم تأجيله؟ بالإضافة إلى إمكانية اعتماد سعر صرف رسمي جديد غير الـ15 ألف ليرة.
الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، يؤكد أن “كل الأمور التقنية جاهزة لاعتماد سعر صرف رسمي جديد، إنما الأسباب الإدارية والسياسية الحالية تحول دون تطبيقه رسمياً، ومنها عدم اجتماع حكومة تصريف الأعمال والفراغ الرئاسي، بالإضافة إلى أن نسبة التضخم لا تزال مرتفعة واعتماده سيؤدي إلى ارتفع بعض الأسعار”.
ويتوقع حبيقة، في حديث إلى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، “اعتماده بداية العام المقبل أو إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، معتبراً أنه “وقت ضائع والسلطة بحالة ضياع في الوقت نفسه”.
ويوضح، أنه “من الممكن الرجوع عن هذا القرار واعتماد سعر صرف رسمي يتخطّى الـ15 ألف في حال استمر دولار السوق السوداء في الارتفاع”، لافتاً إلى أن “مصرف لبنان والجمارك اللبنانية والحكومة يستطيعون التوصّل إلى اعتماد سعر صرف موحد، إنما هذا القرار يحتاج إلى عرض كمية دولارات كبيرة أولاً، فيما المركزي ليس لديه هذه الكمية، وبالتالي الموضوع مؤجل”.
ويشير إلى أن “الانتقال من سعر صرف رسمي قدره 1507 ل.ل إلى 15 ألف ليرة للدولار الواحد، لا يعزز التهرب الضريبي أو التهريب، لأن له هدفين، الأول زيادة إيرادات الدولة، العاجزة عن القيام بالإصلاحات وتأمين الكهرباء والمياه وإصلاح البنية التحتية وغيرها، وذلك من خلال رفع الدولار الجمركي للحصول على إيرادات أكثر”.
“والسبب الثاني لاعتماده هو حماية الصناعات الوطنية والإنتاج المحلي، التي ستكون أرخص أو أوفر من المنتوجات المستوردة على دولار الـ15 ألف”، مشدداً على “شرط ألا يتم سرقة الإيرادات الجديدة التي ستحصّلها الدولة من خلال هذا القرار، لأنه (ما من كون عملنا شي)”، وفق الخبير ذاته.
وعن ارتفاع السحوبات النقدية من 8 آلاف إلى 15 ألف، يتوقع حبيقة ارتفاعها العام المقبل أي في آخر شهر كانون الأول الحالي.
أما عن تأثير هذا القرار على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فيؤكد أن “الصندوق يطالب بأن يكون للبنان موازنة جدّية، وذلك من خلال زيادة إيرادات الخزينة، لأن العجز في موازنة 2022 غير مقبول، وبالتالي سيكون هناك تصحيح للعجز في موازنة 2023 من خلال تخفيف الإنفاق وزيادة الإيرادات”.
ويلفت إلى أنه “في ظل عجز الدولة عن تخفيض الإنفاق وسط الوضع المعيشي والاجتماعي للبنانيين، فهي تلجأ إلى جني إيرادات أكثر عبر الدولار الجمركي وتحصيل الضرائب وإيرادات الخليوي وغيرها، وبالتالي القرار يُعتبر إجراء تصحيحياً لا بدّ منه”.
ويعتبر حبيقة، أننا “سننصل إلى سعر صرف موحد هو 25 ألف ليرة، وبالتالي اعتماد سعر صرف رسمي قدره 15 ألف هو أول خطوة نحو التوحيد”.