“جرّبت حظي ع الفاضي”، “الـmining ما بسدّدلي فاتورة الاشتراك”، “شو كان بدي بهالشغلة”، هذا أغلب ما يتم تداوله على لسان معظم من جرّب تداول العملات الرقمية و”ما نقشت معو”، إذ بعد لهفة غير مسبوقة خلال السنتين الأخيرتين على العملات المشفرة وآلات التعدين في لبنان، باعتبار أنها ملاذٌ آمن ومصدر سهل وسريع للحصول على الفريش دولار، فُقد حماس معظم اللبنانيين على تداولها.
وعلى الرغم من عدم توفّر أرقام رسمية أو محددة عن حجم التداول في لبنان، خصوصاً إذا كان عبر منصة أميركية أو أوروبية افتراضية لأن لا مركزية لها، تؤكد مصادر مسؤولة في شركة تُعنى ببيع آلات التعدين (mining) وتقديم استشارات عن العملات الرقمية في لبنان، أن عدد العملاء انخفض إلى أكثر من 50% خلال الأشهر الستة الماضية.
وتوضح المصادر، التي فضّلت عدم ذكر اسم الشركة، لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أن “سوق العملات المشفّرة اليوم منخفض عالمياً، وبالتالي ينخفض الطلب على تعدين وتداول العملات خوفاً من المخاطرة. إنما في لبنان، وبالإضافة إلى انخفاض السوق الافتراضية العالمية، لم يعد يكفي مردود التعدين لدفع فاتورة المولدات الخاصة لأنها تستهلك كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية والإنترنت”.
“آلة L3++ كانت الأكثر مبيعاً، على سبيل المثال، إذ كانت تستهلك حوالي الـ4 أمبير لتؤمن ربحاً شهرياً بين 250 و300$، لكن مع انخفاض قيمة العملات السوقية، بالكاد تؤمن اليوم حوالي 60$ شهرياً، ما لا يكفي لدفع فاتورة الكهرباء”، تشرح المصادر ذاتها.
الباحث في الاقتصاد خبير المخاطر المصرفية محمد إبراهيم فحيلي، يشير إلى أن “التعدين كان بمثابة ظاهرة انتشرت على صعيد واسع مع تأزم الأزمة الاقتصادية والطلب الكبير على الدولار، خصوصاً من قبل بعض الأشخاص في البقاع والجنوب، وفق الدائرة التي تتعاطى مع الجرائم السيبرانية في وزارة الداخلية”، مضيفاً أن “التجربة أثبتت لاحقاً أن التعدين لم يكن مُنتجاً في لبنان، مع الانقطاع المستمر للكهرباء وبطء الإنترنت”.
ويعتبر في حديث لموقع “القوات”، أن “ارتفاع نسبة الوعي لدى اللبنانيين في ما يتعلّق بمخاطر التداول الافتراضي أدى أيضاً إلى تراجع الضغط على شرائها”، محذراً في الوقت ذاته، من “الانجرار وراء المؤثرين عبر مواقع التواصل، الذين غالباً ما يقنعون الرأي العام أو المتابعين بالتداول الرقمي من دون ذكر المخاطر، ناهيك عن نشرهم أخباراً مغلوطة ومفبركة من دون مصدر رسمي”.
ولا ينصح فحيلي اللبنانيين حالياً بتداول العملات المشفرة، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، معتبراً أن “العروض مغرية لأنه يمكن تداول عملة رقمية بدءً من 10$، لكن احتمال الخسارة أكبر من الربح، لأن العملات الرقمية تتأثر مباشرة بتقلبات واضطرابات غير متوقعة”.
وعلى الرغم من زعم بعض المقالات أن للعملات الرقمية تأثيراً فعلياً على الاقتصاد اللبناني، وأن بعض التجار يسددون فواتير الاستيراد بالـ”بيتكوين” وغيرها من العملات، يشدد الباحث في الاقتصاد على أنها “حالات استثنائية جداً ولا تؤثّر على الكتلة النقدية بالدولار أو بالليرة اللبنانية، أو على طلب وعرض الدولار”.
في المقابل، يُؤمِن البعض بالاستثمار المُربح للعملات الرقمية على المدى البعيد، إذ تشير مؤسِسَة الجمعية اللبنانية للتحول الرقمي رندة الرفاعي، إلى أنه “يجب معرفة أي عملة يجب تداولها والاطلاع أكثر على المعايير المتخذة قبل استثمارها، بالإضافة إلى الغاية من تداولها، أكان يومياً أو على المدى البعيد”.
وتنصح الخبيرة والمستشارة بالبلوكشاين والعملات التشفيرية، الراغبين بتداول عملة معينة، بـ”البحث عنها مسبقاً، ومعرفة هوية الفريق أو الجهة التي تقف وراءها وعلاقتها بالمؤسسات الكبرى وأهدافها المستقبلية وغيرها، بالإضافة إلى استشارة أخصائيين في هذا المجال تجنباً لخسارة أموالهم، لأن سوق العملات الافتراضية لا يزال مضطرباً وغير مستقرّ”.
وتشير إلى أننا “كجمعية لبنانية نحاول نشر التوعية حول كيفية تداول العملات التشفيرية، لئلا يتحول إلى نوع من المقامرة، إذ هناك مجالات متنوعة يمكن لذوي الدخل المحدود الاستثمار فيها وفقاً لتطلعاتهم وخبراتهم، مثل الـNFT التي تسمح بتملّك أصل رقمي كصورة فنية أو فيديو أو أغنية وغيرها”.
وتوضح، أن “انخفاض الطلب على آلات تعدين العملات في لبنان لا يعود فقط إلى كلفة الكهرباء الباهظة أو بطء الإنترنت، إنما لأنه كلّما طال أمد التعدين زادت صعوبته، وبالتالي يحتاج الشخص إلى أجهزة إضافية للتشغيل بهدف المحافظة على موقعه في شبكة البلوكشاين، وتبريد الآلات التي تعمل 24/24 ساعة”.