كتبت لميا شديد في “المسيرة” – العدد 1734
1 تشرين الثاني الى الفراغ در!
الحاج: الدستور أصبح وجهة نظر
عجاقة: إصلاحات وإلاّ الجائعون الى الشارع!
حصل ما كان متوقعًا ومحسومًا، وها هو الشغور يحل في موقع رئاسة الجمهورية في ظل معطيات تشير الى أن فترة الفراغ لن تكون واضحة المعالم. فالتوازنات القائمة داخل المجلس النيابي تحول دون تأمين نصاب جلسة الانتخاب الذي يحدده الدستور بـ86 نائباً، بالإضافة الى أن المشهد المتكرر في جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية يعكس تعثرًا وصعوبة لدى أي جهة من القوى المتصارعة في تأمين أصوات 65 نائباً لأي مرشح، من دون توافق أو تسوية تسبق العملية الانتخابية.
هي ليست المرة الأولى التي يقع فيها لبنان بالفراغ الرئاسي، فقد دشن الرئيس أمين الجميل هذا الفراغ في نهاية ولايته في 23 أيلول 1988، حين غادر القصر الجمهوري من دون أن يسلّم الأمانة لرئيس يخلفه، فاستمر الفراغ 405 أيام وانتهى بإنجاز إتفاق الطائف وانتخاب الرئيس رينيه معوض الذي اغتيل في يوم عيد الإستقلال في 22 تشرين الثاني 1989، ليُنتخب بعده الرئيس إلياس الهراوي في 25 تشرين الثاني، أي بعد ثلاثة أيام.
وتكرر الفراغ الرئاسي بعد نهاية ولاية الرئيس إميل لحود لمدة 181 يومًا، من 25 تشرين الثاني 2007 حتى 25 أيار 2008، أي ستة أشهر حيث تم انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي أعقبه فراغ إستمر 889 يومًا، من 24 أيار 2014 حتى 31 تشرين الأول 2016، أي نحو سنتين وخمسة أشهر و9 أيام. وفي خلاصة الفراغ الرئاسي الذي عاشه لبنان منذ نهاية ولاية أمين الجميل يكون قد مرَّ على لبنان 1475 يومًا، أي نحو أربع سنوات و15 يومًا والكرسي الأول فارغ.
مع إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون ووسط الإستحقاق الرئاسي، يأمل اللبنانيون تبديد ملامح المعاناة والألم والوجع النابع من كل القضايا والأزمات الحياتية المتفجّرة التي شهدها العهد الماضي، عهد الأزمات على كل المستويات، من نفايات مكدّسة، إلى قطاع صحي منهار في ظل إنتشار الأوبئة والأمراض وهجرة الأطباء، وغياب الأمن الاجتماعي، وتلاشي قيمة العملة الوطنية وارتفاع أسعار السلع، وغياب أي تكافل اجتماعي، وركود اقتصادي لا مثيل له، وفساد إداري وشلل في كل المؤسسات والإدارات العامة، حيث لا كهرباء ولا مياه وشبكة إتصالات مترنحة مع إرتفاع أسعار المحروقات، وصولا الى أزمة المصارف وثورة المودعين لاسترجاع جنى عمرهم. كل ذلك من الصعب على اللبناني تحمّله وهو الذي اعتاد رفاهية العيش نتيجة السبل التي كانت مؤمّنة له.
إنه الفرج الذي ينتظره اللبناني من خلال إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس جديد قادر على حل المشكلات الكبرى في البلد ووقف التدهور والإنهيار الحاصل في الإدارات الرسمية ومؤسسات الدولة، وفي ما بقي لديها من خدمات هشة بغية الحؤول دون الوقوع في الفوضى الشاملة.
وعلى وقع عقد جلسات مجلس النواب المتتالية لإتمام الإستحقاق الرئاسي، تشهد الساحة السياسية حملات إنتخابية وبروباغندا سياسية من المرشحين ومكاتبهم لرسم صور ذهبية للعهد المقبل. ومن اليوم فصاعدًا كان يُفترض أن نكون على موعد مع محطات، تبدأ بانتخاب رئيس على أن تلي الإنتخاب جلسة قسم اليمين، الإستشارات النيابية الملزمة، تشكيل الحكومة فالبيان الوزاري، وغيرها من الإستحقاقات التي سيفرضها الواقع السياسي في البلد… لكن كيف ستكون حال اللبنانيين مع فراغ اعتادوه قبلاً إنما ليس في هكذا ظروف؟
المشهد السياسي في ظل الشغور
أمّا وقد بات الفراغ الرئاسي واقعًا، مع ما يحمل هذا الواقع من إنعكاسات سلبية على الصعد كافة، لا سيما على المستوى الاقتصادي، وهذا ما سيرتد على حياة المواطنين في ظل الصعوبات المعيشية والاقتصادية وما يليها مع تقليص عمل المصارف وسعر صرف الدولار وانهيار الليرة وارتفاع أسعار المواد الغذائية. فهل نحن أمام تفاقم إضافي للأزمات المعيشية والاقتصادية في ظل الشغور الرئاسي؟ وعلامَ سيستفيق اللبنانيون في الأيام الأولى من تشرين الثاني؟
جوابًا على ذلك، يعتبر عضو تكتل الجمهورية القوية النائب رازي الحاج، في حديث لـ»المسيرة» أن «فريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر يسعى للتأسيس لمرحلة ما بعد تشرين الأول في شكل واضح، وعلى قاعدة إما أن يحصل على ما يريده مدعومًا من حليفه الأساسي «حزب الله»، وإما الذهاب الى شغور رئاسي طويل وتصعيد وفوضى في حال لم يتم تأليف حكومة. وهذا الشرط يجعل من الفريق الآخر، شريكهم في الإدارة السياسية، أي الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري، يسعى إلى تشكيل حكومة في ربع الساعة الأخير، وتدوير الزوايا من خلالها. وهذا يعني أن هذه الإدارة السياسية تؤسس للفراغ الرئاسي وتعمل للتمديد لهذا الواقع الحالي وللإدارة السياسية الحالية. من هنا لا يمكن أن نتوقع إنفراجًا بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، في حال بقي عون وفريقه السياسي جزءًا من هذه الإدارة السياسية، وبالتالي قادرين على التحكّم بالسلطة عبر حكومة تؤمّن لهم كل شروطهم وطلباتهم.»
ورأى الحاج أن «ليس هناك ما يسمّى فراغًا على مستوى مسؤولية البلد. أي لا يمكن أن تكون هناك لحظة خالية من أي جهة مسؤولة عن شؤون البلد. وبالتالي المشترع عندما تناول موجبات وجود حكومة مستقيلة، اعتبر أن هذه الحكومة المستقيلة تستطيع بالمعنى الضيّق أن تمارس صلاحياتها. وهذا ينطبق على واقعنا في حال حصول شغور رئاسي. ومثال على ذلك أنه في حال كان هناك رئيس جمهورية موجود ضمن ولايته الدستورية وحصل إعلان إستقالة حكومة في عهده، وبعدها شاء القدر أن يتوفى الرئيس فجأة خلال مرحلة تشكيل حكومة جديدة، وحصول هذه الحالة قد يكون واردًا. وبالتالي ليس صحيحًا أن الحكومة المستقيلة لا تستطيع أن تتولى صلاحيات الرئيس. تمامًا كما يحصل اليوم حيث أن الحكومة المستقيلة في ظل وجود الرئيس عون تقوم بصلاحياتها فهي قادرة على الإستمرار بمسؤولياتها في هذا الإطار».
