لماذا نناضل منذ نعومة أظافرنا في صفوف المقاومة التي أخذت اسم “القوات اللبنانية” في الزمن الحالي؟ نفعل هذا لتبقى لنا قداسة الكرامة أمام طوفان الاحتلالات البغيضة الزاحفة علينا منذ التاريخ بأوجهها المتعددة وبيادقها الداخلية العمياء، إحتلالات أبكت الكيان ونشرت التخلف والتخلف والبشاعة والدمار.
فصل من رسالة المقاومة اللبنانية إلى المناضلين بالوفاء والقضية، لمجد الحرية والشهداء الذين نجحوا بتسجيل أسمائهم على صفحات من نور ونار وبخور. رفاقي الذين ارتضوا العودة باكراً إلى التراب الذي أحبوه حتى العشق والعبادة، فأصبح دمهم زرعاً طيباً في الأرض الخصبة، حتى صح فيهم قول القديس ترتليانوس: “إن دم الشهداء بزار المؤمنين”، ويبقون في البال هم المنتقلون بالشرف ذبائح حية إلى المكان الأفضل، لنبقى نحن ونكمل المسيرة التاريخية الحقة المقدسة حيث أرادنا الرب أن نكون.
من له قضية كقضيتنا، لا يتعب، ولا يضجر، ولا يستكين، فقضيتنا هي لبنان ذاك المارد المسمّر بين البحر والصحراء، وطن الأرجوان، صخرة ووديان، نبع الإيمان ، منشأ الوجدان، مقلع الصوان، بيت الجنان والحنان، وشعب إختار العيش في الكهوف ونتؤات الجبال ليحمي فيها الجوهر والحرية والعنفوان في ملحمة التاريخ والهوان…
وكانت المقاومة وليدة التاريخ التراكمي لجماعة تحولت إلى مجموعة فمجتمع فشعب يبحث عن بناء وطن وأمة، كانت المقاومة اللبنانية عصارة ألم ودماء ودموع وعرق، صنديدة كأرز الرب وصنين والحرمون، تجمع الشمل لتدافع عن الكيان في زمن اضمحلال القيم، وبرود الهمم، وتكاثر الفتن، وازدياد المحن، والسيوف المسلطة علينا في كل جهة. كانت المقاومة في وجه الطاغوث والطغيان تدافع عن لبنان، أمينة على التاريخ والإنسان، وعلى كل من استشهد وأعيق وتهجر واعتقل وذاق الأمرين، كانت القوات اللبنانية ولا تزال، وتبقى قضية كل من تعب وناضل وعانى، أمل وحقيقة لا تتزحزح ولا تنزاح، ثورة هادرة إلى الأمام وأجيال تسلم أجيال.
ففي زمن الوطنية النسبية، والغوغائية المتحكمة، والغرائزية المستشرية، والجهل الأعمى، والاهتراء الحاصل وسطوة السلاح الميليشياوي، تبقى قضية الحرية في ظلال الأرز محمية بـ”القوات” الوفية، تبقى القضية حية فينا لأنها حتمية تاريخية تسربت إلينا عبر الزمان من تعب الأجداد، ودموع الأمهات، ودماء الشهداء، تبقى القضية بالقوات اللبنانية تتفاعل فينا، تقاوم باللحم الحي طغيان رواسب الغزاة، فمن إبراهيم القورشي إلى يوحنا الأول مارون والحدشيتي والحجولي وموسى العكاري وعواد والدويهي والحويك إلى يوسف كرم والبشير والحكيم، حكاية أمة مقاوِمة ذاقت ألوان العذاب، وتجرعت القهر، وأبت الاستسلام.