ضبابية سلامة غير البنّاءة… الـ”كابيتال كونترول لا يرضيه”

حجم الخط

 

لم تروِ المواقف التي أطلقها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، والتي أعلن فيها عن أن بدء العمل بسعر الصرف الرسمي الجديد للدولار الأميركي بـ15.000 ليرة سيكون أول شباط المقبل، غليل المواطنين والمودعين المتعطِّشين لطمأنتهم حول مصير ودائعهم، وقيمة عملتهم الوطنية، ومستقبل سعر الدولار في السوق الفعلية.

فمن شاهد سلامة لمعرفة شيء ما جديد على هذا الصعيد وطمأنة قلبه، لم ينل مبتغاه، أو على الأقل كفايته من الاطمئنان. والانطباع أن سلامة يغلِّف تصاريحه وقراراته وإطلالاته بالكثير من الغموض، والكلام الذي يحمل تفسيرات وتأويلات. علماً أنه اضطُّر أكثر من مرة في فترات سابقة إلى إصدار بيانات يوضح فيها ما قصده بهذا التعميم أو ذاك، فضلاً عن إصدار ملحقات لتعاميم معيّنة توضح الملتبس فيها.

ويعلِّق الخبير الاقتصادي والمالي لويس حبيقة، على إطلالة سلامة التلفزيونية وما أعلنه خلالها، ويسأل بدايةً، “لماذا أخَّر سلامة تطبيق سعر الصرف الرسمي الجديد إلى أول شباط المقبل. علماً أن سعر السحب الحالي بـ8.000 ليرة بات أمراً غير مقبول نسبةً لسعر الدولار في السوق بنحو 40.000 ليرة؟ بل لماذا لم يتخِّذ قراراً مماثلاً منذ أشهر وأكثر؟”.

ويرى حبيقة، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “كان يجب البدء فوراً باعتماد سعر الـ15.000 ل.ل. للدولار، وقبل الأعياد، طالما القرار متَّخذ. ولعلَّ ذلك ينعش الحركة الاقتصادية والتجارية على مشارف الأعياد، ويحسِّن الوضع أكثر”.

ويعتبر، أن “حاكم البنك المركزي يمنح وقتاً لإقرار قانون الـ(كابيتال كونترول) الموعود، بما يرتئيه ويرضيه. وكلامه عن أن كل التعاميم المتعلقة بسحب الودائع المصرفية، لن يكون لها وجود متى أُقرَّ هذا القانون، يحمل دلالات”، مستغرباً “هذا الربط بين المسألتين”.

ويوضح حبيقة، أن “قانون الـ(كابيتال كونترول) يوضع لتقييد ومنع عمليات تهريب العملات الأجنبية إلى الخارج. في حين أن التعاميم المتلاحقة التي أصدرها ويصدرها حاكم المصرف المركزي، تتعلَّق بكيفية سحب الناس للقليل من ودائعهم المصرفية المودعة بالعملات الأجنبية، خصوصاً الدولار، بالليرة اللبنانية وبحسب السعر الذي يحدِّده في كل تعميم”.

بالتالي، من غير المفهوم، وفق الخبير الاقتصادي والمالي ذاته، “ربط هاتين المسألتين المختلفتين ببعضهما البعض. وهذا ما يثير علامات استفهام حول الأسباب الحقيقية خلف هذا الربط، بدل أن يقدِّم إجابات واضحة”.

وبرأي حبيقة، أن “سلامة غير راضٍ، وغير مسرور بإقرار قانون الـ(كابيتال كونترول)، ويحاول أن يخفي ذلك بقلب المسألة إلى إشعال صراع بين المودعين والنواب. أي بما يشبه، تريدون إقرار الـ(كابيتال كونترول)، حسناً، سيتمّ وقف العمل بكل التعاميم المتعلقة بسحب الودائع، وتصبح العلاقة بين المودع والمصرف حول السحوبات مباشرة وبحسب ما يقرِّه القانون أياً كان”.

ويضيف، “سلامة يكاد لا يُخفي عدم رضاه عن قانون الـ(كابيتال كونترول). فمرّة يرسل نائبه للمثول أمام لجنة المال والموازنة، ومرّة يتغيَّب عن الحضور وتلبية دعوة اللجنة من دون إعطاء أي عذر، ومرّات مواقف أخرى”.

بالإضافة إلى ذلك، من اللافت، وفق حبيقة، “توقيت إطلالة سلامة وما تضمَّنته من مواقف وقرارات، ولمحطة أجنبية بالتحديد، لا إلى محطة تلفزيونية داخلية، وكأنه أراد إرسال أكثر من رسالة، إلى الداخل والخارج. أو على الأقل، إن ذلك يطرح علامة استفهام حول الموضوع”.

أما عن تأكيد سلامة أنه قادر على ضخّ مليار دولار في السوق لمنع تقلُّبات كبيرة في سوق الصرف، بعد البدء بتطبيق سعر الـ15.000 ليرة للدولار الرسمي، يرى حبيقة، أنه “قادر على ذلك كما قال. لكن السؤال إلى متى ومن يضمن ثبات الاستقرار بعد ضخّ هذا المبلغ. علماً أن لمّ الليرات وتجفيف السوق من الليرة، بحجّة عدم استعمالها للمضاربة وشراء الدولار، سيخنق الحركة الاقتصادية وسيدفع إلى جمود الأسواق”.

لكن ثمة نقطتان جيّدتان في ما طرحه سلامة، بحسب حبيقة، “وهما: حديثه عن توحيد سعر الصرف وقوله إنه سيصبح لدينا سعران، الـ15.000 وصيرفة، فتوحيد سعر الصرف لا يمكن تحقيقه ضربة واحدة، لذلك ستكون هذه المرحلة الأولى لغاية ما تصبح صيرفة هي من يحدد السعر. وهو ربما يراهن على أن الناس ستلجأ إلى صيرفة لتأمين حاجتها من الدولار، وأنه سيتم توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي مع بدء مسيرة توحيد سعر الصرف، وستدخل أموال إلى البلد إثر ذلك يمكنه استخدامها لضبط السوق.

أما النقطة الثانية، فإنه بتحديد سلامة موعد انطلاق العمل بالسعر الرسمي الجديد للدولار على 15.000 ليرة، في أول شباط المقبل، أراح الناس التي كانت في حالة انتظارية وقلق وترقب، وتُحجم ربما عن السحب وغير ذلك، بانتظار السعر الجديد”.

وحول وجود علامات ونقاط غير واضحة بشكل متكرر في إطلالات سلامة وحتى في التعاميم والقرارات التي يصدرها، ينوِّه حبيقة، إلى أن “سلامة يعتمد أسلوب الضبابية غير البنّاءة منذ نحو 30 سنة، ويعتبر أنها تعطيه قوة وتمنحه مزيداً من الأهمية وهامشاً أوسع للمناورة. وإطلالته الأخيرة لم تخرج عن هذا السياق”.

ويرى، أن “نتيجة عدم الوضوح والشفافية ليست مشجّعة كما نلاحظ جميعنا”، معتبراً أن “إطلالة سلامة الأخيرة لم تترك انطباعاً عاماً إيجابياً على الأسواق وسعر الصرف وتحسين وضعية الليرة. بالتالي حين تكون الليرة في تراجع يكون الدولار في صعود، وأي ضبط للسعر وعدم تفلُّته يبقى مؤقتاً، طالما القرارات آنية ومجتزأة ومؤقتة من خارج خطة إنقاذ إصلاحية شاملة متكاملة”.

أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانبة

خبر عاجل