الحاج اعتبر أن أخطر ما في الأمر هو أن الدستور أصبح وجهة نظر من حيث أنه يجب أن يؤخذ بنظرته العامة والشمولية، حيث المشترع لا يعتبر من الممكن بلوغ دناءة سياسية بالشكل الذي وصلنا إليه اليوم. ففي النهاية، وعلى سبيل المثال في إنتخاب الرئيس، الدستور لم يعتبر أن هناك أفرقاء قد يتجهون لتعطيل جلسات إنتخابات الرئيس، وبالتالي في جلسة الانتخاب من البدهي والمفروض أن يحضر جميع النواب ويشاركوا في التصويت. فالدستور حدد معايير في الدورة الأولى لجهة حصول الرئيس على الأكثرية الموصوفة، والموصوفة أي 86 صوتاً، وفي الدورات اللاحقة الأغلبية المطلقة أي 65 صوتاً. على هذا الشكل وضع المشترع الدستور وهكذا يقرأ اللبنانيون غير المرتبطين بأجندات خارجية الدستور اللبناني.
ولم ينفِ الحاج وجود حركة خارجية دولية وعربية، «إلا أننا لا نستطيع قياس مدى سرعتها وعمق اهتمامها بالملف اللبناني. ومما لا شك فيه أن هذه الحركة تتمحور حول كيفية جعل لبنان وطناً مستقرًّا سياسيًا وأمنيًا وقادرًا على السير على سكة التعافي الاقتصادي. من هنا كان إصرارنا ودعواتنا المتكررة لضرورة انتخاب رئيس، باعتبار أن هذا الإستحقاق هو أساسي ومفصلي في هذا الإطار. ولا بد من الإشارة إلى أن الحراك الحاصل لا يمكن ترجمته باستنباط أسماء لا طعم لها ولا لون ولا رائحة. إنتخاب الرئيس كان يجب أن يحصل ضمن المهلة الدستورية. وأنا اليوم أجد أن هناك مسؤولية كبرى على النواب المعارضين للإدارة السياسية الحالية. وما حصل من عمليات الأخذ والرد والبحث عن آليات لا معنى لها. من هنا جاءت دعواتنا الى الزملاء من النواب المعارضين للتصويت للمرشح الذي حصل على أكثرية التأييد».
بين الشغور… والاقتصاد
اقتصاديًا ومعيشيًا الوضع لن يكون على أفضل حال في ظل التجاذبات والإنقسامات التي حالت دون انتخاب رئيس. ويبدو أن الأزمة ستطول في حال عدم تحقيق أي تفاهمات بين النواب الذين يتحمّلون مسؤولية الفراغ الرئاسي الذي وصلنا إليه.
في هذا الإطار، يشير الخبيرالاقتصادي البرفسور جاسم عجاقة الى أن «الدستور اللبناني أعطى حصرية القرارالاقتصادي للسلطة التنفيذية. وبالتالي هي التي تحدد السياسات بدعم من السلطة التشريعية وعدم إكتمال السلطة، إن لجهة رئيس الجمهورية أو لجهة الحكومة، يكون له تأثير سلبي على الوضع الاقتصادي من دون أدنى شك. والتردي الاقتصادي بات حتميًّا في ظل عدم إمكانية توقيع إتفاقيات مع صندوق النقد الدولي وغياب الإصلاحات. وهذا سينعكس حتمًا على الوضع الاقتصادي وخصوصًا على حياة المواطن اللبناني.»
وفي موضوع سعر صرف الدولار في ظل الشغور الرئاسي، يعتبرعجاقة أنه «لا يمكننا أن نتعاطى مع سعر الصرف وكأنه أمرًا منفصلاً بشكل كامل عن الشق الاقتصادي. فبحسب النظرية الاقتصادية العملة تعكس ثروة البلد ونقصد بها الاقتصاد من بين الأمور الأخرى من ثروات طبيعية وغيرها. أما الأهم فهو أننا نعاني من عجز هيكلي إقتصاديًا من ناحية الدولار لأن الاقتصاد يستهلك دولارات لا ينتجها. وعجز هيكلي على صعيد المالية العامة التي تستهلك دولارات لا تنتجها. وبالتالي من دون أي إصلاح على هذا الصعيد ومن دون أي مدخول بالدولار لن يكون هناك أي تعديل بل سنشهد تفاقمًا إضافيًا. وبالعودة إلى البيان الذي أصدره حاكم مصرف لبنان والذي أدى إلى خفض سعر الدولار، فهذا السعر لن يكون مستدامًا إلا في حال وجود إصلاحات. لذلك، من الصعب توقع أي سعر صرف للدولار، لكن ما يمكن تأكيده هو أنه عمليًا إذا كانت هناك إجراءات إصلاحية هيكلية سنشهد إنخفاضًا إضافيًا بسعر صرف الدولار، وإلا فإنه سيعاود إرتفاعه. وبالتالي فالأمر ليس منوطاً بالاقتصاد بل بالوضع السياسي وبقدرة الحكومة على القيام بإصلاحات.»
وعن إنعكاس الشغور على الوضع المعيشي قال: «في دستور الطائف الرئيس هو رأس السلطة التنفيذية، ولكن الإجراءات التي تتخذها الحكومة مجتمعة، إذا كانت هناك من إجراءات، قد يخفف من الإنعكاسات. ولكن في المطلق الشغور الرئاسي له تأثير سلبي على الثقة، ما يعني أن هناك عدم ثبات سياسيًّا، وبالتالي لا ثقة بالاقتصاد والثقة الاقتصادية هي جوهر أساسي. كل ذلك سينعكس على الوضع المعيشي، وفي كل الأحوال عدم إكتمال تكوين السلطة التنفيذية بالكامل هو مؤشر سيّئ وله تداعيات على الاقتصاد. أما على مستوى القطاع التجاري، فلا خوف على التجار الذين نجحوا في تنظيم أمورهم وقد استفادوا ويستفيدون مما يحصل في سعر صرف الدولار بشكل كبير.
وفي موضوع الكهرباء، أكد عجاقة «أن هذا القطاع بات يستهلك نصف إنفاق المواطنين والشركات، وهذا يعني أنه من دون حل للكهرباء سنكون أمام أزمة جوهرية مستمرة. يُقال إن هناك إتفاقات عدة في هذا المجال من أجل تلزيم شركة خاصة قادرة على توفير حل موقت لأزمة إنقطاع الكهرباء قبل الحل النهائي ببناء معامل، وبالتالي هذا الأمر عالق في السياسة لأن موضوع الكهرباء له حسابات سياسية معينة، وقد رأينا أن الحكومة، ومن خلال قدراتها برفع التسعيرة، ستتمكن من شراء الفيول، ولكن هذا الأمر دونه عقبات بسبب رفض بعض الافرقاء لهذه الفكرة، وليس واضحا إذا كانت الحكومة ستتمكن من تخطي الإنقسامات السياسية وتلزيم قطاع الكهرباء لشركات خاصة بعد فشل القطاع العام على هذا الصعيد.»
وختم: «في ظل عدم إستقرار سياسي وعدم إكتمال السلطة التنفيذية بشغور موقع رئاسة الجمهورية، لا يمكن تحديد أي توقعات للمشهد الاقتصادي في المرحلة المقبلة، خصوصًا في حال أخذ الدولار منحًى سلبيًا، فهذا بالطبع سينعكس في شكل مباشر على الوضع المعيشي في ظل ضعف الرقابة على صعيد ضبط الأسعار ومكافحة الإحتكار. وهذا قد يدفع المواطنين الجائعين للنزول إلى الشارع، وعندها ستكون الثورة عنيفة، وكل ذلك سيكون متوقفًا على الدولار المرتبط بحد ذاته بالإصلاحات وبالواقع السياسي في لبنان.»
من الواضح أننا مقبلون على إستمرار الكباش السياسي بشكل علني وحاد، على اعتبار أن التسوية الكبرى لم تنضج بعد. والصورة التي بدأت تتوضح أكثر فأكثر، تُظهِر أننا سنكون أمام نشوء معسكرات دستورية وقانونية بعضها لإثبات شرعية الحكومة وبعضها لإثبات إغتصابها للسلطة. وقد يترافق ذلك مع تعطيل حركة الحكومة الى الحد الأدنى، ما قد يستدعي تدخلًا دوليًا لوضع حد لتدهور الأمور، والبحث جدّيًا عن مخرج لانتخاب رئيس خوفًا من الإنزلاق الأمني والفوضى الشاملة.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]