ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة استمرار التشريع وعقد جلسات تشريعية في مجلس النواب بشكل عادي، في ظل الشغور الرئاسي، أو في ظل حكومات تصريف الأعمال أحياناً أخرى، المولجة تصريف الأعمال بالحدود الضيّقة والتي لا يمكنها الاجتماع وعقد جلسات لمجلس الوزراء بالشكل المعتاد.
فالمسألة تتكرّر في السنوات الأخيرة، بعدما بات الشغور الرئاسي وعرقلة تشكيل الحكومات، نمطاً يعتمده البعض لتعطيل المؤسسات، ولممارسة الابتزاز والضغط، وأكثر، لتحقيق أهدافه السياسية والسلطوية في الحكم والإدارة.
ويطلّ الجدل حول هذه القضية برأسه من جديد، في ظل الشغور الرئاسي الحالي، ومع حكومة تصريفٍ للأعمال، ورئيس مكلَّف تعذَّر عليه إتمام مهمّته وتشكيل حكومة جديدة، أصبحت معدومة إمكانية الوجود بعد انقضاء عهد الرئيس السابق ميشال عون والدخول في الشغور الرئاسي.
والانقسام حول هذه المسألة يضاف إلى سلسلة الانقسامات المسيطرة على المشهد السياسي عامةً، لأهداف متعددة. وتشدِّد كتل نيابية عدة، على أنه لا يمكن لمجلس النواب الاستمرار في التشريع وإصدار قوانين جديدة، كأن شيئاً لم يكن. أو كأن موقع رئاسة الجمهورية لزوم ما لا يلزم، ويمكن للحياة السياسية أن تستمر من دون وجوده، ولا تأثيرات تُذكر على انتظام عمل المؤسسات في حالة الشغور.
لكن كتلاً أخرى، ترى أنه على الرغم من الشغور الرئاسي ووجود حكومة تصريف أعمال، ثمة ملفات طارئة بحاجة إلى الدراسة ويجب طرحها على بساط البحث وصولاً لإصدار قوانين حولها، رافعةً ما بات يُعرف بشعار “تشريع الضرورة”.
لكن بعيداً من “الأهواء” والآراء المختلفة حول المسألة، التي تفوح من بعضها “روائح سياسية” فاقعة، يؤكد الخبير الدستوري والقانوني سعيد مالك، أنه “من الثابت وعملاً بأحكام المادة 74 من الدستور، أن مجلس النواب اليوم منعقد حُكماً، وبمقتضى الدستور، وعليه التفرُّغ وبشكل كامل لانتخاب رئيس جمهورية عتيد”.
ويوضح مالك، أنه “عملاً بنصّ المادة 75 من الدستور أيضاً، أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس جمهورية يُعتبر هيئة ناخبة لا هيئة تشريعية، ويقتضي عليه الشروع فوراً بانتخاب رئيس للجمهورية دون أي عمل أو مناقشة أو أمر آخر. ممّا يفيد على أنه طالما مجلس النواب راهناً هو بحالة انعقاد، وطالما هو في حالة انعقاد حُكمي بمقتضى الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية، لا يمكن على الإطلاق الاجتهاد والذهاب إلى أي تشريع لأي جهة كانت”.
ويشدد، على أن “الأولوية بالتالي هي لانتخاب رئيس للجمهورية ولاكتمال المؤسسات، لا سيما أن رئيس الجمهورية هو رمز وحدة الدولة، ولا يمكن اليوم اعتبار أمر انتخابه لزوم ما لا يلزم”، مؤكداً أن “ما يقال حول موضوع تشريع الضرورة، لا يستقيم في علم الدستور، كون كل تشريع هو في الأساس ضرورة. فليس هناك من تشريع ضرورة وتشريع لا ضرورة. بالتالي، على مجلس النواب اليوم أن ينكبّ لانتخاب رئيس الجمهورية قبل أي عمل آخر”.
ويلفت مالك، إلى أن “الفقيه الفرنسي أوجين بيار، ذهب أيضاً بهذا الاتجاه، وأكد أن مجلس النواب وعند حلول الشغور الرئاسي، يجب أن ينكبّ حصراً لانتخاب رئيس الجمهورية وملء موقع الرئاسة. وذلك في معرض مناقشة وتفسير المادة 7 من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، المشابهة أو المطابقة لنصّ المادة 75 من الدستور اللبناني”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية