يترقَّب اللبنانيون عامةً، فضلاً عن الأسواق التجارية، مفاعيل البدء بتطبيق قرار وزير المالية يوسف خليل، استيفاء الضرائب والرسوم والتعرفات الجمركية على دولار الـ15.000 ليرة، بدء من أول كانون الأول المقبل. بالإضافة إلى اعتماد السعر ذاته للدولار الرسميّ، بدء من أول شباط المقبل كما أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي اعتبره خطوة على طريق توحيد أسعار الصرف.
ومخاوف اللبنانيّين تتركزّ على انعكاسات هذه القرارات على سعر الدولار في السوق الموازية الذي سينعكس بدوره على معيشتهم اليومية الصعبة وتأمين حاجياتهم الأساسية والصمود، وهم الذين ينوؤون تحت أعباء الأزمة إلى حدِّ الانسحاق بعدما تخطَّت نسبة الفقر الـ80%.
لكن الخبيرة في الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية، ليال منصور، ترى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “تأثير هذه الإجراءات سيكون بسيطاً. فحين يوضع قرار رفع الدولار الجمركي إلى 15.000 ليرة موضع التطبيق، بالإضافة إلى 15.000 ليرة للدولار الرسمي، لن يُحدث ذلك خضّة سلبيّة كبيرة في الاقتصاد”، لافتة إلى أن “الدولار سيستمر بالارتفاع، لكن بوتيرته البطيئة الحالية”.
وتوضح، أن “المسألة تشبه، على سبيل المثال، سائقاً يقود بسرعة 120/كلم في الساعة، وينتقل إلى سرعة 125/كلم في الساعة، أي أن الفرق بسيط، وليس كمن كان يقود على سرعة 50/كلم وانتقل إلى سرعة 120/كلم في الساعة، على الرغم من أنه فعلياً زاد من سرعته. وهكذا بالنسبة لسعر الدولار، من المفترض أن يواصل ارتفاعه إنما بدرجة غير كبيرة”.
لكن منصور تستدرك، بالقول، “لأن لبنان بلد صغير ويُعتبر حتى الآن جاهل اقتصادياً بدرجة عالية (وكلمة بتاخدو وكلمة بتجيبو)، ولغاية الآن لا تزال هناك قناعة كبيرة بأن الدولار سياسيّ، وما شابه، أتوقَّع أن نشهد في الفترة الأولى بعض التقلّبات والبلبلة في سعر الدولار، غير المبرَّرة اقتصادياً إنما على مستوى العوامل النفسية (ثقة وسمعة وإشاعات)، قبل أن يتصحَّح الوضع مجدداً بعد فترة. تماماً كما حصل في فترات سابقة عند تشكيل الحكومات مثلاً، أو ما رافق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وغيرها”.
وتشير، إلى أن “الناس ستتفاعل بجنون مع هذه الإجراءات ما سيدفع بالدولار إلى تحقيق قفزة في المرحلة الأولى، نتيجة الهلع والخوف. بينما في الواقع، الدولار في مسيرة تصاعدية مستمرة إنما بطيئة، ولا يُفترض من الناحية الاقتصادية أن يقفز بدرجات عالية، لكن سيعود للاستقرار النسبيّ عند حدود معيّنة، إنما دائماً بمسار تصاعديّ”.
ولا تنفي منصور، أنه “من حق الناس أن تشعر بالهلع، تبعاً للظروف المحيطة. إنما هذا الخوف سيدفع للتهافت أكثر على شراء الدولار، ما سيجعله يقفز في المرحلة الأولى كما أشرنا. لكن مسألة تأمين زيادة المعاشات التي أقرَّت في موازنة العام 2022، والسلفة لشركة كهرباء لبنان من مصرف لبنان والكلام عن تحقيق الجباية المنتظمة بعد رفع سعر الكيلواط لإعادتها إلى البنك المركزي، الأمر المشكوك فيه، وضخّ المزيد من الليرات في السوق وزيادة التضخم وفقدان الليرة للمزيد من قوّتها، والاستنزاف الإضافي لاحتياطيّ مصرف لبنان، كلها عوامل تدفع الدولار إلى مواصلة الارتفاع لكن ليس لتحقيق قفزات كبيرة”.
أما بالنسبة لكلام حاكم البنك المركزي عن اتجاه لتوحيد سعر الصرف، تسأل منصور، “تحت أي عرف أو سياسة نقدية أو نظرية اقتصادية يتمّ ذلك؟”، مؤكدة أنه “ليس بهذه الطريقة يتم توحيد سعر الصرف، فهناك طرق وبروتوكولات معيّنة لذلك. تماماً كالمصاب بفيروس كورونا مثلاً أو غيره، هناك بروتوكول طبيّ معروف ومعتمد في كل أنحاء العالم للعلاج”.
وتتحدَّى منصور سلامة، أن “يطرح ما يقترحه لتوحيد سعر الصرف أمام المتخصِّصين في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، أو أي مؤتمر اقتصادي مالي لمتخصِّصين في هذا المجال”، مؤكدة أن “جلّ ما يحاوله سلامة هو توحيد تعدُّد أسعار الصرف التي اخترعها من خلال تعاميمه المتلاحقة”.
وتوضح، أنه “سيبقى هناك سعر منصة صيرفة، وسعر الصرّاف أو السوق الموازية. إنما بدل أن يكون هناك أسعار عدة من مصرف لبنان، (السعر الرسمي، والـ8.000 ليرة، والـ12.000 ليرة، وسائر القرارات التي اتخذها للسحوبات وطريقة احتساب الدولار، سيكون هناك سعر واحد رسميّ من البنك المركزيّ”.
وتعتبر منصور، أن “كلام سلامة هو أكثر تسويقيّ للداخل اللبناني، أكثر مما هو كلام جدّي وعلميّ يمكنه أن يطرحه أمام صندوق النقد الدوليّ أو البنك الدوليّ أو أي مؤسسة أو مؤتمر دوليّ اقتصادي على هذا الصعيد. فبروتوكولات توحيد سعر الصرف لدى وجود أسعار صرف متعدّدة، معروفة دولياً، وهدف سلامة يُختصر بأنه بدل وجود 6 أسعار صرف للدولار هو يريد اختصارها إلى ثلاثة أسعار فقط (15.000، منصّة، صرّاف)”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية