الأشرفية تتنفّس “مقاومة” فلا تجربوها!

حجم الخط

تعتبر الأشرفية منطقة مسالمة، تقع على تلة في الجزء الشرقي من بيروت، لكن أهاليها اعتادوا على الصعاب منذ حرب 1975، حيث نالت قسطها من الاعتداءات، مما جعل مؤسس “القوات اللبنانية” بشير الجميّل يغيّر روحها، فأصبحت رمزاً للمقاومة، بل تمرّست بها عام 1978، عندما دخلها الجيش السوري بقناع قوات الردع العربية، وراح يستفز سكانها بحواجز وعمليات اعتقال ورفع صور الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.

نجح بشير في استنهاض روح المقاومة في الأشرفية، وتحوّلت قاعاتها مكاناً لتدريب الشباب، وعندما اندلعت المعارك بين المقاومة اللبنانية والسوريين، أظهرت عائلاتها قدرة كبيرة على الصمود، وبات شبابها مقاتلين مقاومين، تحدوا السوريين بأسلحة بدائية وتمكنوا من طردهم من الأشرفية بعد معركة دامت ثلاثة أشهر، تعرضت فيها المنطقة لآلاف القذائف.

ولم تكن حرب المئة يوم عام 1978 المعركة الوحيدة للأشرفية في مواجهة الاحتلال وكل من تسوّلت نفسه الاعتداء عليها، إذ شهدت خلال الحرب مواجهات عديدة وخصوصاً أن بعض شوارعها تحوّلت خطوط تماس، إلا أنها رسمت الخط الأحمر في مواجهة الأعداء.

إذاً هناك رمزية لمنطقة الأشرفية، تماماً كمثلث الصمود عين الرمانة، واستمرت هذه الرمزية حتى هذا اليوم لأن أكثرية أهالي الأشرفية يؤيدون “القوات اللبنانية” و”الكتائب”، وهما حزبان سياديان لا يساوما على القضية التي ائتمنهما عليها الرئيس الشهيد بشير الجميل.

بعد الحرب، تمت إزالة خطوط التماس، وعادت الأشرفية لتكون منطقة تعايش مع كل الطوائف الأخرى لأن معظم أهاليها من المسيحيين وخصوصاً الروم الارثوذكس، ولو كان للموارنة وجود كبير فيها. فهي تستقبل الجميع وتفتح أبوابها لكل الشركاء في الوطن، وتتطلع إلى أن تكون الدولة حاميتها الوحيدة من طموحات بعض الغوغائيين الذين يضيّعون البوصلة أحياناً بين “القدس” والأشرفية.

منذ أسابيع، اتخذ شباب الأشرفية وفاعلياتها قراراً بضبط الأمن فيها وخصوصاً أن شوارعها تشهد سرقات واعتداءات من هنا وهناك، مما أزعج بعض المقربين من “حزب الله” ولا سيما وسائل اعلامه مثل جريدة “الأخبار” الذي اتهم فيها رئيس تحريرها ابراهيم الأمين أنطون الصحناوي والنائب نديم الجميل بتعزيز الأمن الذاتي في الأشرفية عبر نشر شباب في شوارعها لردع السرقات والاعتداءات التي تطالها من بعض الدخلاء على المنطقة.

واللافت أن عمليات الغزو بالموتوسيكلات تعرضت لها الأشرفية مراراً وتكراراً من قبل بعض الغوغائيين، لم تُعرف أهدافها حتى اليوم. وهذا ما حصل ليل أمس بعد فوز منتخب المغرب على منتخب البرتغال في كأس العالم، إذ أظهرت الفيديوهات ان مجموعة كبيرة من الموتوسيكلات دخلت الأشرفية ووصلت إلى ساحة ساسين حيث كانت تقام احتفالات لعيد الميلاد. ولم يكتف هؤلاء الرعاع بذلك، بل تمادوا في حركات استفزازية لا علاقة لها بالمناسبة الرياضية وانجاز منتخب المغرب الصديق، مما اضطر إلى تدخل شباب مولجين بالمحافظة على أمن المنطقة وتصدوا لهم، فسقط العديد من الجرحى من المعتدين، قبل أن تتدخل مخابرات الجيش اللبناني التي انتشرت في المكان وأعادت الهدوء إلى المنطقة.

يبدو أن هناك رسالة معيّنة يحاول هؤلاء أن يبلّغوها عبر تهديد مناطق مسالمة وافتعال مشاكل فيها، مما يذكّر بغزوة عين الرمانة، والمشكلة أنه بعدما يقع المحظور ويسقط ضحايا، تبادر بعض المرجعيات السياسية إلى اتهام الآخرين بالإعتداء، إلا أنه لم يقولوا لنا ولو مرة واحدة، ماذا يفعلون في منطقة الأشرفية؟ ولماذا يقومون بممارسة الاستفزازات عبر حمل صور حافظ الأسد وابنه بشار والهتاف بكلمات نابية والمبالغة بالتهديد؟

قد تكون غزوة الأشرفية أكبر برهان على أهمية استنفار فعالياتها وشبابها لحمايتها من ايادي الغدر و”الزعران”، وهذا أمر ضروري في ظل تقاعس الدولة، علماً أن أهالي الأشرفية من اشد المطالبين بوجود الدولة في شوارعها، بل لا تريد سلاحاً سوى سلاح الجيش اللبناني وتنبذ كل الأعمال الميلشياوية.

لا أحد يستسهل ما حصل، لأن تكرار هذا الأمر قد يؤدي إلى شرارة حرب لا تعرف عقباها، ومن الأفضل أخذ العبرة واستدراك الوضع لئلا تفلت الأمور من عقالها. الأشرفية لن تقبل أن تكون مكسر عصا لأحد، وتاريخها “المقاوم” حاضر!

 

 

المصدر:
أخباركم أخبارنا

خبر عاجل