في الأسبوع الثاني للشغور في موقع رئاسة الجمهورية، تتجه الأنظار إلى الجلسة الجديدة لانتخاب الرئيس التي يعقدها مجلس النواب، غداً الخميس. ويطغى شبه توافق بين مختلف الفرقاء والكتل النيابية، بأنها لن تختلف عن سابقاتها كثيراً، إلا في بعض الشكليات التفصيلية ربما. بمعنى أن الجلسة المرتقبة لن تلد للبلاد رئيساً كما يتمنَّاه اللبنانيون، تبدأ مع انتخابه مرحلة جديدة، يأملون أن تخرجهم من الأزمة.
لكن يلاحظ أن ثمة تطورات طرأت على المشهد منذ جلسة الانتخاب الأخيرة. وهي إن لم تحدث تحوّلات جذرية، لكنها تحمل شيئاً من الحركة المختلفة على هذا الصعيد. إنما لعلَّه من المفيد عدم الغوص في الآمال تجنُّباً للخيبات، لأن المشهد يفيض بالتعقيدات التي لا تشي بقصر أمد الشغور الرئاسي، بحسب المعطيات المتوافرة حتى الآن.
ويلفت المحلل السياسي علي حمادة، إلى أنه “حصل في الأيام القليلة الماضية تطوّر جزئيّ في المواقف. ولا بدّ من التنويه والإشارة أولاً إلى منتدى الطائف الذي نظَّمته ورعته المملكة العربية السعودية في الـ(أونيسكو)، لأنه بعث برسالة واضحة وقويّة إلى كل المستوى السياسي اللبناني، لا سيما المستوى السياسي المعادي لعودة لبنان إلى الحاضنة العربية، بأنها موجودة ويجب أن تكون في حسابات الرئاسة وما بعد الرئاسة في لبنان”.
ويضيف، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “هناك تبدّلاً في الموقف بعد خروج الرئيس السابق ميشال عون من قصر بعبدا، بالنسبة لترشيح صهره ووريثه النائب جبران باسيل. والأمر واضح بعدما أعلن عون بشكل واضح أن باسيل هو المرشح، وكذلك فعل باسيل، وهي المرة الأولى التي يتعاملان فيها مع المسألة بوضوح تامّ ومن دون لفٍّ ودوران”.
ويعتبر، أن “هذا التطور يشعل الحرب بين الحلفاء بقوّة، بين باسيل والنائب السابق سليمان فرنجية، المرشح الآخر لحزب الله. بالتالي يُتوقَّع أن نشهد للمرة الأولى تصويتاً من ضمن فريق الحزب، أي تصويتاً عونياً، من خارج إطار الورقة البيضاء. وهذا لرفع مستوى المواجهة مع فرنجية، ولرفع الثمن الذي على حزب الله أن يدفعه في المرحلة المقبلة لقاء فرنجية، في حال اضطُّر باسيل للتراجع”.
لكن حمادة يستطرد، “من يعرف عون منذ سنوات بعيدة، يدرك أنه لا يزال حتى الآن مقتنعاً بأنه سيرث نفسه، أي أن باسيل سيرثه في رئاسة الجمهورية. وعون يقول بالفم الملآن لكلّ زائريه، منذ أن خرج من قصر الرئاسة، إن فرنجية لا يملك قوّة تمثيلية، وإن حزب الله ليس لديه حليف مسيحي موثوق وذات وزن سوى عون وصهره والتيار الوطني الحر”.
بالتالي، “عون سيقاتل ويذهب بعيداً في مسألة الفراغ والشغور الرئاسي والخلافات”، وفق حمادة، “لأنه يعتبر بأن حزب الله قادر على إيصال رئيس جمهورية، وبأنه هو، من خلال باسيل، صاحب الحق الأول من بين حلفاء الحزب للوصول إلى الرئاسة. وبناء عليه، من المتوقع أن يخرج التيار الوطني الحر عن التفاهم حول التصويت بالورقة البيضاء، التي هي استراتيجية يعتمدها حزب الله وحركة أمل لإنضاج تسوية رئاسية توصل فرنجية، باعتباره المرشح الحقيقي وفي العمق للثنائي الشيعي”.
ويستدرك المحلل السياسي ذاته، منوِّهاً إلى أن “فرنجية ليست لديه أصوات كافية في مجلس النواب للفوز بالرئاسة، حتى ولو افترضنا وقوف التيار الوطني الحر إلى جانبه، إذا ما أحسن الفرقاء الآخرون التصرُّف في جلسات الانتخاب الرئاسية”.
ويؤكد، أنه “في الخلاصة، خيار عون وباسيل هو الفراغ والشغور. وهو خيار من أجل ابتزاز كل الفرقاء بالنسبة لرئاسة الجمهورية، والضغط على حزب الله من أجل دعم باسيل للوصول إلى بعبدا. وعون لا يهتم، لا للمناشدات ولا للضغوط المحلية أو العربية أو الدولية. هاجسه وما يهمُّه هو البقاء في قصر بعبدا، من خلال باسيل، وقالها بصريح العبارة، إن الأخير هو الوحيد صاحب الحق”.
ويوضح حمادة، أن “حزب الله يفضِّل فرنجية، لأنه يعتبر أن تمديد مرحلة عون لم يعد ملائماً لمشروعه، لكنه ضنين بالتحالف مع التيار الوطني الحر ولا يريد أن يخسر غطاءه. بينما في المقابل، لا يملك عون وباسيل والتيار أي حاضنة سوى حزب الله الذي يستندون إلى دعمه، والذي يشكّل علّة وجودهم اليوم على الساحة، لا عدد النواب”، مؤكداً أنه “إلى أن تُحسم هذه المسألة، مشوار الفراغ والشغور الرئاسي طويل”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية