بعد أخذ وردٍّ وجدلٍ وسقوف عالية و”تهبيط حيطان”، نجح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في تأمين النصاب لعقد جلسة، وصفها بالاستثنائية والضرورية، لحكومة تصريف الأعمال، لاتخاذ قرارات لا تحتمل التأجيل. في حين فشل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، في منع انعقاد الجلسة، على الرغم من العناوين الكبرى، البرّاقة في الشكل وكالسمّ في الدسم في الخلفيات، التي ساقها مبرِّراً رفضه.
ذلك على الرغم من أن “ضرورات انعقاد الجلسة” التي تسلَّح بها ميقاتي، ليست بالموجبة حُكماً من دون أي نقاش، أو ما كان بالإمكان معالجتها بالضرورة المطلوبة من دون الدعوة لعقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، ولا هي من قواعد سلوكيات “امرأة قيصر” غير القابلة للشك.
ومن الطبيعيّ أن باسيل لن يسكت على الضربة القاسية التي تعرَّض لها، والتي لا تُخفي أوساطه أنها ما كانت لتكون، وما كان ميقاتي ليتجرّأ عليه، لولا دعم حزب الله وتغطيته لهذه الخطوة التي يعتبر باسيل أنها مسَّت “هيبته” في الصميم.
فما كاد الصباح يطلع على بيان الوزراء التسعة الرافضين لانعقاد الجلسة، والذي اتُّهمت دوائر باسيل بإعداده ونشره، حتى تبيَّن أن بيته الداخليّ وادعاءه بالقوة البرلمانية الأكبر والأقوى لا يستند إلى ركائز ثابتة، وأن مصادر قوّته مربوطة بحبل يقبض على طرفه حزب الله، يشدّه ويرخيه بحسب مصالح مشروعه. وليس أوضح من انضمام وزير الصناعة، (حزب الطاشناق) جورج بوشكيان، المنتمي إلى تكتل لبنان القوي، إلى المشاركين في جلسة الحكومة وتأمين النصاب الدستوري لها، للدلالة على هشاشة ادعاءات القوة الموهومة.
المحلل السياسي علي حمادة، يرى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “يمكن القول، من خلال اكتمال نصاب العقد الحكومي، أمس الاثنين في السراي، إن حزب الله ورئيسَي حكومة تصريف الأعمال والبرلمان نبيه بري، وجَّهوا مجتمعين صفعة لرئيس التيار الوطني الحر”.
ويعتبر حمادة، أنه “ليس غريباً أن يوجِّه بري وميقاتي هذه الصفعة، لكن الجديد هو دخول حزب الله على خطِّها. بمعنى أنه يمكن القول إن الحزب أطلق بذلك مرحلة من الضغوط، التي ستتوالى صعوداً، على باسيل وتياره، لاعتبارات تتَّصل بالعمل الحكومي وتصريف الأعمال بالحدود الدنيا، لكن الأهمّ لاعتبارات تتعلَّق بالاستحقاق الرئاسي”.
ويوضح، أن “حزب الله ممتعض جداً من باسيل ولا يُخفي امتعاضه، لأنه حاول منذ أشهر عدة أن يستقطبه لتأييد خياره الرئاسي، أي النائب السابق سليمان فرنجية، ولم ينجح في ذلك. لا بل إن باسيل، وهو المسكون بهواجس الرئاسة وما بعدها، في ما يتعلَّق بحصّته في التركيبة وفي الدولة العميقة وفي المكاسب السياسية وغير السياسية، لم يقبل حتى الآن بفرنجية، لا بل إنه صعَّد ضده، أكان في بيروت أو في باريس”.
ويلفت حمادة، إلى أن “هذا خلق نوعاً من الانزعاج الكبير لدى حزب الله، من دون أن يكسر العلاقة. فهناك العلاقة ضمن أطر اللعبة السياسية، لكن هناك العلاقة التي يعتبرها حزب الله أهمّ، أي تلك المتَّصلة بالاستراتيجية، أي غطاء التيار الوطني الحر لسلاحه، ولوظيفة الحزب الداخلية والإقليمية انطلاقاً من لبنان”.
ويضيف، “هناك صفعة لكن العلاقة لم تنكسر، إنما هناك اهتزاز. ومن الواضح بأن جلسة حكومة تصريف الأعمال بالأمس، جرى اختصار بنودها إلى أقصى الحدود، لنحو 25 بنداً بعدما كانت نحو 300 بند”، معتبراً أن “موقف أطراف مسيحية، مثل القوات اللبنانية، كان مهمّاً في هذا الإطار، لأن تلك الأطراف أبدت حرصها على عدم تعطيل الحياة العامة وحياة الناس ومصالحهم، لكن بحدودها الدنيا، مع عدم تجاوز الصلاحيات، وعدم الاسترسال واستسهال عقد جلسات حكومية طبيعية في ظل الشغور الرئاسيّ”.
ويشير حمادة، إلى أن “حزب الله أعطى حقنة منشّطات كبيرة لميقاتي. وأبلغ رسالة نصف قاسية، لكنها تحذيرية في مكان ما لباسيل، لأنه كشف عن أن جزءاً كبيراً من قوّة الأخير والتيار الوطني الحر تكمن في تحالفه مع حزب الله. فمن دون الأخير التيار معزول، مسيحياً وإسلامياً، ووطنياً بشكل أو بآخر”.
وينوِّه، إلى أنه “بالتالي، لا ملجأ لباسيل وللتيار الوطني الحر سوى حزب الله. وهنا السؤال، هل يعود باسيل إلى بيت طاعة حزب الله وبسرعة؟، لافتاً إلى أن “هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية