“القضية” تجذّر وصمود من قنوبين الى الـ2022

حجم الخط

ترسّخت القضيّة اللبنانيّة في الأذهان على أنها قضيّة الحفاظ على الوجود الإنساني كفعل في هذه البقعة من الأرض التي تبلغ مساحتها الجغرافيّة اليوم 10452 كيلومتر مربعاً، وتمتد إلى أصقاع العالم الأربعة، لتكون حضوراً فاعلاً أينما حلّ الإنسان اللبناني. وأثبتت التجارب عبر التّأريخ أن شعبنا شعبٌ حيٌّ لأنه استطاع عبر الأجيال الحفاظ على قضيّة عيشه قيم الحريّة، حتى عندما انحسر وجود الأمّة اللبنانيّة في وادي قنّوبين في جبّة بشرّي طوال أكثر  من أربعة قرون.

ولأنّ هذا الشعب، المسيحي منه بالذات، استطاع أن يحافظ على حريّته، نجح اليوم في أن يحوّل اللبنانيّين كلّهم إلى خميرة لسائر الشعوب، إذ لم يعد ممكناً القفز  فوق الانتشار اللبناني الذي حمل قضيّة الحريّة في قلبه أينما وجد، ونشر الفكر اللبنانويّ القائم على العيش مع الآخر المختلف وعلى أسس فلسفيّة واضحة لصيرورة الحياة.

وما بين السيرورة والصيرورة بقيت القضيّة اللبنانيّة حيّة لأن الشعب اللبناني، بمختلف انتماءاته الحضاريّة نجح بالحفاظ على هويّته الكيانيّة، ولو بعد مسيرة طويلة من الصراع مع الذات الوجوديّة. وما نتج عن هذا الصراع من ميثاق وطني جديد عُرَفَ بوثيقة الوفاق الوطني – الطائف – نجح بجعل القضيّة اللبنانيّة قضيّة سرمديّة لن تموت أبداً.

ما ميّز هذا الوفاق الوطني هو تثبيت صيغة المناصفة الحضاريّة المسيحيّة – الاسلاميّة في الكيان اللبناني. وما الصراع اليوم بين اللبنانيّين بمعظمهم ومجموعة مسلّحة من المجموعة الحضاريّة الشيعيّة، أي منظّمة حزب الله،  إلّا لأنّها نجحت باختطاف هذه الجماعة الحضاريّة اختطافًا أيديولوجياً، كما نجحت بنقلها نوعياً من تحت كنف الكيانيّة اللبنانيّة إلى ولاية الفقيه.

ناهيك عن تحوّل قسم من المجموعة الحضاريّة المسيحيّة بالذات نحو الشرق، عندما قرّرت هذه المجموعة التي باتت تعرف اليوم بجماعة عون – باسيل بالتخلّي عن قيمة الحريّة الوجوديّة التي ميّزت الأسلاف عبر تاريخهم الوجودي في هذه الأرض، وقرّرت أن ترضخ لمبدأ طلب الحماية من قوّة السلاح لأنها لن تألف يوماً المواجهة بل كان الهروب دائماً شيمتها الأولى.

هذه المسألة بالذات تركت عُطباً كيانياً في المجتمع اللبناني، ما أثّر سلباً في جوهر القضيّة اللبنانيّة. لكنّ وجود الفكر المقاوِم في صلب الكيانيّة اللبنانيّة والذي يجسّده اليوم حزب القوّات اللبنانيّة قد نجح بعمليّة استنهاض فكر القضيّة اللبنانيّة. وهذا ما تمّ ترجمته في صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابيّة الماضية. وبالطبع هذه مسيرة تصحيحيّة طويلة، اللبنانيّون الكيانيّون كلّهم مسؤولون عن استمرارها حتّى استعادة المسار الصحيح للقضيّة اللبنانيّة.

ولأنّنا شعب حيّ لا يموت، يعرف كيف يحفظ أمانة شهدائه، ويصون إرثهم بنقل هذه الأمانة إلى الأجيال على قاعدة أجيالٌ تُكْمِلُ أجيالاً، قضيّتنا قضيّة الإنسان والوجود والحريّة وفيها استمرار لحياتنا، لنبقى ونستمرّ. لذلك كلّه هي حيّة لا تموت. ولن نسمح بتدنيسها من أبناء الصّبحا، فهؤلاء مصيرهم الحبال على أشجار التين الغضّة. ونحن سنبقى حيث لا يجرؤ الآخرون، ولنا العلا، وأكاليل الغار، وقمم المجد.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل