عون خارج القصر… ماذا بقيَ من لبنان؟

حجم الخط

كتبت جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1734

30 تشرين الأول 2022. وخرج ميشال عون من القصر الجمهوري. كان يُفترض أن تُطفأ النافورة على مدخله غداة تلك اللحظة، إلاّ أن الموعد تأجل حتى العاشرة من صباح الثلاثاء 1 تشرين الثاني. أُطفِئَت النافورة وأُنزِلَ العلم المنصوب فوق مدخل القصر الجمهوري عن ساريته.

هي ليست المرة الأولى التي يدخل فيها القصر عهد الفراغ وتجف بركة النافورة المطفأة بموجب الترتيبات البروتوكولية في القصر. لكن هذه المرة يبدو أنها ارتاحت من محاولات ضخ الحياة وري أرض الموقع المسيحي الأول الذي تحول على مدى ست سنوات إلى مجرد… حجر كما قال الرئيس السابق ميشال عون أمام حشود البرتقالي الذين جاؤوا لوداعه يوم الأحد 30 تشرين الأول «أخرج من الحجر لأعود إلى البشر»؟.

قبل 24 ساعة من موعد إنتهاء العهد دستوريًا، خرج ميشال عون من القصر بعدما كان أمضى ليلته الأخيرة في القصر الجمهوري أمس، محاطا بخيم نصبها انصاره في محيط القصر، الذي أعاد تسميته باسم قصر الشعب في خطوة استعادية لمرحلة 1989 -1990، التي انتهت بإخراج عون من القصر الجمهوري بالقوة، والتي لا مجال لاستخدامها، اذا تكررت تجربة تلك الأيام مجددا، تبعا لاختلاف الظروف والأوضاع السياسية… مشى على البساط الأحمر، أدى تحية الوداع وفق المراسم البروتوكولية المعتمدة، سلّم على الموظفين الذين رافقوا عهده في «الحجر» على مدى ست سنوات. والأكيد أن غالبية الوجوه تبدلت وفقاً للظروف والمعايير الشخصية ورغبات الصهر، فكان أن غابت وجوه، وأخرى حضرت «بالباراشوت» ووجوه فضلت أن تغيب عن أضواء «الشعبوية» في يوم وداع الرئيس. صدفة أم بداية نهاية عهد؟ الأسئلة عديدة وما قبل 31 تشرين الأول في قصر بعبدا ليس كما بعده في فيللا المطيلب!

ست سنوات من عهد انتهت… يا الله! ست سنوات من عمر شعب كبر فيها أضعاف أضعاف عمره قهراً وذلاً وفقراً، وأضعاف الأضعاف عنفواناً وكرامة وحرية في انتظار تلك اللحظة.. وجاءت.

ست سنوات من التدمير المبرمج لبنية الدولة وانتهاك حرمة السيادة وضرب الدستور والكوارث الإقتصادية والمالية والفساد السياسي والقضائي.

ست سنوات غرق فيها اللبنانيون بالعتمة. نعم العتمة الكاملة! و»مات أهلنا» و«أطفالنا» من الجوع… هل ثمة من يصدق؟!.

ست سنوات والوطن بلا سيادة وحدود مشرّعة على قوافل تهريب البنزين والمازوت والقمح والأدوية وأيضاً البشر من النازحين السوريين. ومن بقي من «الإنسان» المشلّع» الأفكار والهموم والهواجس فهو حتمًا يتنفس ليعيش بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا بنزين ولا خبز ولا وظائف ولا مدارس ولا جامعات… وحدها حقيبة الهجرة بقيت صامدة لتقتلع من كل بيت، نعم كل بيت فلذة الأحباء بحثاً عن وطن بديل ومستقبل واعد.

ست سنوات  من العهد القوي تعززت فيها سلطة سلاح «حزب الله» بتحالفه وإياه بعدما أمّنت له منظومة العهد التغطية الطائفية والسياسية المطلوبتين لممارسة مهمته «الإيرانية» محلياً وإقليمياً. في المقابل، وتقديراً «لخدماته» لها ولمشروعها أطلقت يده وأيادي أزلامه في المُحاصصات والمناصب والنفوذ – لا سيما داخل البيئة المسيحية – وصمتت حتى عن إتهامه الحليف الشيعي، أي رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بـ»البلطجي».

يوم دخل ميشال عون قصر بعبدا عام 2016 لم يكن بحاجة لأن يتعرف إليه بعدما كان مشى في أروقته وخطط من داخل غرفه ومكتبه الذي كان يسكنه لحروبه «التحريرية» و»الإلغائية» وذلك بين العامين 1988 و1990.

ويوم خرج منه «هربًا» في المرة الأولى في 13 تشرين الأول 1990 تحت وابل قصف طائرات ودبابات المحتل السوري تاركاً العسكر والضباط تحت رحمة الجزار السوري الذي أعدمهم بدم بارد، سلّم البلد للمحتل السوري.

وفي المرة الثانية حيث غادره دستوريًا في 31 تشرين الأول 2022 سلّم القصر للشلل والتعطيل وانتهاك الدستور، وأوكل البلد لقوة إحتلال جديدة تحت راية مقاومة الداخل بعدما أعلن أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله عن»إنتهاء الإجراءات والإستنفارات الإستثنائية» عقب إبرام لبنان وإسرائيل إتفاق ترسيم الحدود البحرية.

ست سنوات لم يترك العهد القوي «وبي الكل» «للصلح مطرح» ضرب بكل مكوّنات الوطن، إصطدم مع المحيط العربي، خان عهودًا واتفاقات وآخرها وليس أخيرها تفاهم معراب الذي غدر ببنوده وأخلّ بالتعهدات كرمى عيون «الصهر».

ست سنوات ما بقيت مصيبة إلا وحلت بالوطن وأعظمها إنفجار المرفأ و… كان يعلم ولو بطريقة غير مباشرة.

وفي يوم الرحيل كان الزحف البرتقالي الممزوج بالأصفر الإيراني والزوبعة… إنكار ما بعده إنكار… فماذا بعد؟

إنتهى عهد ميشال عون بالفراغ نفسه الذي عاشه لبنان الوطن والسيادة على مدى ست سنوات. خرج «من حجر» القصر الجمهوري  لينضم مع «المكملين معه» إلى المعارضة لكن ليس في مفهومها الوطني والسيادي، فهو وتكتله يريدون معارضة «المعارضة والسياديين والمستقلين». بمعنى آخر معارضة على قاعدة النكايات وضرب «الحليف» زبيب!

وأنا أراقب مشهد البرتقالي صفاً مرصوصاً على طريق قصر بعبدا نهار الأحد 30 تشرين الأول 2022 وصولاً إلى قصر «الجنرال» الجديد في الرابية، إستعدت ما قرأت على إحدى الصفحات للبطريرك الراحل الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير حيث كان يتوجه لأحدهم في إحدى الجلسات الخاصة: «ألا تعرف يا بني أن حب الذات يخرج بعد طلوع الروح بعشرين دقيقة»؟

في تلك اللحظة لم يفهم المخاطَب ما كان يعنيه البطريرك صفير. «اليوم أفعل. ها هم يتمنون لو يأخذون الزعامة معهم الى القبر»!

ما ينتظرنا بعد انقضاء عمر العهد القوي لن يكون أصعب مما كان عليه. والأكيد أن التاريخ وحده من سيحكم ويحاسب. لكن ما بعد 31 تشرين الأول 2022 لن يكون كما قبله، ولم يكن أصلاً في كل العهود التي مرت وكل الحروب التي نالت من عمرنا أعمارًا.

ماذا ينتظر اللبنانيين من تداعيات العهد؟ ربما الكثير من فلول الخيبات والإنهيارات المالية والإقتصادية، لكن إن ننس فلن ننسى أنه على رغم صعوبة وقهر هذه الأيام، لن نستسلم لليأس لأن التاريخ لا تصنعه الثرثرة السياسية، كما قال الأب البروفسور يوسف مونس وهو ليس فقط أحداثا متتابعة ولا ألعوبة بيد الحكام والرؤساء والزعماء. التاريخ هو بيد الله هو سيد التاريخ والزمن والمصائر».

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل